هل تدفع "الفصائل الإيرانية" العراق للحرب رغما عنه؟

نفذت الفصائل العراقية العديد من العمليات ضد إسرائيل، كان أخطرها ضربة الجولان، الجمعة 4 أكتوبر، من خلال طائرات مسيرة، وأدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة العشرات، ما يعتبره خبراء أنه التغير الأخطر الذي قد يقحم العراق في الحرب بشكل شبه مؤكد.

المحلل السياسي، نزار حيدر، يقول إن العد التنازلي للضربات الإسرائيلية على العراق "بدأ للأسف"، مؤكدا أن اليد الخفية التي بذلت قصارى جهدها لجر العراق إلى هذا التصعيد نجحت، مضيفا: "بات العراق الآن في قلب العاصفة شاءت الدولة أم لم تشأ".

وتابع حيدر: "نتنياهو منذ أن رفع الخريطة السوداء، لما أسماه بمحور الشر في خطابه في الأمم المتحدة وقد ظهر فيها العراق، وهو يتحين الفرصة تلو الأخرى ليشمله التصعيد، ولقد جاءت الفرصة بإعلان مقتل جنديين إسرائيليين وجرح آخرين جراء مسيرات جاءت من العراق".

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة 4 أكتوبر، مقتل جنديين اثنين وإصابة 24 في أعنف هجوم تشنه الفصائل العراقية منذ نحو عام.

وكشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الجنديين القتيلين هما من "لواء جولاني، الكتيبة الثالثة عشر"، لافتا إلى أن "طائرة بدون طيار انفجرت في قاعدة عسكرية شمال الجولان، أطلقت من العراق".

ويعد هذا الهجوم هو الأعنف من إجمالي أكثر من 180 هجوما تبنته الفصائل المسلحة العراقية على إسرائيل، منذ شهر نوفمبر 2023، وما زالت تواصل ضرباتها بين الحين والآخر.

الفصائل لم تتوقف عند استهداف مواقع إسرائيلية، بل أنها لوحت بالتصعيد وبدء "حرب طاقة" في المنطقة، ولوحت كتائب حزب الله العراقية، بحرب الطاقة في المنطقة إذا استهدفت إسرائيل منشآت إيران النفطية، وهددت بفقدان العالم أكثر من 12 مليون برميل نفط يوميا، بمجرد بداية الحرب.

أما النائب العراقي المستقل سجاد سالم فقد انتقد في تغريدة على منصة "إكس" أيضا محاولة الميليشيات التابعة لإيران إشعال حرب الطاقة في المنطقة عبر العراق.

وأشار سالم إلى إن "الفصيل المسلّح الذي يهدد بحرب الطاقة لا يستطيع تأمين رواتب شهرين فقط إذا توقّف تصدير النفط العراقي".

واتهم عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، ما وصفهم بقوى "اللا دولة" بمحاولة زج العراق في الحرب الدائرة في المنطقة وتعريض أمن واقتصاد البلاد للمخاطر.

وقال شنكالي في تصريح صحافي: "قوى اللا دولة اتخذت قرار الدخول في الحرب من دون عمل أي حساب للدولة ومؤسساتها، تلك الجهات وبسبب نزوات قادتها الباحثين عن المجد الزائف والمكانة لدى ولاة أمرهم يعرضون أمن وسياسة واقتصاد العراق للخطر والعواقب الكبيرة".

وأكد النائب أن العيب ليس في هؤلاء القادة الذين يعرضون أمن العراق للخطر، ولكن العيب في المؤسستين التشريعية والتنفيذية في العراق لسماحهما لهؤلاء بالتمدد على الدولة ومؤسساتها، والمقامرة بأمن الدولة واستقرارها واقتصادها من أجل أهوائهم ومصالح من يتبعونهم.

من جهة أخرى تحاول الحكومة العراقية تكثيف الضغط حتى لا تنزلق البلاد رغما عن إرادتها في هذه الحرب، وعلق المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي فادي الشمري، الإثنين 7 أكتوبر قائلا إن العراق يعمل على ضبط أوضاعه الأمنية والسياسية داخليا، لتجنب الانزلاق في أي صراع، في إشارة إلى الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط.

وقال الشمري في بيان: "الحكومة تسعى بإصرار للحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز سيادة الدولة، وأن تكون فعاليات جميع القوى العاملة ضمن سياق المؤسسات القرارية للدولة، وعدم الخروج عن الإجماع الوطني".

بينما قال مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي خلال مقابلة مع قناة محلية الأحد 6 أكتوبر: "من مصلحة العراق تجنب التصعيد العسكري، وترك الفرص للحكومة ولعملها الدبلوماسي والضغط بكافة المجالات وخفض التصعيد، ووقف آلة القتل والحرب".

تصريحات الأعرجي جاءت بعد يومين من مقتل جنديين إسرائيليين بانفجار مسيرة في هجوم نُفذ من العراق، وفيها دعا رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني في بيان، باليوم ذاته ، المجتمع الدولي إلى "إنقاذ المنطقة من شرور حرب، لا تُبقي ولا تذر".

وخاطب السوداني، في الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي "كل الأصدقاء، وبالخصوص الرئيس الأميركي جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي"، وقال: "نقف على أعتاب منزلق خطير، قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة، ويهزّ الاقتصاد العالمي".

حول إمكانيات الحكومة للحيلولة دون دخول بغداد على خط الحرب، يقول أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إحسان الشمري: "نحن في توقيت حرج جدا، كون إسرائيل تهيئ لضرب إيران، خاصة وأن طهران تهدد بأذرعها أيضا، وهذا يضع العراق ضمن نطاق الاستهداف الجغرافي الإسرائيلي".

وأوضح الشمري أن خيارات بغداد لتجنب الانخراط في الصراع يتمثل في حراك دبلوماسي سريع جدا، الأول باتجاه واشنطن لممارسة ضغوط على إسرائيل، والثاني شرقا باتجاه إيران لتمارس المزيد من التأثير على الفصائل في العراق، بألا يُتخذ ساحة لانطلاق الهجمات.

وعن قدرة العراق على تجنب الحرب، قال الشمري إنها "محدودة جدا، خاصة وأن الفصائل المسلحة اتخذت قرار الحرب الذي تمتلكه الدولة العراقية".

وفي الخامس من أكتوبر الحالي، أشار المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، إلى أن "بغداد بذلت جهودا استثنائية محلية وإقليمية ودولية، لإبقاء العراق بعيدا عن ميدان الحرب".

وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية: "الحكومة تواصلت مع كل الأطراف المعنية داخليا وخارجيا، وأرسلت الرسائل الواضحة بأن تعريض استقرار العراق للخطر، ستنتج عنه أجواء سلبية تضر بالمصالح العليا للبلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".

من جهته يؤكد الباحث السياسي عبد القادر النايل، أن الفصائل العراقية التي ترتبط بإيران، ترى أنها هي التي تدير حكومة السوداني وتاليا العراق بالكامل، وأن القرار في يدها وليس في يد الدولة.

وقال النايل: "الفصائل في العراق تتخذ قرارها من خارج العراق، وتظن أنها أعلى من الحكومة وأن وجود حكومة الإطار التنسيقي الحالية بإدارة السوداني، جاءت عبر فوهات بنادقها ولابد أن تكون خاضعة ومسيرة لمسؤولي هذه الفصائل".

وأضاف أن "سيطرة الحرس الثوري الإيراني على قرار الفصائل عقد الأمور كثيرا لأنه يسيطر على القرار ومفاصل إدارة هذه الفصائل، علما أن الدستور الحالي النافذ يجرم أي سلاح أو تشكيل مسلح خارج الدولة".

ولفت النايل إلى أن "من يمتلك القرار في العراق ليس الحكومة، إنما هذه الفصائل وإذا أرادت الحكومة أن تثبت نفسها للشارع العراقي يجب عليها اعتقال كل خارج عن القانون ويهدد دول الجوار ويهدد بإدخال العراق في صراع نزولا عند رغبات وتوجيهات إيران".