صراعات
.
حينما دخلت الفصائل الفسطينية مستوطنات غلاف غزة في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، فتحت إسرائيل بصورة هيستيرية مخازن أسلحتها وأعادت المتقاعدين للقتال مرة أخرى، لتخوض حربا طويلة عكس عقيدتها المعتمدة على "الحرب الخاطفة".
لكن أزمة في الذخائر لاحت في الأفق جعلتها تلجأ إلى ما لم تلجأ إليه من قبل خاصة مع فرض بعض الدول توريد السلاح إليها ومشكلات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
اعتمدت إسرائيل على دول من العالم الثالث وسماسرة غير مأمونين للحصول على ما تريد من ذخائر بأي ثمن، لتواجه عمليات احتيال واستغلال، ويستجدي جنرالاتها نظرائهم الأميركيين عبر واتساب للحصول على بعضها من مخازن الولايات المتحدة المنتشرة في أنحاء العالم مثل غوام وتايوان، بحسب ما كشف تحقيق لصحيفة يديعوت أحرونوت.. فماذا تفعل إسرائيل لتعويض ذخائرها؟
حينما هاجمت الفصائل الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، أحيت إسرائيل مهام مروحياتها التي لم يتبق لديها سوى سربين من الأباتشي، لتقلع من قاعدة رمات داود لتتلقى إشارة حادثة كل ٥ دقائق تقريبا لتصد هجوم الفلسطينيين، ومعها يدرك الجيش أهمية "الدبابات الطائرة".
في الأيام التالية، أصبحت "الأباتشي" تحلق في الأجواء في غزة ولبنان، لتعيد إسرائيل تجنيد المتقاعدين من قائدي المروحيات، لكن مشكلة أخرى بدأت تلوح في الأفق، هي نقص الدبابة الطائرة.
بسرعة توجهت إسرائيل إلى الحليف الأميركي الذي وافق على طلب لكن "بانتظار الدور" من شركة بوينغ، لتبدأ تل أبيب محاولة تسريع الأمر من خلال تحويل مروحيات في مراحل مختلفة من الإنتاج إليها، لا سيما تلك المخصصة للولايات المتحدة.
لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الحالي، الجنرال تشارلز براون، رفض طلبات تحويل تلك المروحيات إلى الجيش الإسرائيلي، بحسب ما تشير يديعوت أحرونوت.
هذا هو مثال واحد للنقص الذي تواجهه إسرائيل في معداتها وأسلحتها وذخائرها، إذ فتحت مخازنها بعد الحرب بصورة كبيرة لتستخدم بصورة عشوائية ثم تلجأ إلى الولايات المتحدة بصورة رسمية، وغير رسمية.
فتشير الصحيفة إلى أن جنرالات إسرائيل بدأوا يعتمدون على علاقاتهم الودية بنظرائهم الأميركيين للحصول على الذخيرة، بل ولبقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط بسبب تناقص الثقة بين الجانبين.
ويقول أحد هؤلاء الجنرالات، إن حاملة طائرات أميركية في الشرق الأوسط بقيت في الأشهر الأخيرة فقط بسبب طلب شخصي من ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي إلى قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلّا، فيما يشير آخرون إن الرسائل الودية عبر واتساب لنظرائهم الأميركيين تنقل إلى إسرائيل ذخائر كانت مخصصة لجيش الولايات المتحدة إلى إسرائيل من جزيرة غوام الواقعة في المحيط الهادئ أو من تايوان.
ويشير مصدر رفيع للصحيفة "هناك في الجيش الأميركي من يحبون إسرائيل حقًا، ويدعموننا بطريقة يصعب وصفها".
تقول مصادر ليديعوت أحرونوت إن الجيش الإسرائيلي لجأ لدول عديدة للحصول على ذخيرة وسلاح بينها دولة في البلقان ودولة لها علاقات مع إيران وأخرى لا تقيم معها علاقات أصلا للحصول على سلاح بشرط هو "عدم الإعلان".
وبعض هذه الدول، تستغل الموقف في مضاعفة الأسعار، لا سيما مع وجود منافسة من قبل أوكرانيا التي تتزايد حاجتها للسلاح مع حربها التي تخوضها ضد روسيا منذ قرابة ٣ سنوات.
رفعت واحدة من هذه الدول، لم يكشف التقرير عن اسمها ولكنه أشار أنها من البلطيق، الأسعار بنسبة 50%، إلى حوالي 4500 دولار للقذيفة الواحدة للدبابة و6000 دولار لقذيفة المدفع، وطلبوا بالدفع مقدما، وعندما عاد الإسرائيليون إليهم بعد مشاورات داخلية تلقوا منهم مكالمة هاتفية محتواها "أوكرانيا دفعت واشترت الكمية التي طلبتموها"، بحسب مسؤول أمني شارك في المفاوضات.
وصل الأمر بإسرائيل إلى اللجوء لسماسرة السلاح غير المأمونين، ما يعرضهم أحيانا إلى التعامل مع شحنات مزيفة أو صفقات مشبوهة مع دول من العالم الثالث لا تتوافر فيها معايير الجودة والاختبارات، فطلبت دولة مثلا استثمارا إسرائيليا لمدة ٢٥ عاما في مصنع ينتج "مؤقت" (timer) لواحد من أسلحتها، لكن المصنع أصلا لم يكن موجودا.
حتى السابع من أكتوبر 2023، كانت تسعة أشهر هي مدة أطول حرب خاضتها إسرائيل في تاريخها والتي تسميها بـ"حرب الاستقلال" لعام 1948.
منذ ذلك الحين، والإسرائيليون عقيدتهم العسكرية مبنية على الحروب الخاطفة السريعة، كحرب الأيام الستة في 1967 أو حرب 1973 لثلاثة أسابيع، ومثلها حرب 2008 على غزة "الرصاص المصبوب" لثلاثة أسابيع أو حرب عامود السحاب عام 2012 لثمانية أيام أو حرب حارس الأسوار عام 2021 لـ11 يوما، وهو المتعارف عليه باسم "عقيدة بن غوريون" (أول رئيس وزراء لإسرائيل 1948 - 1963).
يتعمد الجيش في تلك الحروب على مبدأ استخدام القوة النارية المفرطة لحسم المعركة في أقل وقت ممكن وبأقل خسائر على إسرائيل نفسها.
لكن الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل حالياً على قطاع غزة ولبنان والمواجهة مع إيران كسرت تلك القاعدة تماماً بعد تجاوز مدتها العام الكامل، وأنهت عصر الحروب الخاطفة في الجيش الإسرائيلي.
فمع الحرب الخاطفة، كان بالإمكان الاعتماد على واردات الأسلحة والذخائر من دول أخرى، فأصبحت تعتمد إسرائيل بصورة كبيرة على ألمانيا وأميركا في بناء قوتها العسكرية بصورة كبيرة، بحسب ما يقول ضابط كبير للصحيفة، إذ يشير إلى أن ذلك يجب أن يتغير مهما كانت التكلفة.
بفعل الحرب في أوكرانيا، ارتفعت صادرات إسرائيل الدفاعية من المسيرات وأنظمة الدفاع الجوي لتصل إلى 12.5 مليار دولار في عام 2022، لكن في مارس 2024 اضطرت أهم 3 منصات للصناعات الحربية الإسرائيلية "IAI, Elbit Systems and Rafael Advance Defense Systems" إلى الإنتاج على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، من أجل تغطية الحاجات العسكرية لإسرائيل والتصدير للخارج لا سيما مع استدعاء الموظفين للاحتياط.
وقبل شهر واحد من اندلاع الحرب، اتفقت ألمانيا مع إسرائيل، وتحديدا شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية IAI التي يديرها ليفي على توريد منظومات آرو 3 الدفاعية الجوية، لتسلمها بحلول 2025.
لكن اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 زاد الأعباء، إذ اضطرت الشركة إلى العمل 3 مناوبات يوميا، طوال أيام الأسبوع لتلبية احتياجات الجيش الإسرائيلي بحسب بواز ليفي المدير التنفيذي للشركة التي تضم 15 ألف موظف استدعي منهم 2000.
على الرغم من ذلك، فإن المدير التنفيذي للشركة بواز ليفي صرح لبوليتيكو في يونيو 2024 قائلا: "سواء أحبوا ذلك أم لا، فإن الأوروبيين يحتاجون إلى الأسلحة الإسرائيلية"، وتابع "ستحتاجون إلى نوع الدفاعات الجوية التي نجحت في حماية إسرائيل من الصواريخ والقذائف التي أطلقتها حماس وحزب الله"، وأن شركته ستسلم ألمانيا صفقة السلاح المطلوبة في 2025.
أزمة ليفي في تشغيل خطوط الإنتاج بصورة مستمرة طوال الأسبوع لا تزال قائمة، ففي أكتوبر 2024 قال في تصريحات لفاينانشيال تايمز إن الخطوط تعمل دائما للوفاء بالالتزامات، ذلك أن إنتاج الصواريخ الاعتراضية "ليس مسألة أيام"، إذا أشار إلى الحاجة لتجديد المخزونات.
في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تواجه نقصا في المخزون الخاص بهذه الأسلحة، إذ تشير دانا سترول، المسؤولة الدفاعية الأميركية سابقا عن الشرق الأوسط: "إن قضية الذخائر الإسرائيلية خطيرة"، لاسيما إذا ما ردت إيران ومعها حزب الله، في وقت قد لا تستطيع واشنطن إمداد أوكرانيا وإسرائيل في آن واحد.
خلال السنة الأولى من الحرب الأوكرانية، قدمت الولايات المتحدة نحو مليون قذيفة إلى كييف، في حين تنتج واشنطن 3250 قذيفة 155 ملليمتر شهريا، بحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي مطلع العام 2023.
ويقول البنتاغون إنه يمكن رفع الإنتاج حتى 40 ألف قذيفة شهريا، و480 ألف قذيفة سنويا بحلول عام 2025، وبهذا المعدل، سيستغرق الأمر نحو 6 سنوات لإعادة بناء المخزونات مما يسمح للاستخدام العادي في وقت السلم وبافتراض عدم وجود أي تحويلات أخرى من المخزون.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة