هدم بمقابل.. كيف حوّل الجيش الإسرائيلي أنقاض غزة إلى سوق ربحية؟
إذا لم يجد الجيش الإسرائيلي جنديا إسرائيليا، يضع بدلا منه مدنيا، حيث يرسله إلى أيّ مكان في قطاع غزة لهدم هياكل المنازل المتصدعة من القصف، ويسويها بالأرض.
غدي، (اسم مستعار) وهو مشغّل معدات ثقيلة، أقرّ بأنه بدأ عمله في هدم المباني بقطاع غزة بدافع مادي بحت، ثمّ تحولت دوافعه إلى الانتقام.
وجاء في تقرير لصحيفة هآرتس أن العديد من المتعهدين والمقاولين الإسرائيليين يمتلكون معدات تُؤجر لهذه الأعمال، مما يخلق سوقًا مربحة لهدم المباني في غزة، وهو أمر يحمل أبعادًا اقتصادية وإنسانية وسياسية معقدّة ضمن سياق الحرب المستمرّة في القطاع منذ أكثر من 21 شهرا.
وبحسب صحيفة هآرتس، فمن شروط العقد، يتضح أنّ وزارة الدفاع الإسرائيلية تدفع 2500 شيكل لمبنى يصل إلى ٣ طوابق. أما المباني الأطول فتدفع 5 آلاف شيكل. وتتحمل الوزارة تكاليف إدخال المعدات الثقيلة إلى غزة، بالإضافة إلى تكلفة الهاتف.
ويُظهر الاطلاع على إعلانات الوظائف أن الارتفاع الكبير في الطلب على مشغلي المعدات الثقيلة بدأ في أوائل مايو.

جرافة إسرائيلية تكمل على منزل مدمر من القصف الجوي. AP
في 7 مايو، نُشر مقال على موقع الجيش الإسرائيلي يفيد بأن "كل قائد اليوم يريد جنديًا ماهرًا في المعدات الثقيلة وجرافة قوية إلى جانبه في ساحة المعركة".
ولتحقيق هذه الغاية، تمّ تنظيم 4 دورات في أبريل لتدريب "مشغلي المعدات الثقيلة في الخطوط الأمامية". فكيف يتربح الإسرائيليون، مدنيون وعسكريون من مأساة غزة؟
عُرضت في الأسابيع الأخيرة أشغال على أكبر شركات البناء والبنية التحتية في إسرائيل، بحسب هآرتس. ومع ازدياد هدم المباني في غزة، تزداد أرباح أصحاب المعدات.
بحسب عقود الجيش الإسرائيلي للمتعهدين لتدمير المباني في غزة فالكلفة تحتسب على الشكل التالي:
- 2500 شيكل لتدمير مبنى من 3 طوابق
- 5 آلاف شيكل لمبنى أعلى من 3 طوابق
- 392 شيكل في الساعة لأيّ معدات مؤجرة ولم تستخدم
أما كلفة الساعة في اليوم فهي على الشكل التالي:
- 5 آلاف شيكل لرافعة ثقيلة
- من ألف إلى نحو 1200 شيكل لمشغل المعدات الثقيلة.
نموذج الدفع الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي يكشف الهدف الحقيقي من عمليات الهدم الممنهجة في غزة، وفق هآرتس.
كسب المال أولا وثمّ الانتقام
تُعدّ القدرة على كسب المال في غزة والمخاطر المرتبطة بها من بين أكثر المواضيع شيوعًا التي يناقشها مُشغّلو المعدات الثقيلة الإسرائيليون هذه الأيّام.
يقول غدي (اسم مستعار)، الذي عمل في غزة لمدة عام: "كان أصحاب المعدات التي عملت معهم يتقاضون أجرًا يتراوح بين 5 آلاف و5500 شيكل يوميًا. في البداية، عملت من أجل المال. ثم عملت انتقامًا. العمل هناك شاقّ للغاية وسيئ للغاية. الجيش لا يعمل بذكاء. إنّه يُريد تدمير أكبر قدر ممكن، ولا شيء آخر يُهم".
ويقول "عملت هناك من أجل الأجر. ليس لديّ المال لشراء معدّات بمليون ونصف شيكل. كنت أتقاضى 30 ألف شيكل شهريًا، واستأجرت سيارةً من شركة، واستأجروا لي شقةً في عسقلان"، أضاف غدي، في إشارةٍ إلى المدينة الساحلية الأقرب إلى غزة.
يقول رونين (ليس اسمه الحقيقي)، وهو سائق معدات ثقيلة وكان يبحث عن أشخاص للعمل في قطاع غزة: "الكثير من الناس لديهم معدات مستأجرة، ويبحثون عن شخص لتشغيلها. لا يزال هناك الكثير من العمل هناك" في إشارة إلى المباني التي تنوي إسرائيل تدميرها في القطاع.
رونين المتحمس للأرباح يقول: "هل تريد استثمار بعض المال؟ خذ 700 ألف شيكل 210 ألاف دولار واشترِ حفارة. ستربح 4 آلاف شيكل يوميًا. يدفع الجيش لأصحاب المعدات 5 آلاف شيكل يوميًا. يعطون ألف شيكل للسائق، ويحتفظون بالباقي. إذا لم يجدوا مدنيًا، فسيضعون جنديًا بدلاً منه. سيذهب الجندي إلى أي مكان يُرسل إليه. ولا يوجد نقص في الأماكن لهدم المنازل"، وفق تعبيره.
إلا أنه يحذّر من أن عمليات الهدم محفوفة بالمخاطر، ففي غزة هناك مبانٍ ضخمة بارتفاع 10 طوابق، يتعين العمل عليها عن بُعد وهدمها بالمتفجرات، مضيفا "قد يسقط مبنى كهذا على حفارتك ويسحقك".
ووفق هآرتس، هناك مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر فرحة هدم المباني في غزة.
التوظيف ومواقع التواصل الاجتماعي
يُظهر الاطلاع على إعلانات الوظائف أن الارتفاع الكبير في الطلب على مشغلي المعدّات الثقيلة بدأ في أوائل مايو. وفي 7 مايو، نُشر مقال على موقع الجيش الإسرائيلي يفيد بأنّ "كلّ قائد اليوم يريد جنديًا ماهرًا في المعدات الثقيلة وجرافة قوية إلى جانبه في ساحة المعركة".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يُمكن العثور على عروض عمل في هذا القطاع براتب مُتنوع، جميعها أعلى بكثير من راتب الوظيفة نفسها في إسرائيل.
وكما جاء في أحد الإعلانات: "يُطلب مشروع لوزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي مُشغّل حفارات مُحترف للعمل في قطاع غزة براتب صافٍ قدره 1200 شيكل يوميًا من الساعة 7 صباحًا حتى 5 مساءً، من الأحد إلى الخميس، بالإضافة إلى السكن والوجبات".
ويُشير إعلان آخر إلى "الحاجة إلى مُشغّل جرافة لممر موراج في قطاع غزة"، في إشارة إلى طريق شمال مدينة رفح الجنوبية الذي بنته إسرائيل خلال الحرب.
ووفقًا لإعلان آخر، "الحاجة إلى مُشغّل جرافة أو حفارة أو جرافة خلفية لمشروع خاص في ممر فيلادلفيا في قطاع غزة"، في إشارة إلى الحدود بين غزة ومصر.
أحيانًا يتراوح الأجر بين 75 و100 شيكل في الساعة، وأحيانًا بين 800 و1200 شيكل في اليوم، وأحيانًا بين 15 و25 ألف شيكل شهريًا.