صراعات
.
كشفت وثائق حصرية حصلت عليها بلينكس أن الجهاز الأمني لتنظيم داعش في سوريا، لعب دورا على مدى السنوات الماضية في إنشاء خلايا في دول وسط آسيا، للتخطيط لشن عمليات داخل روسيا.
ومع تبني تنظيم داعش خراسان هجوم موسكو، مساء الجمعة، تأتي هذه الوثائق لتعزز الشبهات بضلوع التنظيم.
تنظيم داعش تبنى الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة أكثر من 140 شخصا في قاعة حفلات في إحدى ضواحي العاصمة موسكو. وقبل أسبوع من العملية حذّرت السفارة الأميركية في موسكو رعاياها من التجمعات الموسيقية والاحتفالات العامة خشية وقوع هجمات محتملة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن مصدر مطلع قوله، إن واشنطن جمعت معلومات استخبارية منذ مطلع الشهر الجاري، تفيد بتخطيط فرع داعش في خراسان لعمليات ضد روسيا.
يخبر محلل مكافحة الإرهاب في مجموعة سوفان الاستشارية الأمنية كولين بي. كلارك صحيفة نيويورك تايمز: "ركّز تنظيم داعش ولاية خراسان اهتمامه على روسيا، على مدى العامين الماضيين".
ومطلع مارس الجاري أعلنت قوات الأمن الروسية القضاء على عناصر داعش كانوا يخططون لـ"هجوم إرهابي" على كنيس في موسكو.
ويخوض تنظيم داعش في سوريا، معارك كرّ وفرّ ضد الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه في البادية السورية، حيث يتعرض لقصف متواصل من سلاح الجو الروسي منذ سنوات.
تبنّت خلايا داعش وسط آسيا، الهجوم على كنيسة سانتا ماريا في حي سارير بإسطنبول، بحسب ما كشفته محكمة تركية بعد هجوم القداس، والذي أسفر عن مقتل رجل في العقد السادس من العمر.
واعتقلت المخابرات التركية، وقتها، ٦٠ شخصا من الروس والطاجيك و١٧ شخصا مما يسمى "ولاية خراسان" في تنظيم داعش لصلتهم بالهجوم.
سبق هذا الهجوم عملية أخرى للتنظيم في تركيا نفذها الأوزبكي عبد القادر مشاريبوف، في نادي رينا الليلي في إسطنبول ليلة رأس السنة عام ٢٠١٧، ما أدى إلى مقتل ٣٩ شخصا.
في إحدى المراسلات الخاصة بتنظيم داعش والتي حصلت عليها بلينكس، يتحدث "المثنى الجزراوي" القيادي في تنظيم داعش في سوريا، عن بداية التنسيق بين التنظيم وفرعه في كازاخستان، وصولاً إلى طلب الفرع إعلان التأييد لزعيم داعش السابق أبو إبراهيم القرشي، الذي قتل في عملية خاصة نفذها الجيش الأميركي في فبراير 2022 في إدلب.
وتشرح وثيقة أرسلها أمني في تنظيم داعش يُعرف باسم "عبد الله الجهني" في سبتمبر 2021، إلى الجهاز الأمني التابع لما يسمى "ولاية الشام"، باستعراض مشروع شخص يدعى "سفر الكزخي" الذي يهدف إلى إنشاء خلايا تابعة للتنظيم في دول آسيا الوسطى وفي كازاخستان على وجه التحديد.
تشرح الوثيقة أن عضو التنظيم المسمّى "سفر الكزخي" وُلد في إحدى مناطق غرب كازاخستان، من مدينة قريبة من بحر قزوين. وفي حين لم تحدد الوثيقة اسم مدينته، إلا أنها توضح التحاق "سفر" بالجماعات الجهادية المحلية في العام 2000، بعد إسلامه.
تُظهر الوثيقة أنه درس في المدارس الإسلامية الروسية وتعلم اللغة العربية فيها، حتى تخرجه منها في العام 2004.
تتابع الوثيقة الخاصة التي حصلت عليها بلينكس بأن "سفر" كان مكلفا في مجال الاستقطاب والتجنيد وجمع التبرعات، والدعم اللوجستي في المنطقة التي يعيش فيها في الفترة الممتدة بين 2005 و2009، وكان يعمل تحت غطاء جماعة "طلبة العلم"، لصالح جماعة داغستان-القاعدة.
تكشف أيضا عن خلاف بين سفر وجماعة داغستان- القاعدة، بسبب رفض الأخيرة تنفيذ هجمات في كازاخستان، على اعتبار أن هناك "اتفاقات دولية" تمنع ذلك.
بعد الخلاف توجه سفر الذي بات مطلوبا، إلى إقليم خراسان، حيث التحق بجماعة "الأوزبك-القاعدة"، ولكنه سرعان ما تركها بسبب رفضها هي الأخرى تنفيذ هجمات داخل كازاخستان.
في هذه الأثناء تعرّف "سفر" على "أبي معاذ التونسي" القيادي في تنظيم القاعدة، الذي كان بصدد الانشقاق عن التنظيم.
تتابع الوثيقة على لسان "سفر": "التحقتُ بالكتيبة التي أسسها التونسي تحت مسمى "جند الخلافة". وفي خراسان بدأتُ العمل في تخصص الكيمياء وصنع المتفجرات، لكن الضغوط بدأت تتزايد على الكتيبة من الجماعات الأخرى، وهنا جرى الإعلان عن كتيبة جند الخلافة– فرع كازاخستان، من خراسان إلى كازاخستان".
يضيف: "وجدَت الكتيبة في حملات الاعتقال الجماعي التي بدأت تنفذها حكومة كازاخستان وقوانين الحد من الفعاليات الدينية ومنع إقامة الشعائر الدينية في المؤسسات فرصة سانحة لتنشيط عمل الكتيبة".
هنا تؤكد الوثيقة أن "جند الخلافة" راسلت الحكومة وطالبتها بالتراجع عن الممارسات وإطلاق سراح المعتقلين.
لم تستجب حكومة كازاخستان للتهديدات، ما دفع بالكتيبة، كما توضح الوثيقة، إلى تنفيذ تفجيرين متتاليين، وكذلك اقتحام مقر الاستخبارات الرئيسي، في هجوم أدى إلى مقتل 7 ضباط.
بعد ترحيله من تركيا، وصل "سفر الكزخي" إلى إدلب، وعن تلك الفترة يقول: "كنت أجهل حقيقة ما يحصل، وهناك التحقت ببعض أصدقائي السابقين في فرع القاعدة، قبل أن التحق في العمل بمركزية جبهة النصرة، تحت إمرة أبي عمر الفلسطيني".
بسبب الخلافات بين جبهة النصرة وتنظيم داعش، لم يجد "سفر" في العمل مع الأولى "الراحة".
يقول بحسب الوثيقة: "لم أجدهم على منهج قويم، ولم أرتح للعمل معهم، وكنت أفكر دائماً بالعودة إلى كازاخستان، لنصرة أهلنا، وتركت العمل معهم وبدأت أعمل بشكل مستقل، في إعطاء دورات على صناعة المتفجرات".
تنتقل الوثيقة إلى الاستفسار عن الوضع الأمني لسفر أثناء تواجده في إدلب، يقول: "وضعنا الأمني ليس جيداً، بسبب سياسية زعيم تنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) أبو محمد الجولاني "عدو الله"، حسب ما يقول.
وهنا يطلب سفر من قيادة تنظيم داعش الدعم المالي والمادي والمعنوي للعودة للعمل في كازاخستان، الغنية بالنفط والغاز، كما يقول.
يقول مخاطباً التنظيم: "نحن الآن في الشام عددنا 11 شخصا، ولا نريد أن نتورط والهيئة (جبهة النصرة) المرتدة تحاصرنا، وتضيق علينا، ونريد العودة إلى كازاخستان وبالنسبة للأتراك فإنهم يتساهلون معنا".
تسهب الوثيقة بعد ذلك في التعقيب على مشروع سفر، وتقول: "أفادنا الأخ عبد الرحمن العمل في أمن الشام أن سفر من العقول النادرة، وهو داهية في التفكير، وبارع في تصنيع المتفجرات شديدة الانفجار، وخبرته قد تفيد جميع الإخوة في كل الولايات".
