من خفض الفائدة إلى صدمة نيكي.. كيف دوّخ الفدرالي الأسواق؟
في ليلة قرار واحد، خفّض مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية في تصويت منقسم، ثم لمح إلى توقف مؤقت عن مزيد من الخفض.
في المقابل، ترك جيروم باول مستقبله في المجلس غامضا، بينما أعادت الأسواق العالمية، من الذهب والفضة والدولار إلى وول ستريت ومؤشر نيكي الياباني، تسعير مخاطرها.
قرار واحد.. انقسام عميق ورسائل حذرة
تقول رويترز إنّ الفدرالي خفّض سعر الفائدة إلى نطاق بين ٣.٥٪ و٣.٧٥٪، في خطوة عارضها ٣ من أعضائه، فيما أظهرت توقعات صانعي السياسة النقدية أنهم يرجحون خفضا واحدا فقط بمقدار ربع نقطة في عام ٢٠٢٦.
وتفترض هذه التوقعات تباطؤ التضخم إلى نحو ٢.٤٪ بنهاية العام المقبل مع نمو عند نحو ٢.٣٪ وبطالة قرب ٤.٤٪.
بيان اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة شدّد على أن أي تعديلات إضافية على الفائدة ستُتخذ بعد "تقييم البيانات الواردة بعناية"، وهي صياغة يستخدمها الفدرالي عادة للإشارة إلى توقف مؤقت عن تغيير السياسة.
وبذلك، يرسل المجلس رسالة أكثر حذراً من رهانات السوق التي تسعّر خفضين إضافيين للفائدة العام المقبل، بحسب رويترز.
كرسي باول بين الغموض ورسوم ترامب الجمركية
على المستوى الشخصي، نقلت رويترز عن باول قوله إنّه ليس لديه ما يقوله بشأن بقائه في مجلس الاحتياطي الاتحادي بعد انتهاء ولايته رئيسا في مايو المقبل، موضحا أنّ فكرته الأساسية هي أن يسلّم المهمة لمن سيخلفه والاقتصاد في "وضع جيد للغاية"، مع تضخم تحت السيطرة وفي طريقه إلى ٢٪ وسوق عمل قوية.
وأضاف أنّه يركّز على ما تبقّى من ولايته الحالية، من دون تقديم أي إشارة إلى المرحلة التالية.
أما على مستوى التضخم، فجدد باول الإشارة إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الواردات تتحمل، في رأيه، القدر الأكبر من تجاوز التضخم للمستوى المستهدف البالغ ٢٪، واصفا أثرها بأنه أقرب إلى "زيادة واحدة في الأسعار".
وتأتي هذه التصريحات بينما تتأخر بعض البيانات الرسمية، في وقت ينتظر فيه المستثمرون أرقام الوظائف والتضخم المقبلة التي يعتمد عليها الفدرالي، وفق ما ذكرت رويترز.
ذهب متردد وفضة جامحة في سوق واحدة
في سوق المعادن النفيسة، عكس الذهب حيرة المستثمرين حيال وتيرة التيسير النقدي.
فقد ذكرت رويترز أن أسعار الذهب الفورية تراجعت ٠.٢٪ بعدما لامست أعلى مستوى في أسبوع تقريباً، بينما أوضح تيم ووترر، كبير محللي السوق في "كيه.سي.إم تريد"، أن المعدن الأصفر لم يتمكن من مواصلة الصعود لأن رسالة الفدرالي كانت أن أي تخفيضات أخرى في أسعار الفائدة قد تكون "قليلة ومتباعدة"، رغم أن الفائدة المنخفضة تصب عادة في مصلحة الأصول التي لا تدرّ عائداً مثل الذهب.
في المقابل، واصلت الفضة مسارها الصعودي القوي. فبحسب رويترز، ارتفعت إلى مستوى قياسي جديد بلغ ٦٢.٨٨ دولاراً للأوقية، لتصل مكاسبها منذ بداية العام إلى ١١٣٪ بدعم من قوة الطلب الصناعي، انخفاض المخزونات وإدراجها على قائمة "المعادن الحرجة" في الولايات المتحدة.
وقال إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في "تيستي لايف"، إن الفضة "لم تهتم حقاً بالأمور الخارجية وكانت ترتفع من تلقاء نفسها". وفي الخلفية، تحرك البلاتين والبلاديوم في نطاقات ضيقة مع ميل الأول إلى الارتفاع والثاني إلى التراجع الطفيف.
الدولار يضعف.. وول ستريت تقوى بعد الخفض
على جانب العملات، أفادت رويترز بأن الدولار تراجع إلى أدنى مستوى له منذ ٢١ أكتوبر بعد اجتماع الفدرالي، مع انخفاض مؤشره إلى ٩٨.٥٤٣ نقطة.
هذا التراجع أفسح المجال أمام اليورو لتجاوز مستوى ١.١٧ دولاراً مقترباً من أعلى مستوى في شهرين، وسمح للجنيه الإسترليني بملامسة أعلى مستوى في شهر ونصف، فيما ارتفع الين بنحو ٠.٢٥٪ رغم فروق أسعار الفائدة الكبيرة.
واعتبر نيك ريس، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي لدى "مونكس أوروبا"، أن أهم ما في الاجتماع هو "الميل إلى التيسير" في التعليقات المصاحبة، بينما وصف توني سيكامور، محلل السوق لدى "آي.جي"، النبرة الجديدة بأنها "ضوء أخضر" لارتفاع الأصول المنطوية على مخاطرة حتى نهاية العام.
هذا المزاج ظهر بوضوح في وول ستريت، حيث أنهت الأسهم الأميركية الجلسة على ارتفاع بعد قرار الخفض وترجيح تعليق المزيد من التخفيضات مؤقتاً.
ووفقاً للبيانات الأولية التي نقلتها رويترز، صعد مؤشر ستاندرد أند بورز ٥٠٠ بنحو ٠.٦٧٪، وزاد مؤشر ناسداك المجمع ٠.٣٣٪، وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي ١.٠٥٪.
وأوضحت مونا مهاجان، رئيسة استراتيجية الاستثمار في "إدوارد جونز" في نيويورك، أن الأسواق تميل عادة إلى استحسان بيئة يخفض فيها الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بينما لا يكون الاقتصاد متجهاً نحو تباطؤ حاد أو ركود وشيك.
وقاد قطاع الصناعة المكاسب، مع قفزة في سهم "جي.إي فييرنوفا" بعد أن توقعت الشركة تحقيق إيرادات أعلى في ٢٠٢٦ تعكس قوة الطلب على البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
من واشنطن إلى طوكيو.. صدى الفدرالي في نيكي
في آسيا، امتدّ تأثير قرار الفدرالي إلى بورصة طوكيو، ولكن بلون مختلف.
فبحسب رويترز، تخلى المؤشر نيكي عن مكاسبه المبكرة لينخفض ٠.١٪ إلى ٥٠٥٥٤.١ نقطة، بعد أن كان قد ارتفع ٠.٥٪ في بداية الجلسة مقتفياً أثر ارتفاعات وول ستريت خلال الليل، فيما تراجع المؤشر الأوسع توبكس ٠.١٧٪.
العامل الحاسم كان مجموعة سوفت بنك، التي هبط سهمها ٥.١٧٪ مقتفيا أثر تراجع سهم أوراكل بأكثر من ١١٪ في التعاملات الممتدة، بعد أن جاءت توقعات مبيعات وأرباح شركة التكنولوجيا الأميركية دون توقعات وول ستريت.
وكانت سوفت بنك قد أعلنت في وقت سابق من العام، إلى جانب أوراكل وأوبن إيه.آي، عن خطط لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة ضمن مشروعها الطموح "ستارغيت".
وقال شوتارو ياسودا، محلل السوق في "توكاي طوكيو إنتليجنس لابراتوري"، إن المؤشر نيكي فتح على صعود مقتفياً أثر وول ستريت، لكن تراجع سوفت بنك "بدّد المكاسب"، بينما أثارت أرباح أوراكل مخاوف بشأن ما إذا كان مشروع مراكز البيانات سيمضي قدماً كما هو متوقع.
وفي الوقت نفسه، تراجعت أسهم تكنولوجيا أخرى في اليابان، منها "طوكيو إلكترون" و"شين-إيتسو كيميكال" و"فانوك"، في حين خالف سهم "أدفانتست" الاتجاه وقفز نحو ٤.٥٪.
وعلى النقيض، ارتفعت أسهم البنوك مع صعود سهم مجموعة "ميزوهو المالية" ومجموعة "سوميتومو ميتسوي المالية"، بينما قفز سهم شركة الطباعة "توبان هولدنغز" بنحو ٥.٣٪ ليصبح من أكبر الرابحين بالنسبة المئوية على المؤشر نيكي.
ومن بين أكثر من ١٦٠٠ سهم في السوق الرئيسية لبورصة طوكيو، ارتفع نحو ربع الأسهم، وانخفض قرابة ٧٠٪، فيما استقرّ الباقي، في مشهد يعكس كيف انتقل صدى قرار الفدرالي من واشنطن إلى آسيا عبر قناة شركات التكنولوجيا والتمويل، كما ترصده رويترز.