هربا من التصعيد.. أسعار الشقق تكوي جيوب سكان "ضاحية" بيروت

تقول مرتضى: "عم بيذلونا ذل، وعم يسلخونا سلخ بالأسعار" في إشارة إلى سماسرة العقارات.

وتصف ما يقوم به هؤلاء السماسرة بـ"الاستغلال المرتبط بالجشع المادي".

تقول مرتضى "سعيت لأن أنجو مع إخوتي وعائلتي قبل فوات الأوان وبادرنا إلى التواصل مع مكاتب عقارية للحصول على شقة في جبل لبنان وتحديدا في منطقة عاليه. ما تبين هو أن أصغر شقة مؤلفة من غرفتين فقط ثمن إيجارها يبدأ من 1500 دولار وصعودا، علما أنه في السابق لم تكن الشقق هناك بأكثر من 300 إلى 400 دولار".

تقول مرتضى إنها آثرت البحث عن مكان آخر بسعر أقل، كون قدراتها المادية لا تسمح لها باستئجار منزل بأكثر من 300 دولار، وتقول "يعمدون إلى إذلالنا.. بعد الذي شهدناه، بات من الأجدى أن نموت معززين مكرمين في منازلنا بدلا من أن نرضخ لتجار الأزمات".

المفاجأة أن التجار باتوا يتفنون بوضع أسعار الشقق، فبالإضافة إلى العمولة المطلوبة وطلب دفع إيجار لسنة كاملة مُسبقا، بات بعض السماسرة يفرضون شروطا جديدة على النازحين.

علي حمادي، 52 عاما، وهو نازح من جنوب لبنان تهجّر إلى الضاحية الجنوبية لبيروت منذ بدء أحداث جنوب لبنان، بات الآن يسعى لترك المنطقة الأخيرة والبحث عن أخرى.

في حديثه مع بلينكس، يقول حمادي إنه زار مناطق زقاق البلاط، النويري والبسطة التحتا في بيروت، وتبين له أنّ إيجارات الشقق باهظة جدا وتبدأ من 750 دولارا وتصل إلى 1500 دولار.

يكشف حمادي أن أسعار هذه الشقق في المناطق الـ3 المذكورة، لم تكن تتخطى في السابق الـ250 دولاراً، أما اليوم فقد ازدادت 200 % وأكثر، ويقول "المفارقة أن هذه الشقق ليست موجودة ضمن مبانٍ جديدة، فأغلبها ضمن عمارات قديمة نسبيا فيما بعضها غير مناسب للسكن".

يتحدث حمادي عن "شروط غير متوقعة" من أصحاب الشقق، وهي على النحو التالي:

1. يتم تحديد عدد القاطنين ضمن الشقة مع منع المستأجرين من استقبال آخرين.
2. ثمن الشقة على الطابق الأرضي بـ1000 دولار إن كان هناك مسنّون، بينما على صعيد الطبقات الأعلى يصبح السعر أقل بنسبة زهيدة كونه لا مصاعد أو كهرباء على السلالم، والتكلفة هنا تتراوح بين 700 و 850 دولارا.
3. من أراد إجراء تصليحات في المنزل، فيجب أن يكون ذلك على نفقته الخاصة.

نتيجة الغلاء والارتفاع غير المسبوق بأسعار الإيجارات في بيروت، اتصلنا بأحد المكاتب المخصصة في التأجير استفسارا عن الارتفاع الكبير للإيجارات، فأجاب: "زيادة الطلب يعني زيادة السعر".

بناء على ذلك، قال السمسار، عمر بركات، في حديثه مع بلينكس، إنه في الأزمات يحاول البعض الاحتكار بذريعة سوق العرض والطلب، موضحا أنه كلما ازداد الطلب ارتفعت الأسعار.

في الوقت نفسه، نوّه إلى إن هناك مناطق بعيدة عن بيروت تعتمد إيجارات مقبولة، لا تتعدى الـ400 دولار مشددا على أن التوجه إلى هذه المناطق قد يكون أفضل للنازحين أو المهجرين من منازلهم.

سمسار آخر تقال لبلينكس، شرط عدم الكشف عن هويته، إنه "أوقف العمل بتأجير الشقق بسبب تقلبات الأسعار"، وقال "في المواسم العادية، كان سعر ايجار الشقة 300 دولار أما الآن فباتت بـ700 دولار فيما هناك شقق أخرى وصلت إلى أسعار أعلى، وبسبب عدم وجود استقرار في الأسعار، قمت بتجميد نشاطي حاليا".

بسمة الخنسا، 34 عاما، قررت البقاء في منزلها داخل الضاحية الجنوبية وعدم الخروج منه لأنها ضاقت ذرعا في إيجاد شقة بسعر مقبول.

القرار نفسه اتخذه أيضا محمد ناصر الدين، 47 عاما، الذي وجد أنه لن يسعى لدفع ما لديه من أموال لسماسرة يمتهنون إذلال الناس، بحسب ما قال في تصريح لبلينكس.

في المقابل، تقول ديمة شهاب، 29 عاما، إن منزلها يقع عند أطراف الضاحية الجنوبية من ناحية مطار بيروت الدولي، ولذلك قررت إخلاءه فورا مع عائلتها باتجاه مناطق داخل بيروت.

تقول "سيناريو انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020 لا يفارقني، وأخشى أن يتكرر نفسه في مطار بيروت الدولي. لقد قيل سابقا إنه لا أسلحة في مطار بيروت بعد تقرير صحيفة التلغراف الذي ادعى عكس ذلك، لكن من يضمن لنا الحقيقة؟ لذلك، قررت الخروج من المنزل نحو منطقة آمنة نوعا ما".

ومنذ بداية الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي يوم 8 أكتوبر الماضي، نزح من جنوب لبنان أكثر من 93 ألف شخص، بحسب ما قال محمد شمس الدين لبلينكس، وهو خبير في شركة "الدولية للمعلومات" المعنية بالإحصاءات والدراسات.

في المقابل، قال شمس الدين إنه لا أرقام دقيقة عن عدد النازحين في الضاحية الجنوبية، في حين أن صحيفة "النهار" اللبنانية ذكرت خلال فبراير الماضي، أن عدد النازحين في بيروت بلغ 6500 شخص من دون أن تحدد المنطقة التي يتمركزون فيها.

والضاحية تمتد على نطاق جغرافي يصل إلى 28 كيلومترا مربعا، وتقول الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركية لبيروت والباحثة في التاريخ الحضري والتخطيط العمراني، منى فواز لبلينكس إن عدد سكان الضاحية كمنطقة مدنية وسكنية، يتجاوز الـ600 ألف نسمة، وذلك من دون احتساب أعداد النازحين السوريين الذين يقطنون ضمنها والذين يشكلون 20 % من عدد سكانها.