صراعات
.
اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري بصواريخ إسرائيلية في العاصمة اللبنانية بيروت، الثلاثاء ٢ يناير، كشف مسألة مثيرة للجدل في لبنان تتمثل ببروز سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات المُخصصة لهم.
تحقق هذا الأمر فعلا خلال تشييع العاروري، الخميس ٤ يناير، في منطقة الطريق الجديدة ضمن العاصمة اللبنانية بيروت، حيث رُصد ظهور واضح لعناصر "حماس" وبحوزتهم أسلحة رشاشة.
المشهد المُرتبط بـ"حماس" اعتبرته أطراف لبنانية بمثابة "انتهاك للسيادة الوطنية"، كما أنه فتح الباب مُجددا أمام ملف السلاح الفلسطيني الموجود داخل وخارج المخيمات وعن دوره في لبنان.
فماذا تقول شخصيات لبنانية عن هذه المسألة؟ ما هي علاقة العاروري بتعزيز نفوذ "حماس" عسكريا في لبنان وتحديدا عبر فرع كتائب القسام؟ وما هو مصير هذا الفصيل في لبنان؟
النائبة في البرلمان اللبناني، غادة أيوب، قالت لبلينكس إن "المظاهر المسلحة التي جرى رصدها خلال جنازة العاروري تُعد بمثابة انتهاك فاضح للسيادة اللبنانية"، داعية إلى ضبط أي سلاح غير شرعي ومنع استخدامه من خلال أي جهة كانت، بدءا من حزب الله مرورا بحماس وصولا إلى الجهات الفلسطينية واللبنانية الأخرى.
أضافت "المظاهر المسلحة مرفوضة تماما سواء من قبل حماس أو حزب الله أو أي فصيل آخر. ونؤكد على خطورة وجود سلاح داخل المخيمات الفلسطينية والذي يحتاج إلى معالجة جديدة من قبل الدولة".
العميد المتقاعد في الجيش اللبناني بسام ياسين أكد لبلينكس إن ظهور مسلحين بشكل فاضح وعلني هو "مدعاة للاستنكار"، مضيفا أنه يجب على الأجهزة الأمنية معالجة الأمر الذي حصل بـ"حكمة وفي الوقت المناسب".
أضاف أنه "ممنوع أن يكون هناك وجود مسلح لأيّ طرف، ويجب التصدي لأي ظاهرة من هذا القبيل.. السيادة لا تتجزأ ويجب أن يكون للقوى الأمنية الشرعية موقف واضح لضبط السلاح غير الشرعي".
ياسين أوضح أن السلاح داخل المخيمات موجود منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أنه اعتبارا من العام 1998، تم تسليم كل السلاح الثقيل الذي كان موجودا بحوزة الفلسطينيين إلى الجيش اللبناني".
وأضاف "اشتباكات مخيم عين الحلوة خلال الأشهر الأخيرة أظهرت وجود أسلحة متوسطة، لكن أحداث ٧ من أكتوبر الماضي والعمليات التي نفذتها فصائل فلسطينية في إطارها انطلاقا من جنوب لبنان ضدّ إسرائيل، كشفت عن وجود سلاح ثقيل يتمثل بصواريخ، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول نوعية الأسلحة الموجودة داخل المخيمات".
مقتل العاروري لم يُسلّط الضوء على سلاح حماس خارج المخيمات فحسب، بل أيضا ثبّت وجود كتائب القسام في لبنان، إذ تبين أن شخصين قُتلا مع العاروري ينتميان لقادة الفصيل المذكور، وهما سمير فندي وعزام الأقرع.
معلومات بلينكس أشارت إلى أن العاروري كان "عرّاب" عمل "القسّام" في لبنان، فهو كان أحد أبرز القيادات التي يتابع عمل هذا الفصيل المُسلح ويُنسق تفاصيل العمليات التي يقوم بها مع ميليشيا حزب الله.
بحسب المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإن العاروري كان يواكب "الإطار العام" لعمليات الجناح المسلح لحماس في لبنان، علما أن لهذا الجناح العسكري قادة لهم مسؤولياتهم التنظيمية داخل "حماس".
صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية ألمحت في تقرير سابق لها، إلى أنَّ العاروري كان بمثابة صلة الوصل بين قيادة حماس في غزّة و حزب الله في لبنان، مشيرة إلى أن القيادي المُستهدف هو الذي أبلغ أمين عام حزب الله حسن نصرالله بمعركة طوفان الأقصى قبل بدايتها بنصف ساعة يوم 7 أكتوبر.
التقرير الفرنسي قال إن العاروري تلقى اتصالا من يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، وتبلغ منه ضرورة إخبار نصرالله بأمر العملية.
حزب الله بدوره نفى تلك الرواية، قائلا إنه لم يكن على علم بما حصل يوم 7 أكتوبر، وأن العملية كانت ذات طابع فلسطيني بشكل كامل.
مقتل فندي والأقرع كشف تفاصيل بشأنهما لم تكن معروفة بشكل علني سابقا، علما أن حماس لم تُسهب حتى في الحديث عن الرجلين في بياناتها المرتبطة بمقتلهما.
مصادر بلينكس صرّحت أنّ سمير فندي كانَ بمثابة قائد لـ"القسام" في لبنان، كما أنه أحد أبرز وجوهها "غير المعروفة" علنا إلا بعد مقتله في بيروت.
المعلومات تشير إلى أنّ فندي كان من يدير عمليات القسام في جنوب لبنان، كما أنه كان من المتابعين الأساسيين في غرفة العمليات التي تمّ إنشاؤها في الضاحية الجنوبية لبيروت بالتنسيق والتعاون بين حزب الله وحماس.
وبحُكم مهماته، تشير المصادر إلى أنّ فندي كان يدير تحركات الجماعات الفلسطينية في جنوب لبنان، وتحديدا تلك التي تنطلق من المخيمات الموجودة هناك.
عزام الأقرع، هو عضو بارز في حماس وتولى مسؤوليات في سوريا قبل انتقاله إلى تركيا ومن ثم إلى لبنان، وتشير المعلومات إلى أنهُ كان أحد الكوادر الأساسية للقسام في لبنان ومن مؤسسيها ومن المشرفين على عملياتها بعد هجوم 7 أكتوبر.
وبحسب مصادر بلينكس، فإن فندي والأقرع غير معروفين إلا ضمن الحلقة الضيقة للحركة. وامتنع مسؤولو حماس مؤخرا عن الإدلاء بأيّ تصريح يخصّ نشاط القسام أو أيّ فرد منها.
استهداف العاروري مع اثنين من قادة القسام، ليس الأول من نوعه في لبنان منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم.
في الـ21 من نوفمبر الماضي، قصفت إسرائيل سيارة في بلدة الشعيتية، جنوب لبنان، كانت تقلُّ مسؤولا عسكريا في الفصيل المسلح يُدعى خليل الخراز و3 من مرافقيه.
حينها، جرى تعريف الخراز على أنه نائب قائد القسام في لبنان، ومن قُتل معه هم أبوبكر عوض وخلدون ميناوي وسعيد ضناوي.
عملية القصف التي وقعت في الشعيتية لم تأخذ حيزاً واسعاً من التغطية مقارنة بعملية الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنها كشفت عن وجود قادة فعليين للقسام في لبنان، كما تبين أن الفصيل المسلح يجمع عناصر موجودة في مختلف المناطق اللبنانية.
وعلى سبيل المثال، فإن الشبان الـ3 الذين قُتلوا مع الخراز هُم من سكان مدينة طرابلس، شمال لبنان، بحسب ما ذكر موقع المدن اللبنانية.
مصادر في حركة حماس قالت لبلينكس، إنَّ الاستهداف لن يوقف الفصيل عن الاستمرار في عملياته.
رغم الاستهداف الذي طال العاروري وقبله الخراز، تبين أن حماس عززت نفوذها وباتت تهتم بالساحة اللبنانية.
الأدلة على ذلك عديدة، أبرزها، أن لديها جناحاً عسكرياً وهو القسام، في حين أنها أسست خلال الآونة الأخيرة ما يسمى بطلائع طوفان الأقصى.
المشهد الذي كان لافتاً والذي يدل على تعزيز حماس لنفوذها هو عدد عناصرها الكبير خلال تشييع العاروري في بيروت، الخميس، إذ ظهرت عناصر عسكرية تابعة لحماس في أوساط جموع المُشيعين.
ما حصل يُمكن أن يندرج في إطار ما يُسمى تأسيس "حماس لاند" في لبنان التي تمّ الحديث عنها سابقاً بعد إطلاق الحركة طلائع طوفان الأقصى.
صحيفة نداء الوطن اللبنانية، قالت في تقريرٍ سابق لها، إن المرجعيات الرسمية اللبنانية تلقت رسائل مباشرة من سفراء وأمنيين غربيين، تتعلق بالانفلات الحاصل للفصائل الفلسطينية الإسلامية، وعلى رأسها حركة حماس في لبنان، التي تتصرف ميدانياً وسياسياً وإعلامياً وكأنها هي الدولة، ومخاطر ذلك على الدولة اللبنانية التي قد تتعرض لإجراءات تزيد حدّة التضييق على مؤسساتها واقتصادها.
الصحيفة قالت إن "الأخطر في الرسائل والمراجعات، التحذير الصريح من أنّ لبنان الذي يبيح ساحته للعمل الفلسطيني الإسلامي المسلح والسياسي والإعلامي، سيكون الوجهة الطبيعية لقادة هذه الفصائل (حماس والجهاد) وكوادرها، في حال التوصل الى تسوية للحرب في غزة، إذ يجري الحديث عن إمكانية ترحيل أعداد بالمئات سيكون ملاذهم المخيمات الفلسطينية في لبنان".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة