صراعات‎

فوضى المساعدات في غزة.. عصابات وتجار يبيعون طعام المُجوعين

نشر
AP
منذ أن أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انهيار أمني في القطاع ما جعل إيصال المساعدات للفلسطينيين شبه مستحيل، تُخزّن عصابات وتجار جزءًا كبيرًا من هذه الأغذية المحدودة الداخلة وتُباع بأسعار باهظة.
وبحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس فقد وصل سعر كيلوغرام الدقيق إلى 60 دولارًا في الأيام الأخيرة، وبلغ سعر كيلوغرام العدس 35 دولارًا، وهو ما يتجاوز إمكانيات معظم سكان القطاع، الذي يقول الخبراء إنه مُعرّض لخطر المجاعة، حيث يعتمد الناس إلى حد كبير على المدخرات بعد 21 شهرًا من الحرب بين إسرائيل وحماس.

"عليك أن تكون قويًا وسريعًا"

قال فلسطيني في الثلاثينيات من عمره، أصر على عدم الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام، إنه زار مواقع توزيع المساعدات التي تشرف عليها من مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، حوالي 40 مرة منذ افتتاحها، وكان يعود في أغلب الأحيان بالطعام، إلا أنه باع معظمها للتجار أو غيرهم لشراء ضروريات أخرى لعائلته.
وقالت هبة جودة، التي زارت المواقع عدة مرات، إن مسلحين يسرقون المساعدات بينما يعود الناس بها، ويعرض التجار أيضًا شرائها.
وأضافت: "للحصول على الطعام من المنظمة الأميركية، عليك أن تكون قويًا وسريعًا".

مشاهد فوضى في مواقع التوزيع

تُظهر مقاطع مصوّرة من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية مئات الرجال يركضون عبر ممرات حديدية ضيقة ويشتبكون لالتقاط صناديق الطعام من الأرض. وتقول المؤسسة إنها أنشأت ممرات منفصلة للنساء والأطفال وتعمل على تطوير برامج توصيل مباشر للمجتمعات.
أما قوافل الأمم المتحدة، فعادة ما تتعرض لهجمات أو فوضى جماهيرية وسط رفض المنظمة لأي حماية عسكرية إسرائيلية، مفضّلة الاعتماد على دعم المجتمع المحلي.

مساعدات في السوق السوداء

قرار إسرائيل هذا الأسبوع بتسهيل إيصال المزيد من المساعدات، تحت ضغط دولي، أدى إلى انخفاض الأسعار إلى حد ما، لكن آثاره لم تظهر بالكامل على أرض الواقع.
وتشير مشاهدات سكان محليين إلى أن المساعدات المخصصة للتوزيع المجاني، مثل الطحين المطبوع بشعارات الأمم المتحدة أو المقدم من مؤسسة غزة الإنسانية، تُباع بشكل علني في الأسواق.
ولا تستطيع الجهات المانحة تتبع مسار المساعدات أو تحديد المستفيدين الحقيقيين منها. ويقول محمد أبو طه، الذي يقيم في خيمة قرب مدينة رفح، إن شبانًا مسلحين ومنظمين يسيطرون على طوابير المساعدات ويستولون على الجزء الأكبر منها، مضيفًا: "الأمر تحوّل إلى تجارة ضخمة".
الحكومة الإسرائيلية لم ترد على طلبات للتعليق حول بيع المساعدات في السوق السوداء، لكنها تنفي وجود سياسة تجويع في غزة. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "لا توجد مجاعة في غزة، ولا سياسة تجويع".

تُحاصر الفوضى كل سبل المساعدة

تقول الأمم المتحدة إن ما يصل إلى 100 ألف امرأة وطفل يعانون من سوء تغذية حاد، بينما تقول منظمات الإغاثة ووسائل الإعلام إن موظفيها يعانون من الجوع، وتقول وزارة الصحة في غزة إن عشرات الفلسطينيين لقوا حتفهم لأسباب تتعلق بالجوع في الأسابيع الثلاثة الماضية.

الجوع يطارد الجميع

الأمم المتحدة تحذّر من أن ما يصل إلى 100 ألف امرأة وطفل في غزة يعانون من سوء تغذية حاد، في حين تفيد وزارة الصحة بأن عشرات الفلسطينيين لقوا حتفهم في الأسابيع الأخيرة نتيجة الجوع أو أمراض مرتبطة به.
وغالبًا ما تتعرض قوافل الأمم المتحدة، حين تحصل على تصريح إسرائيلي، لهجمات من جماعات مسلحة أو اجتياح جماهيري في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
وتقول برنامج الغذاء العالمي إنه لن يكون بالإمكان إيصال المساعدات بأمان إلا في ظل وقف لإطلاق النار.
وصرّحت المتحدثة عبير عطيفة: "سنقبل بأن يأخذ الناس الطعام من الشاحنات طالما لا توجد أعمال عنف".

مقتل أكثر من 1000 فلسطيني

في نظام التسليم البديل الذي تديره مؤسسة غزة الإنسانية، غالبًا ما يواجه الفلسطينيون صعوبة بالغة في الحصول على الطعام.
ومنذ مايو وأثناء محاولاتهم الوصول إلى المساعدات، قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية، معظمهم بالقرب من مواقع "مؤسسة غزة"، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وشهود عيان ومسؤولين صحيين محليين.
ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق سوى طلقات تحذيرية عند اقتراب الناس من قواته، بينما تقول "غزة الإنسانية" إن متعاقديها الأمنيين لم يستخدموا سوى رذاذ الفلفل أو أطلقوا النار في الهواء في بعض الحالات لمنع التدافع.

تغيّر الوضع في مارس

خلال معظم فترة الحرب، تمكنت وكالات الأمم المتحدة من إيصال المساعدات بأمان، على الرغم من القيود الإسرائيلية والهجمات والسرقة العرضية.
وقامت الشرطة التي تقودها حماس بحراسة القوافل ولاحقت اللصوص المشتبه بهم والتجار الذين أعادوا بيع المساعدات.
وخلال وقف إطلاق النار في وقت سابق من هذا العام، سمحت إسرائيل بدخول ما يصل إلى 600 شاحنة مساعدات يوميًا، لم تحدث أي اضطرابات كبيرة في عمليات التسليم، وانخفضت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير.
وأكدت الأمم المتحدة أن لديها آليات لمنع أي تحويل منظم للمساعدات، فيما زعمت إسرائيل أن حماس كانت تسرقها، رغم أنها لم تقدم أي دليل على حدوث سرقة واسعة النطاق.
غير أن واقع الغزاويين تغير للأسوأ في مارس، عندما أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار وأوقفت جميع الواردات، بما في ذلك الغذاء. كما استولت إسرائيل على أجزاء كبيرة من غزة فيما وصفته بأنه تكتيك للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الذين اختطفتهم في هجومها في 7 أكتوبر 2023، والذي أشعل فتيل الحرب.
ومع اختفاء الشرطة التي تديرها حماس من المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، سيطرت القبائل والعصابات المحلية على الوضع، كما يقول السكان.

هل حماس تسيطر على المساعدات؟

تقر مؤسسة غزة بأن عناصر من حماس قد يكونون موجودين في مواقع التوزيع، لكنها تؤكد أن نظامها يمنع أي تحويل منظم للمساعدات لصالح الحركة.
وقالت: "القلق الحقيقي هو منع سيطرة حماس على تدفق المساعدات بشكل ممنهج. وفي مواقعنا، لا يمكنهم ذلك".
حماس تنفي سرقة المساعدات، وليس واضحًا إن كانت متورطة في تجارة السوق السوداء، خصوصًا أن مواقع التوزيع تقع داخل مناطق عسكرية إسرائيلية يصعب العمل فيها بشكل منظم بالنسبة لعناصر الحركة.
من جانبها تنفي حماس سرقة المساعدات. وتقول أسوشيتد برس إن "مقاتلي حماس سيخاطرون بشدة بالعمل بطريقة منسقة في المناطق العسكرية الإسرائيلية التي تمر بها شاحنات الأمم المتحدة وحيث تقع مواقع غزة الإنسانية".
ولم يتوصل تحليل داخلي أجرته الحكومة الأميركية، في وقت سابق من الشهر الجاري، إلى أي دليل على حركة حماس بسرقة ممنهجة للإمدادات الإنسانية الممولة من الولايات المتحدة.
وأجرى مكتب تابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية هذا التحليل، الذي لم يُنشر من قبل، واكتمل في أواخر يونيو. ودرس التحليل 156 واقعة سرقة أو فقدان لإمدادات ممولة من الولايات المتحدة، والتي أبلغت عنها منظمات مساعدات أميركية شريكة في الفترة من أكتوبر 2023 وحتى مايو من هذا العام.
ووفقا لشرائح عرض للنتائج اطلعت عليه رويترز، لم يجد التحليل "أي تقارير تزعم أن حماس" استفادت من الإمدادات الممولة من الولايات المتحدة.
من جانب آخر، نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية صحة هذه النتائج، زاعما وجود أدلة مصورة على نهب حماس للمساعدات، لكنه لم يقدم أي فيديوهات، واتهم المتحدث المنظمات الإنسانية التقليدية بالتستر على "فساد المساعدات".
وقال مصدران مطلعان على الأمر إنه جرى تسليم النتائج لمكتب المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومسؤولي وزارة الخارجية المعنيين بسياسة الشرق الأوسط، في الوقت الذي يتفاقم فيه النقص الحاد في الغذاء في القطاع المدمر.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة