"غزة الإنسانية" في القطاع.. إطعام للفلسطينيين أم تعميق للجوع؟
عمد دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى خفض المساعدة الأميركية وإعادة توجيهها، لكن مبادرته المثيرة للجدل لتوفير مواد غذائية في قطاع غزة قد تعطي مؤشرات إلى مستقبل المساعدات في العالم، وسط تحذير المنظمات الإنسانية من نموذج "غير لائق" و"خطير".
وتقوم "مؤسسة غزة الإنسانية" التي يديرها عناصر أمن أميركيون متعاقدون مع انتشار قوات من الجيش الإسرائيلي في محيط مراكزها، بتوزيع مواد غذائية في عدد من النقاط من القطاع المحاصر والمدمر بفعل 20 شهرا من الحرب.
وباشرت المؤسسة الخاصة الغامضة التمويل، تسليم مساعدات غذائية، الإثنين، بعدما أطبقت إسرائيل حصارها على القطاع لأكثر من شهرين، وسط أزمة جوع متفاقمة. وأعلنت الأمم المتحدة الجمعة أنّ جميع سكان قطاع غزة معرّضون لخطر المجاعة.

فلسطينيون يحملون المساعدات التي توزعها "مؤسسة غزة الإنسانية". أ ف ب
وترفض الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التعامل مع "مؤسسة غزة الانسانية"، معتبرة أن خطة عملها لا تراعي "المبادئ الأساسية" للمساعدة الإنسانية وهي "عدم الانحياز والحياد والاستقلالية"، وأنها تبدو مصممة لتلبية الأهداف العسكرية الإسرائيلية.
وقال نائب رئيس البرامج الدولية في لجنة الإغاثة الدولية كيران دونيلي "ما شهدناه فوضوي، مأساوي. نرى مئات آلاف الأشخاص يتصارعون في ظروف غير لائقة وغير آمنة للوصول إلى كمية ضئيلة من المساعدات".
يدعو دونيلي إلى العمل بالتعاون مع المدارس أو المستوصفات لتوزيع المساعدة حيث يحتاج الناس إليها، وليس في مراكز خاضعة لتدابير عسكرية، مضيفا: "إن كنا نريد حقا توزيع المساعدة بصورة شفافة ومسؤولة وفاعلة، يجب استخدام خبرة المنظمات الإنسانية التي تقوم بذلك منذ عقود، وتمتلك بنية تحتية بالفعل".
وبينما تؤكد المنظمات الانسانية منذ أشهر أن كميات هائلة من المساعدات تبقى عالقة خارج القطاع، لفت دونيلي إلى أن لجنة الإغاثة الدولية وحدها لديها 27 طنا من المساعدات تمنع إسرائيل دخولها إلى القطاع المحاصر.
من جانبه، يقول يان إيغلاند رئيس المجلس النرويجي للاجئين إن منظمته توقفت عن العمل في غزة عام 2015 عندما اقتحم عناصر من حماس مركزها، قائلا: "لماذا ندع الجيش الإسرائيلي يقرر كيف وأين ولمن نعطي مساعدتنا في إطار استراتيجيته العسكرية الرامية إلى تشريد الناس في غزة؟".
ويتابع إيغلاند الذي كان مسؤولا عن العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة "هذا انتهاك لكل ما ندافع عنه، إنه الخط الأحمر الأخطر الذي لا يمكننا تخطيه".
وشابت الفوضى أولى عمليات توزيع المواد الغذائية التي قامت بها "مؤسسة غزة الإنسانية"، إذ أفادت الأمم المتحدة عن إصابة 47 شخصا بجروح معظمهم برصاص القوات الإسرائيلية الثلاثاء حين هرعت حشود يائسة وجائعة إلى المركز، فيما أكد مصدر طبي سقوط قتيل على الأقل.
وينفي الجيش الإسرائيلي أن يكون أطلق النار. كما تنفي المنظمة وقوع إصابات، وهي تؤكد أنها وزعت 2.1 مليون وجبة غذائية منذ الإثنين.
"غزة الإنسانية" تُفضّل التعاون مع إسرائيل
ويرى العضو في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي جون هانا الذي قاد دراسة حددت المبادئ التي قامت عليها "مؤسسة غزة الإنسانية"، أن على الأمم المتحدة أن تعي ضرورة اعتماد نهج جديد للمساعدات بعدما أقامت حماس ما ووصفه بـ"مملكة من الرعب" في غزة.
وسبق لإسرائيل أن فرضت قيودا هائلة على عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا، متهمة عددا من العاملين معها بالضلوع في هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 الذي أطلق شرارة الحرب في غزة.
ويقول هانا، وهو مسؤول أميركي سابق، "أخشى أن يكون الناس على وشك أن يدعوا الأفضل يكون عدو الجيد بدل أن يروا كيف يمكنهم المشاركة في هذا المجهود وتحسينه وجعله أفضل وتعزيزه".
ويبرر المسؤول الأميركي استخدام متعاقدين من القطاع الخاص، مؤكدا أن العديد منهم شاركوا في "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة في المنطقة، مضيفا: "كنا نتمنى لو كان هناك متطوعون من قوات وطنية موثوقة وقادرة أخرى، لكن الواقع أن لا أحد يتطوع".
يوضح هانا أنه يفضل أن يتم تنسيق المساعدات مع إسرائيل بدل حماس موضحا "على أي مجهود إنساني في منطقة حرب أن يقوم ببعض المساومات مع السلطات الحاكمة التي تحمل السلاح".
ونصحت الدراسة التي أجراها هانا العام الماضي بعدم تولي إسرائيل دورا كبيرا في المساعدة الإنسانية في غزة، داعيا إلى ضلوع الدول العربية لإعطاء العملية المزيد من الشرعية.
لكن فيما تواصل إسرائيل هجومها العسكري على غزة، أبدى عدد من الشركاء العرب لواشنطن، كما قسم كبير من الأسرة الدولية، انتقادات لمبادرات طرحها ترامب بشأن غزة، خصوصا دعوته إلى سيطرة الولايات المتحدة على القطاع ونقل سكانه إلى دول أخرى وجعله "ريفييرا الشرق الأوسط".