تقترح الوثيقة الخاصة ببلينكس أن يتم "اختبار مدى صدق سفر الكزخي"، من خلال ربطه مع تنظيمات داعش في "الولايات البعيدة"، لدراسة أفكار سفر ومن معه"، وتختتم باعتبار أن "فكرة اختبار سفر في إدلب ضعيفة، بسبب الحجج التي ساقها عن التضييق من الجولاني عليهم".
توضح وثيقة سرية ثانية، مرسلة إلى مكتب الاستخبارات في تنظيم داعش شهر أكتوبر 2021، أنه تم سؤال "أبو عبد الرحمن العراقي" العامل في "المكتب الشرعي" عن وضع المجموعة التي تريد العمل في كازاخستان، أو مشروع "سفر الكزخي".
يرد العراقي، بأنه تعرّف على المجموعة التي تريد البيعة من أحد أقارب زعيم داعش الأول "أبو بكر البغدادي"، المقيم في تركيا.
يتابع العراقي بحسب الوثيقة، نقلاً عن عضو في تنظيم داعش يكنى بـ"أبي الحوراء"، أنه رأى في الجماعة "الصلاح والغيرة على دين الله وأعراض المسلمين"، ويقول: "تعرفت على الأخ عبدالله الكزخي أمير الجماعة وجلست معه 3 شهور".
ويقترح العراقي في الوثيقة، أن يتم ربط سفر الكزخي ومشروعه مع تنظيم داعش، معتقداً أن بالإمكان الاستفادة من خبراته العسكرية والكيميائية.
بحسب الوثيقة، تتألف المجموعة من 20 عنصراً، ولديهم العدد ذاته في السجون، والأهم أن عددا كبيرا بانتظارهم في كازاخستان للالتحاق بهم، وهم ينتظرون قبول "إعلان التأييد" لضرب أهداف اقتصادية.
تتابع الوثيقة أن هناك المئات في مناطق متفرقة ينتظرون قبول البيعة، وتشير إلى أن المجموعة بصدد التجهيز لمعسكرات بدنية، وهي بحاجة إلى التنسيق المباشر مع التنظيم لبدء تنفيذ عمليات.
تضيف وثيقة بلينكس: "لدينا أخوة في مصر سيقومون بتخصيصهم في مجال الإعلام، وقد أرسلوا 20 ألف دولار أميركي للأسيرات، و20 ألف دولار للمجاهدين في خراسان، و20 ألف دولار للمعتقلين، ولديهم في الخزينة مثل هذا المبلغ".
تظهر وثيقة أخرى حصلت عليها بلينكس مؤرخة في ديسمبر 2021، مرسلة إلى "أمني الشام" في داعش، عرض أحد عناصر التنظيم العمل في روسيا، وما على الأخير سوى تبني العملية.
يقول "أبو عمر القحطاني" في الوثيقة أنه تواصل مع التنظيم الذي تعرف على سيرته، وطلب منه البقاء في مكانه، مبيّنا أن جاهز لتنفيذ عملية انتحارية في روسيا ويمتلك الإمكانيات لذلك.
تحدث "القحطاني" مع عبد الرحمن العضو في التنظيم عن تكفّله بكل تفاصيل العملية وما على التنظيم سوى التبني فقط.
ينقل "العراقي" موافقة التنظيم على العملية، ووعده بأنه سيربطه بالعناصر المختصين "بالطريق البعيدة" لترتيب العملية في روسيا.
وبحسب الوثيقة فقد طاردت الشرطة القحطاني ما اضطره لحذف حسابه على تطبيق تلغرام الذي يتواصل به مع التنظيم والانتقال إلى مكان آخر.
يطلب عبد الرحمن من القحطاني البقاء في مكانه إلا أن الأخير رفض بسبب حساسية وضعه الأمني.
يبرر عدم انصياعه للأوامر بالقول: "يا أخي أنا أسمع وأطيع، ولكن هنا وضعي كان حرجا جدا والأمر فيه كفر وردة والعياذ بالله. إذا الأخ لم يتفهم وضعي بعد أن شرحت له أنِّي فعلت كل هذا الشيء لكي أحفظ نفسي من الأسر..، وإذا لم يتفهم بعد بيان وضعي له، طبعا لا أسمع له لأنَّه يجب عليه أن يخشى على ديني قبل أن يخشى على نفسي".
