تفاصيل جديدة عن عملية البيجر.. "طعم" قديم أوصل لنصرالله

كان جهاز النداء AR924 ضخماً بعض الشيء ولكنه قوي، ومصمم لتحمل ظروف ساحة المعركة. وكان يتميز بتصميم تايواني مقاوم للماء وبطارية كبيرة الحجم يمكن أن تعمل لشهور دون شحن. والأفضل من ذلك كله أنه لم يكن هناك خطر من إمكانية تعقب أجهزة النداء من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أو هكذا أعتقد حزب الله.

وأعجب قادة حزب الله بهذه الأجهزة إلى الحد الذي جعلهم يشترون 5000 جهاز منها ويبدأون في توزيعها على المقاتلين من المستوى المتوسط وأفراد الدعم في فبراير.

ولم يشك أي من المستخدمين في أنهم يحملون قنبلة إسرائيلية.

بدأت تفخيخ البيجر في عام 2022، وفقًا للمسؤولين الإسرائيليين والشرق الأوسطيين والأميركيين المطلعين على الأحداث، أي قبل أكثر من عام من هجوم حماس في 7 أكتوبر الذي وضع المنطقة على مسار الحرب.

القلق تسلل للمسؤلين الإسرائيليين إذ كانوا يراقبون بقلق متزايد إضافة الجماعة اللبنانية أسلحة جديدة إلى ترسانتهم قادرة بالفعل على ضرب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة.

وبعد أن فقد حزب الله الثقة في أجهزة الاتصال الإلكترونية، بدأ الحزب في البحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل، في الوقت نفسه وتوصل الموساد إلى زوج من الحيل التي من شأنها أن تدفع المجموعة المسلحة إلى شراء أجهزة تبدو مثالية للوظيفة - المعدات التي صممها الموساد وقام بتجميعها في إسرائيل.

بدأ الموساد في إدخال الجزء الأول من الخطة، أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في عام 2015. تحتوي أجهزة الراديو المحمولة على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

وعلى مدى تسع سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على حزب الله، كما قال المسؤولون، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية.

ولأن قادة حزب الله كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، لم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة الاتصال اللاسلكي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل. لذلك، في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحمل علامة أبولو التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة مع المصالح الإسرائيلية. وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق موثوق به من قبل حزب الله وله صلات بأبولو. كانت المسؤولة التسويقية، وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية التي أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو التجارية. في وقت ما من عام 2023، عرضت على حزب الله صفقة على إحدى المنتجات التي تبيعها شركتها: جهاز AR924 القوي والموثوق.

قال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية للصحيفة الأميركية: "هي من كانت على اتصال بحزب الله، وشرحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر والبطارية الأكبر أفضل من النموذج الأصلي".

في وقت لم يُكشف فيه عن هوية وسيط الصفقة، أوضح تحقيق أجرته يديعوت أحرونوت من العاصمة المجرية بودابست، سبتمبر الماضي، أن مديرة الشركة التي لعبت دور الوسيط هي، كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو.

وقال أحد جيران الشركة التي أصبحت مزارا للصحافيين إن مديرة الشركة "ليست مَن ادعت أنها هي"، مضيفا: "أنا أعرف المرأة من الصور، وسمعت أن هناك مشاكل في الشقة التي تعيش فيها في بودابست. أنا أعرفها جيدا. هذه ليست كريستيانا".

وحينما حاول مراسل الصحيفة الاقتراب من الجيران لمعرفة المزيد عن الشركة، قالت إحدى جاراتها وهي تدخن سيجارة "لم نر أحدًا من شركة BAC قط، مجرد سكرتيرة كانت تظهر أحيانا، لكننا لا نعرف من كانت تعمل لصالحه".

وتُظهر صفحة كريستيانا على موقع لينكد إن للتوظيف أنها مستشارة استراتيجية ومطورة أعمال، وأنها شغلت سابقا عضوية مجلس إدارة مؤسسة تدعى Earth Child Institute، وهو ما ثبت أنه ليس صحيحا إذ لا يشير المعهد عبر موقعه الرسمي إلى هذا الأمر، حسب ما كشفت وكالة أسوشيتد برس، قبل أن يتضح في النهاية أن كريستيانا هي الموظفة الوحيدة في الشركة.

وحينما سئلت كريستيانا عن مسألة "البيجر المتفجر" قالت في بيان لشبكة NBC الإخبارية إن شركة BAC المجرية لا تصنع هذا النوع من الآلات وإنها كانت "مجرد وسيط".

أما ما يرتبط بعملها، فيظهر موقع Research Gate المعني بالأبحاث وناشريها أن كريستيانا لها على الموقع 6 منشورات معنية بالفيزياء بين عامي 2006 و2009، وهو مجال تخصصها الأساسي قبل دراسة التنمية المستدامة والعلوم السياسية في كل من جامعة لندن وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

الأمر ذاته، على موقع أكاديميا الذي تقول فيه عن نفسها "أنا عالمة أستخدم خلفيتي المتنوعة للعمل على مشاريع بيئية وسياسية وإنسانية دولية، مثل أنظمة تقليل مخاطر الكوارث، والمياه، والتنوع البيولوجي، والتكيف، والنزاعات، والحالات الطارئة المعقدة، وغيرها. مضيفة في التعريف عن نفسها: "أستمتع بالعمل في بيئات متعددة الثقافات حيث يتم تقدير التنوع والنزاهة والاحترام".

تم إخفاء مكون القنبلة بعناية شديدة لدرجة أنه لا يمكن اكتشافه تقريبًا، حتى لو تم تفكيك الجهاز، وفقًا للمسؤولين. يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

لم يكن معظم كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه القدرة حتى 12 سبتمبر. وقال مسؤولون إسرائيليون إن هذا هو اليوم الذي استدعى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة العمل المحتمل ضد حزب الله.

وبحسب ملخص للاجتماع عقد بعد أسابيع من قبل مسؤولين مطلعين على الحدث، قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عن واحدة من أكثر عمليات الوكالة سرية. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد وضعوا أجهزة اتصال مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من عملاء حزب الله.

قال مسؤولون إن الموساد كان على علم بمكان تواجد أمين عام حزب الله الراحل حسن نصرالله في لبنان لسنوات وكان يتتبع تحركاته عن كثب. ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون اغتياله، خوفا من حرب شاملة مع الجماعة المسلحة، وربما مع إيران أيضًا.

ولكن في السابع عشر من سبتمبر، وبينما كان النقاش محتدماً في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل حول ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم حزب الله، كانت آلاف أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو تدق أو تهتز في آن واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا. وظهرت على الشاشة جملة قصيرة باللغة العربية: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".

واتبع عناصر حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين.

وفي المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة، مزقت الانفجارات الأيدي وأطاحت بالأصابع. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة النداء عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، في الثامن عشر من سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة النداء بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة.