للمرة الأولى منذ 15 شهرا من النزوح القسري، بدأ مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة صباح الاثنين رحلة العودة إلى منازلهم، عبر شارع الرشيد الساحلي بما يشبه السيل البشري في مشهد اختلطت فيه مشاعر الحنين بذكريات المعاناة، بعد توصل حماس وإسرائيل إلى تفاهمات جديدة.
ومنذ ساعات الفجر تكدس سكان غزة على مداخل محور نتساريم وسط القطاع، انتظارا لفتح إسرائيل الطريق لهم ليعودوا إلى مناطقهم في الشمال بعد نزوحهم تحت ضغط القصف الإسرائيلي الذي بدأ في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
ورفضت إسرائيل فتح المحور وعلقت عودة النازحين من الوسط والجنوب إلى الشمال، ببعض الطلبات التي أعلنت حركة حماس الموافقة عليها، قبل أن يتحرك الجيش الإسرائيلي ليفتح طريق العودة للنازحين.
وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان له، الأحد، أن سكان القطاع يمكنهم العودة إلى الشمال بداية من صباح الإثنين ٢٧ يناير، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلي عن انسحاب جزئي للجيش من محور نتساريم للسماح بمرور السكان.
وأوضح بيان لوزارة الداخلية في غزة أن شارع الرشيد اصبح متاحا لعبور المشاة فقط بالاتجاهين اعتبارا من الساعة 7:00 من صباح اليوم الإثنين، وأكدت على أنه لن يسمح لأي مركبة مهما كان نوعها أو شكلها من المرور عبر شارع الرشيد الساحلي وفق الاتفاق.
وتابعت أنه "بخصوص المركبات بمختلف أنواعها سيتم فتح شارع صلاح الدين أمامها في اتجاه واحد من الجنوب إلى الشمال عند الساعة 9:00 من صباح اليوم الإثنين(0700 بتوقيت جرينتش)، وجميع المركبات ستخضع للفحص من خلال المرور عبر أجهزة الفحص".
وأُجبر سكان غزة على مغادرة الشمال بسبب القصف، وأوامر الجيش الإسرائيلي المتكررة بضرورة الإخلاء، قبل أن يصبح مكانا مدمرا تصعب فيه الحياة، فماذا ينتظر النازحين بعد عودتهم إلى الشمال؟
اعرف أكثر
في مشهد مهيب، انطلق عشرات الآلاف من سكان غزة على طريق ترابي سيرا على الأقدام من الجنوب والوسط إلى الشمال، في رحلة العودة إلى مناطقهم ومنازلهم التي نزحوا منها اضطراريا.
وفي الطريق من الجنوب إلى الشمال، يوجد محور نتساريم الذي أقامه الجيش الإسرائيلي خلال الحرب وحوله إلى موقع عسكري ضخم يُمنع الاقتراب منه، ليفصل شمال القطاع عن جنوبه، وعنده تعطلت رحلة عودة السكان إلى الشمال.
ورفضت إسرائيل فتح المحور أمام النازحين، وطالبت حماس بضرورة الإفراج عن الإسرائيلية المحتجزة لدى الحركة الفلسطينية أربيل يهود، التي تأخر إطلاق سراحها في أول دفعتين.
وفي بيان له، أكد مكتب نتنياهو أن المفاوضات المكثفة مع حركة حماس، انتهت إلى موافقة الحركة على إطلاق سراح أربيل يهود والمجندة بالجيش أغام بيرغر، ورهينة أخرى ثالثة، يوم الخميس المقبل، وبناء عليه صدرت الأوامر بفتح طريق نتساريم أمام النازحين.
وأشار بيان نتنياهو إلى أن السماح لسكان غزة بالعبور إلى الشمال، جاء وفقا لترتيبات الإفراج عن الرهينات الإسرائيليات الثلاث، وعلى رأسهم أربيل التي أشعلت الخلاف بين الطرفين خلال الأيام الماضية.
وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إن الجيش الإسرائيلي بدأ ينسحب جزئيا في وقت مبكر من صباح اليوم الإثنين، من الجهة الغربية لممر نتساريم، حتى يتمكن السكان من المرور بعيدا عنهم.
اتهمت منظمات دولية إسرائيل بتعمد تهجير الفلسطينيين قسرا من شمال غزة إلى جنوبها، في محاولة "تطهير عرقي"، ثم حولت المكان إلى أرض محروقة لا تصلح للحياة، وفقا لما أوردته صحيفة "الغارديان".
وكثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في شمال غزة لتدمر أغلب المباني والطرق، وتجعل الحياة هناك في غاية الصعوبة، في ظل عدم توفر مجتمعات سكنية تستوعب النازحين، وانقطاع كافة الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، بضرب البنية التحتية.
وأصدرت الأمم المتحدة بيانا لها في أكتوبر الماضي، أكدت خلاله أن إسرائيل تتعمد تدمير البينة التحتية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية، لتمنع السكان من الحصول على ظروف معيشية طبيعية، معتبرة ذلك جريمة ضد الإنسانية.
وأكد مكتوب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أن إسرائيل منعت الوصول إلى الشمال لفرق المساعدات الإنسانية، ووقفت أمام دخول مئات الشاحنات المحملة بالغذاء والمساعدات إلى الجزء الشمالي بالقطاع، فيما أكدت منظمات دولية أن الحياة هناك باتت مستحيلة.
وقالت ميلينا أنصاري المحامية الفلسطينية في حديث نشرته الصحيفة البريطانية إن القصف المدمر على شمال قطاع غزة حول أغلب مناطقه إلى مواقع لا تصلح للسكن، مشيرة إلى الدمار الهائل الذي حل بالمنطقة.
ولن يجد السكان في شمال غزة سوى الدمار وركام المباني المهدمة، وسيتعين عليهم انتظار دخول شاحنات المساعدات الغذائية بكثافة، وبدء خطة إعادة الإعمار المأمولة.
نص اتفاق الهدنة الذي في ١٦ يناير الجاري، على عودة السكان النازحين إلى شمال غزة، وفي كل مناطق القطاع بصورة طبيعية، مع بدء تنفيذ عمليات تسليم الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
وبعد مرور السكان عبر نتساريم إلى الشمال، تكون واحدة من أهم العقبات التي هددت الاتفاق قد ذُللت بالمفاوضات بين إسرائيل والحركة الفلسطينية، لكن ما زالت هناك الكثير من الشروط تنتظر التنفيذ.
وخلال المرحلة الأولى من الاتفاق الذي يمتد ٤٢ يوما، ستنسحب إسرائيل بشكل تدريجي من المناطق المكتظة بالسكان، وتنتقل إلى حدود جميع المناطق في غزة.
ومع التدمير الهائل الذي حل بشمال القطاع، سيتعين على إسرائيل تنفيذ شرط إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، حتى تصل إلى الشمال خلف النازحين العائدين إلى مناطقهم، وكذلك بدء العمل على إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز وإدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود، ومستلزمات إيواء النازحين الذين دُمرت بيوتهم بسبب الحرب.
وينص الاتفاق في مرحلته الأولى على أن تطلق حماس سراح ٣٣ محتجزا لديها، على أن يبدأ التفاوض على المرحلتين الثانية والثالثة لتنتهي الحرب بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وتسليم كل الرهائن لدى حماس الأحياء منهم والأموات.