يشكو القحطاني من أسلوب عبد الرحمن الجاف وتجاهله للعديد من الأسئلة، ثم يسرد حصوله على جواز مزور وتأمين طريق دخول لروسيا عبر التهريب بتكلفة تصل إلى 7 آلاف دولار.
لم ينجح القحطاني في الخروج، واعتقلته السلطات التركية قرب الحدود، وحققوا معه بخصوص الأشخاص الذين كان يراسلهم، حتى أنه أبلغهم بفقدان جوازه العراقي، وأنه أبلغ القنصلية بذلك.
يروي القحطاني أنه كان يستلم الحوالات من عدة دول كما أنه يرسل الأموال إلى ذوي عناصر التنظيم، ويشرح كيفية اعتقال أحد الوسطاء الذين أرسل منهم المال لأحد المعتقلين في تركيا.
يناشد القحطاني بحسب الوثيقة قياديي التنظيم، الموافقة على عمله في روسيا وتفهم سبب عصيان أوامر "عبد الرحمن" بالبقاء في مكانه.
كما يوصي الجهاز الأمني للتنظيم في سوريا بـ"الموافقة على العملية التي يريد الأخ تنفيذها وذلك بعد وصل الأخ بالإخوة في المكتب الشرعي وتأنيبه على معصيته.. ولكم الرأي فيما ترونه مناسبا".
تظهر وثيقة ثالثة حصلت عليها بلينكس لجهاز الأمن في التنظيم، سيرة ذاتية لأحد العناصر السابقين في الجيش الروسي وهو من أنغوشيا، كان يسعى للانضمام إلى داعش.
تتحدث الوثيقة المؤرخة في ديسمبر 2021 على لسان أبو سعد الأنغوشي والتي حصلت عليها بلينكس تتحدث عن طريق الجهاز الأمني للتنظيم في العراق، أن أبو سعد من مواليد 1997 ويقيم في تركيا، ويمتلك خبرة كبيرة في مجال استخدام الأسلحة، حيث خدم في الجيش الروسي عام 2016 لمدة عام تدرب خلالها على أسلحة القنص.
يقول أبو سعد "كان بإمكاني أن أتطوع وأكمل ولكن علمت أن العمل في جيش الطاغوت كفر وردة فلم أتطوع، وبعد التسريح عملت في شركة للغاز لمدة سنة، ثمَّ عملت في شركة للبناء والإنشاءات لمدة سنة، وفي عام 2019 دخلت في مدرسة لتعليم وتحفيظ القرآن ودرست فيها لمدة عشرة أشهر".
عام 2020 حاول الأنغوشي الانضمام لفرع التنظيم في سيناء إلا أن السلطات المصرية رفضت دخوله عند وصوله المطار، وأعادَته إلى روسيا.
انتقل بعدها أبو سعد إلى تركيا وتكفل بمصاريفه من وصفهم "ببعض الإخوة"، وهو يسعى للانضمام لداعش منذ أن عرف بالتنظيم عام 2018 من خلال شخص يدعى "أبي أحمد ميدنسكي".
يروي الأنغوشي: "لديَّ خبرة في القنص وتدريب اللياقة البدنية والتخطيط العسكري، وليس لديَّ خبرة في العمل على الحاسوب وبرامجه، ولا أستطيع العمل في ولاية تركيا، ولا أستطيع العمل في روسيا وفي القوقاز".
طلب الأنغوشي الانضمام لخلايا التنظيم في العراق، وأبدى استعداده لتنفيذ عملية انتحارية لاحقا.
يؤكد جهاز أمن داعش بحسب الوثيقة أنه تواصل مع "أبو علي الشيشاني" في صحراء العراق الذي بدوره تحدث عن معرفته بالأنغوشي منذ أشهر عن طريق بعض المقربين منه في روسيا.
وأبدت الوثيقة تحفظ جهاز أمن التنظيم على صغر سن أبو سعد بالإضافة لعمله في الجيش الروسي، ومحاولته الانضمام لفرع داعش في سيناء.
يقترح أمن التنظيم بحسب الوثيقة رفض طلب انتسابه أو إرسال ملفه لفرع التنظيم في العراق فإنهم سيستقبلونه إن أمّنوا طريق وصوله، أو تأجيله لوقت آخر.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة