صراعات
.
حقل اليمن، هذا هو الاسم العربي لمعتقل "سدي تيمان" الإسرائيلي، أو في رواية أخرى "غوانتانامو النقب" حيث يقع، بسبب ما يعانيه السجناء الفلسطينيين من أهوال.
آخر هذه الأهوال ما تحدثت عنه وسائل إعلام إسرائيلية من تعرض أحد المعتقلين للاغتصاب، ليعقب ذلك اقتحام السجن من قبل السلطات الإسرائيلية لاعتقال 10 جنود للتحقيق معهم.
وبدلا من انتظار نتائج التحقيقات خرج متظاهرون إسرائيليون للاحتجاج على أوامر اعتقال الجنود واقتحموا مقر التحقيقات وكذلك معسكر سديه تيمان.
واقتحمت حشود صغيرة من المتظاهرين المجمعين فيما وصفها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأنها "سلوكيات غير قانونية تقترب من الفوضوية". وتم تفريق المتظاهرون في وقت لاحق.
وبدأت الاضطرابات عندما ظهرت الشرطة العسكرية في الموقع الأول، وهو مركز الاعتقال العسكري سدي تيمان في جنوب إسرائيل في إطار تحقيقاتها.
أعضاء الحكومة والكنيست الإسرائيلي غضبوا أيضا من الاعتقال أن أحد قادة حزب الليكود طلب جلسة طارئة للبرلمان رغم العطلة.. فما قصة هذا المعتقل؟ وماذا يجري فيه؟
اقتحم معتقل "سدي تيمان" في النقب عدد من ضباط الشرطة العسكرية الإسرائيلية ملثمي الأوجه، لاعتقال 10 جنود احتياط من السجانين بأوامر من المدعي العام العسكري، اللواء يفعات تومر يروشالمي بتهمة "اعتداء خطير".
الجنود قاوموا أوامر الاعتقال وتمردوا على ضباط الشرطة العسكرية التابعة للجيش ونشبت مواجهات ومشادات كلامية بين الطرفين.
الشرطة العسكرية نجحت في اعتقال ٩ من المشتبه بهم، بينما فر آخرون من المكان، ودافع بقية الجنود والضباط في قاعدة سديه تيمان بالدفاع عن المعتقلين.
صحيفة يديعوت أحرونوت بينت أن دوافع الاعتقال كانت بسبب وصول أحد الأسرى الفلسطينيين في معسكر اليمن لمستشفى وهو يعاني من إصابات بالغة وعلامات ضرب بسبب قيام المجندين باغتصابه.
وبينما يجرى التحقيق مع الجنود التسعة في داخل قاعدة بيت ليد، كان متظاهرون يحتجون في الخارج.
وأظهرت لقطات بثتها شبكات تلفزيونية إسرائيلية مباشرة مساء الإثنين 29 يوليو، محتجين إسرائيليين يقتحمون مبنى محكمة بيت ليد وهم يهتفون "أطلقوا سراح الجنود"، فيما وقف المتطرفون أمام سديه تيمان.
اعتقال الجنود أثار غضب عدد من وزراء الحكومة لاسيما المتطرفين منهم مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش.
وأيدهم أيضا حزب شاس الأرثوذكسي، فيما أكد يولي إدلشتاين رئيس لجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست وأحد كبار قادة حزب الليكود عقد جلسة نقاش طارئة في الكنيست الثلاثاء رغم دخول البرلمان في فترة عطلة لثلاثة أشهر.
وفي السياق نفسه، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري تعقيبا على توقيف الجنود لوكالة فرانس برس "هذه جريمة اغتصاب جديدة بحق أحد المعتقلين في المعسكر من قبل مجموعة من السجانين، هذه الجريمة تُسقط بشكل واضح ادعاءات الاحتلال وما روج له على مدار الفترة الماضية عن نيته فتح تحقيقات حول الجرائم التي جرت في المعسكر".
في نهاية ديسمبر 2023، أدلى جندي احتياط خدم في قاعدة سديه تيمان بشهادته لإذاعة إسرائيلية، حول ظروف اعتقال الفلسطينيين.
الجندي الذي رفض الكشف عن اسمه، قال إنه بمجرد وصول المعتقلين من غزّة، يتم توزيعهم على أقفاص حديدية في العراء، ويتم وضع نحو 70 إلى 100 شخص في كل قفص ضيق، بحسب أعمارهم ما بين 18 و60 عاماً، بالإضافة لقفص مخصص للعجائز الذين تصل أعمارهم نحو 75 عاماً.
الجيش يمنح المعتقلين لباسا رمادي اللون لمرة واحدة، ولا يسمح لهم بتغييره أو غسله طوال فترة الاعتقال، ولا يسمح لهم بالاستحمام سوى مرة واحدة في الأسبوع في أفضل الأحوال.
وأضاف الجندي أن المعتقلين يتم عصب أعينهم وتكبيل أيديهم وأرجلهم طوال فترة الاحتجاز، وإجبارهم على الجلوس على الأرض في صفوف دون السماح لهم بالحركة، أو التحدث لبعضهم البعض، أو حتى الذهاب للمرحاض، أو حتى النوم بشكلٍ كافٍ.
أي شخص يتحرك أو يصدر صوتا أو يحاول النوم خلال اليوم، يتعرّض للضرب المبرح من قبل الجنود الذين حصلوا على الضوء الأخضر من قيادتهم لفعل ما يريدونه بالأسرى.
ويضيف الجندي أن المعتقلين يتعرضون للتجويع ولا يحصلون في أفضل الأحوال سوى على شريحتين من الخبز والخيار والجبن القليل جداً، كوجبة واحدة في اليوم، كما وينامون على "مراتب رقيقة جداً. ينامون عملياً على الأرض على بطانيات قذرة".
ويجبر الجنود المعتقلين أيضاً على أفعال عشوائية ومهينة، ويضربونهم بسبب أو دون سبب، بحسب شهادة المصدر الذي قال إن الجنود يتلذذون بتعذيب وضرب المعتقلين ويرون ذلك بأنه انتقام من غزّة ومشاركة في الحرب بطريقتهم.
"هذا غوانتانامو.. مسلخ.. وليس سجن النقب"، هكذا وصف السجين المحرر محمد المجيرمي المكان الذي بقي فيه لمدة سنتين تقريبا.
سُجن محمد في أوائل ٢٠٢٢، ووصف حياة السجن بـ"الصعبة والشاقة"، لكن بعد السابع من أكتوبر أصبح يتمنى عودة الأيام التي كان يعتقد أنها صعبة، لأن ما رآه بعد الحرب على غزة أشبه بـ"قتل بطيء"، على حد وصفه.
من بعد ٧ أكتوبر، حُرم السجناء والمعتقلون الفلسطينيون في سجن النقب من مشاهدة التلفزيون، والاستماع إلى الراديو، وممارسة الرياضة، وتم تقليل وجبات الطعام إلى أن وصلت إلى وجبة واحدة في اليوم، حسب ما يقول محمد لبلينكس.
المجيرمي، الذي تغيّرت ملامح وجهه وجسده داخل السجن، يقول: "كنا ننضرب كل يوم. ضربت في ١١ أكتوبر، وفي ١٦ أكتوبر، وفي ٢١ أكتوبر، وفي ٢٦، وفي ٣١، وفي ٢ نوفمبر".
ويصف محمد حراس السجن بالمتعطشين للاعتداء، لأنهم كانوا كل يوم يعتدون على عدد من الأسرى، وكأنهم يتناوبون عليهم، على حد تعبير محمد.
أما الطعام، فيقول محمد: "يطعمونا ٥ غرامات أرز في اليوم".
يشرح أن حارس الغرفة الذي يمدهم بالأكل كان يبصق في الطعام أحيانا، ويتبول فوقه في أحيان أخرى، وفي مرة من المرات بصق فيه ولم يعطه لهم داخل الغرفة، وقال لهم أصبح فاسدا، لكن محمد وزملاءه في الغرفة طلبوا منه أن يعطيهم الصحن، ونظفوه وأكلوه.
وتوقع محمد السؤال القادم في أثناء مقابلة بلينكس معه، وقال: "قبل أن تسألوني كيف سأتناول هذا الأرز المبصوق فيه، أنا كان وزني ١٠٠ كيلو قبل ٧ أكتوبر، اليوم وزني ٦٣ كيلو، الجوع يجعلنا نأكل أي شيء".
بقي محمد المجيرمي في القسم نفسه مع ثائر أبو عصب، الذي اعترفت إسرائيل بقتله داخل السجن من قبل حراس القسم، لكنها قالت إن ملابسات الحادثة غير واضحة وستحقق فيها، بحسب جيروزاليم بوست.
صحيح أن محمد كان في القسم ذاته مع "أبو عصب"، لكنه كان في الغرفة رقم ١٠، وثائر في رقم ٦، حسبما ذكر لبلينكس، وبسبب اقتراب الغرف من بعضها، سمع محمد ما حدث مع ثائر يوم ١٨ نوفمبر الماضي.
عناصر من الشرطة الإسرائيلية يحتجزون فلسطينيين داخل محل تجاري في القدس. المصدر: أ ب
بدأت القصة عندما سأل ثائر أحد الحراس: "هل يوجد وقف إطلاق نار في غزة؟"، فنادى الحارس اثنين من زملائه وضربوه بعصا حديدية على رأسه، ليفقد ثائر وعيه ثم نقلوه إلى عيادة السجن.
يقول محمد: "مهما حدث لنا من أمراض أو كسور أو ضرب لم نكن نحلم أن يتم نقلنا إلى أي مستشفى، لكن ثائر تم نقله إليه".
وبناء على ذلك فهم محمد ومن معه في القسم أن ثائر قد فارق الحياة، وهو ما ثبت بعد ساعات عندما أُعلن مقتله.
اعتقل معزز عبيات، 37 عاما، والذي يعمل قصّابا، في 26 أكتوبر بعد أكثر من أسبوعين على اندلاع الحرب في قطاع غزة، وأحيل على الاعتقال الإداري "دون تقديم لائحة اتهام ضده"، وفق ما يقول والده.
يصف عبيات تلك اللحظة بالقول: "اقتادوني من بيتي، ليس من جبهة قتال، بل من بيتي، من بين أطفالي وزوجتي الحامل".
يقول معزز عبيات إنه "نسي أمورا كثيرا"، مكرّرا أكثر من مرة "الذاكرة، الذاكرة"
بعد شهور، عاد معزز من المعتقل بوجه غير الذي كان عليه وبحالة صحية مزرية، ففي المستشفى بدا نحيلا للغاية بشعره الطويل الأشعث ولحيته السوداء وعينيه الغائرتين، لكنه كان يتحدّث من دون توقّف عن اعتقاله في سجن النقب الإسرائيلي الذي وصفه بأنه "غوانتانامو".
يحكي معزّز لمجموعة من الصحافيين "الحمد لله أنه أحياني بعدما أماتني. أنا عدت من الموت"، مضيفا: "كان الاعتقال صعبا جدا، جدا. هناك صورة لي قبل الاعتقال وصورة بعده، هاتان الصورتان كافيتان لشرح ما حصل لي. كنت مفتول العضلات وعدتُ هكذا".
خليل عبيات يقول عن ابنه: كان وزنه 120 كيلوغراما قبل اعتقاله
يحكي عن تجربة اعتقاله: "اعتقالي كان ظالما ومجحفا. ضرب مبرح بالهراوات والسلاسل الحديدية، عذاب"، مضيفا "خرجت من سجن غوانتانامو النقب، سجن يمارس أبشع وأشد أنواع العذاب على وجه الأرض في حقّ أسرى عزّل مقيدين ومرضى".
ويكشف معزز عبيات عن بطنه ليدلّ على أثر إصابة قال إن سببها تعرّضه لضرب خلال فترة اعتقال سابقة. وأكد أن الحرّاس كانوا يستهدفون هذه الإصابة بالضرب، متابعا: "من يفعل هذا؟ لماذا استهداف بطني؟".
ثم كشف عن ساقيه مشيرا إلى أنه يشعر بالوجع في كل مكان.
أما الطعام فيقول "كانوا يعطوننا من عشر إلى 12 حبة فاصوليا مع قطع من الملفوف ونبقى عليها من السابعة صباحا حتى وقت العشاء".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة