صراعات
.
برزت ليبيا كمحطة أساسية في رحلة لجوء الكثيرين من سكان غزّة الخارجين من تحت نار الحرب المستمرة منذ 9 أشهر. ويجد سكان القطاع صعوبة بالغة باستحصال تأشيرة دخول حيث يتذيل الجواز الفلسطيني تصنيف جودة جوازات السفر عالميا.
يروي عبد الوهاب عامر، 42 عاما، تفاصيل خروجه من قطاع غزّة حتى وصوله لليونان، في رحلة استمرت نحو شهرين وكلفته مبالغ طائلة.
انتظر عامر كثيرا حتى جاء اسمه في كشوفات معبر رفح ضمن القوائم التي تصدرها السلطات المصرية لمن سمحت لهم بالخروج من القطاع.
فماذا نعرف عن رحلة الهجرة؟ وأي مصاعب تعترض السبيل؟
يقول عامر: "سلم قريبي 5 آلاف دولار لشركة هلا المسؤولة عن تنسيق خروجنا من قطاع غزة، في مقر الشركة بمدينة نصر بالقاهرة، وانتظرت 38 يوما حتى خرجت".
استخرج عامر "فيزا" للشرق الليبي عبر دائرة "الاستثمار العسكري" في بنغازي، وذلك نظرا لصعوبة إجراءات الإقامة في مصر.
وشرح كيف أن حامل الجنسية الفلسطينية يحصل على تأشيرة لدخول شرق ليبيا بسهولة وبتكلفة تصل لألف دولار، على عكس "فيزا" دخول طرابلس وإجراءاتها المعقدة.
وروى أنه حصل على الإقامة في بنغازي ثم ذهب إلى طرابلس، وهناك حصل على تأشيرة دخول إلى تركيا خلال 24 ساعة.
إلا أن سلطات مطار طرابلس منعت عامر من السفر إلى تركيا لأن أوراق إقامته في البلاد صادرة من بنغازي، وبسبب تداخل السلطات اضطر للعودة إلى الشرق الليبي وقطع مسافة ألف كلم مجددا، ومن ثم السفر عبر مطار بنينة.
بدوره خرج معتز أبو طه من غزّة في فبراير الماضي، وبعد انتظار طويل حسم خياراته بسلوك الطريق الأشهر والأقصر لأوروبا عبر السواحل التركية إلى اليونان.
قال أبو طه: "بات طريق الراغبين بالهجرة من غزّة معروفا لدى غالب الشباب، حيث نصل إلى بنغازي ثم نستخرج وثيقة الإقامة التي تؤهل حاملها للحصول على تأشيرة الدخول لتركيا".
تستغرق العملية برمتها نحو شهر، وعقب الوصول إلى إسطنبول تبدأ رحلة أخرى أشد صعوبة، هدفها الوصول إلى اليونان.
أشار أبو طه إلى أن الصعوبة في تركيا تتمحوّر حول مآلات الفشل بالوصول إلى الجزر اليونانية والاحتجاز في مراكز ترحيل اللاجئين التركية، "فالوضع السيئ هناك يكفي لأن يتراجع الكثيرون عن خططهم".
وتابع أنه "مع تشديد السلطات التركية الرقابة على الحدود البرية مع اليونان وبلغاريا بات البحر أقصر الطرق وأسهلها للوصول، حيث يُتفق مع أحد المهربين في بودروم أو إزمير أو مرمريس على الرحلة، وثم تأمين نحو 4 آلاف دولار في مكتب صرافة وبعدها تنطلق إلى الرحلة".
وبعد وصوله إلى مدينة بودروم الساحلية، انتظر حتى الساعة الواحدة ليلا وانتقل لبيت قريب من الساحل، موضحاً: "عند الظهر ركبنا قارب صيد تركي، أنا و19 شخصا جميعهم من غزّة، وقطعنا البحر بـ45 دقيقة وبعدها سلمنا أنفسنا للشرطة اليونانية".
أكد أبو طه أن إجراءات منح اللجوء والإقامة المؤقتة في اليونان تنجز للاجئين من الجنسية الفلسطينية في غضون شهرين تقريبا، بعدها تصبح خيارات السفر داخل أوروبا واسعة وأكثر سهولة".
تبدو قصة عبد الله الأطرش مختلفة عن مواطنيّه، فقد سلك الطريق الأقصر بنظره من ليبيا مباشرة إلى سواحل أوروبا الجنوبية.
الأطرش الذي وصل بنغازي في يناير الماضي، قال إنه دخل مصر خلال أبريل الماضي، وبسبب ظروف القطاع الصعبة باتت خيارات البقاء والعودة شبه معدومة، فقرر التوجه إلى ليبيا، فهناك بحسب قوله، "وضع الفلسطيني أفضل بكثير من دول أخرى".
لم ينتظر الأطرش في بنغازي كثيرا، وسريعا سافر إلى العاصمة طرابلس. هناك التقى بمجموعة فلسطينيين يشاركونه ذات الهدف: "الوصول إلى أوروبا".
انطلقت رحلة الأطرش من طرابلس التي التقى فيها بوسطاء شبكات التهريب حيث نقلوه إلى مدينة زوارة أقصى الغرب.
وانتظر في المدينة 3 أيام إلى أن جاء موعد رحلته، عند الساعة 2 ليلا، ليبدأ طريقا قد لا يعود السائر فيه أبدا.
وأفاد الأطرش أن "منظر البحر كان مرعبا، لكن الأكثر رعبا هو البقاء من دون مستقبل واضح والاستمرار بالمعاناة، فتساوت خيارات الموت والحياة.. لذا أقدمت على خطوة خطيرة كهذه".
استقل الأطرش المركب مع 70 شخصا، بينهم نساء وأطفال، ووصل إلى شواطئ جزيرة لامبيدوزا الإيطالية بعد 14 ساعة في البحر، أوشكت خلالها المؤن على النفاد.
ويختم "كانت أمواج البحر والظلام الدامس تذكرني بغزّة خلال الحرب، فالموت هو الموت وانتظار انقلاب المركب كانتظار الصاروخ، والخوف من التيه في البحر يشبه الخشية من الموت تحت الأنقاض".
تحدث عمر شملخ لبلينكس عن قصة هجرته حيث تقطعت السبل به بين مصر وغزّة التي خرج منها قبل الحرب بـ3 أيام، وكيف بقيت عائلته داخل القطاع وعجز عن إخراجها.
يقول شملخ: "تكلفة إخراج عائلتي من قطاع غزّة تصل إلى 35 ألف دولار، وهذا مبلغ كبير جدا لا أستطيع تحمله، فوجدت في بنغازي مستقرا مؤقتا حتى تنتهي الحرب".
وصف شملخ حفاوة سكان بنغازي، خاصة عند معرفتهم أنه من غزّة، بحيث يتسابقون على تقديم تسهيلات بشكل شخصي للتعبير عن التضامن مع سكان القطاع.
وختم قائلا: "هناك الكثير من الخيارات للهجرة، لكن بقاء عائلتي في غزّة والتكاليف الكبيرة لوصول أوروبا تحول دون اتخاذي قرار الهجرة، وسيبقى الأمل معلقا بانتهاء الحرب، علّني أعود إلى غزة يوما".
يُقيم في ليبيا بين 25 و30 ألف فلسطيني وفق الإحصائيات. ويتوزع فلسطينيو ليبيا بين مدن بنغازي وطرابلس ومصراتة، فقد وصلوا البلاد على دفعات منذ عام 1967.
وغادر الكثير من الفلسطينيين ليبيا عقب اندلاع ثورة فبراير 2011 والإطاحة بحكم معمر القذافي.
وبعد اندلاع الحرب في غزّة، أعلنت حكومتا طرابلس وبنغازي عن قرارات لمساعدة الفلسطينيين، ومنحت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة من الجالية الفلسطينية مساعدات إضافية تشمل المعاش الأساسي، والاستمرار في صرف المنح الشهرية للطلاب الفلسطينيين في الجامعات والمعاهد العليا الليبية.
كما أوعز رئيس حكومة الشرق الليبي، أسامة حماد، تعليمات إلى المؤسسات والوزارات بضرورة تفعيل القرار 49 الصادر عام 1990، والذي يقضي بمعاملة الفلسطينيين المقيمين في ليبيا معاملة الليبيين ومنحهم كل حقوق المواطنة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة