صراعات‎

"حرب لا تنتهي".. لماذا لا تجد غزة طريقا للسلام؟

نشر
blinx
رغم مرور 21 شهرًا على اندلاع الحرب، لا تلوح في الأفق نهاية وشيكة للصراع بين إسرائيل وحماس، مع تعثر جولات التفاوض وتصاعد الكارثة الإنسانية في غزة، وسط ضغط داخلي ودولي متزايد على الجانبين لوقف القتال.
أنهت إسرائيل حملتها ضد إيران في 12 يومًا، وأنهت معركتها مع "حزب الله" اللبناني خلال شهرين. لكن حربها في غزة مستمرة منذ نحو عامين دون أن تحقق أهدافها النهائية. فإلى متى ستستمر هذه الحرب التي وصفتها مؤسسات دولية أنها ترقى إلى إبادة جماعية؟

سيطرة إسرائيلية على 75% من أراضي القطاع

ومع سيطرة القوات الإسرائيلية على نحو 75% من أراضي القطاع، لم تعد أمام الجيش خيارات عسكرية جديدة لدفع حماس إلى الاستسلام، سوى اقتحام مراكز سكنية كبيرة ما زالت خاضعة لسيطرة الحركة، ويُعتقد أن بعض الرهائن لا يزالون محتجزين فيها، بحسب مصادر صحيفة وول ستريت جورنال.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 425 ألف فلسطيني فقط من أصل نحو مليوني نسمة في غزة يعيشون حاليًا في "المنطقة الإنسانية" على الساحل الجنوبي للقطاع. ما يجعل اقتحام التجمعات السكانية الكبرى من أصعب التحديات التي قد تواجهها إسرائيل حتى الآن.

تفاقم الأزمة الإنسانية

وفيما تطول الحرب، تتفاقم الأزمة الإنسانية، وتزداد حالات الوفاة بسبب الجوع.
وقد أعلنت إسرائيل الأحد الماضي عن "وقف يومي للقتال" من العاشرة صباحًا وحتى الثامنة مساءً في المناطق المأهولة، لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وتأمين عمل طواقم الإغاثة.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 60 ألف فلسطيني قتلوا منذ بدء الحرب. أما من تبقّى، فيصارعون كل يوم للحصول على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، وسط دمار واسع حوّل القطاع إلى كتل من الإسمنت والحديد المنهار.

عزلة دولية وضغط داخلي

تسببت المجاعة والعنف في تآكل صورة إسرائيل عالميًا.
ففي أوروبا والولايات المتحدة، انقلبت قطاعات واسعة من الرأي العام ضد إسرائيل.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الثلاثاء، إن بلاده ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر ما لم تتخذ إسرائيل "خطوات جوهرية" لإنهاء الحرب، في موقف مماثل لفرنسا.

ماذا يقول الإسرائيليون؟

داخليًا، أظهرت استطلاعات رأي أن غالبية الإسرائيليين باتوا يريدون إنهاء الحرب، خصوصًا مع ارتفاع عدد القتلى من الجنود والرهائن.
ويشاطرهم الرأي كثير من الجنود المنهكين من المعارك الطويلة.

اختلاف أهداف إسرائيل وحماس

لكن الأهداف الاستراتيجية للطرفين لا تزال متعارضة بشكل شبه مطلق.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يصرّ على القضاء التام على حماس أو إجبارها على الاستسلام الكامل. بينما ترفض الحركة، رغم الخسائر الهائلة في قياداتها وقدراتها القتالية ومعاناة سكان القطاع، التنازل عن وجودها كحركة مسلحة ضد إسرائيل.

تعثر المفاوضات

في الأسبوع الماضي، وبعد أسابيع من محادثات التهدئة في الدوحة وتصريحات متفائلة من البيت الأبيض، انسحبت كل من إسرائيل والولايات المتحدة من المفاوضات.
كانت المحادثات تهدف إلى التوصل لوقف مؤقت لإطلاق النار وتبادل جزئي للرهائن، لكنها انهارت مجددًا وسط تبادل الاتهامات بشأن الطرف المعرقل.
وقال أمير أفيفي، مسؤول سابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، إن إسرائيل أخطأت حين اعتقدت أن انتصاراتها ضد إيران وحزب الله وسيطرتها على معظم غزة منحتها اليد العليا في التفاوض مع حماس، مضيفًا: "ذلك لم يحصل".

خلافات ثانوية؟

وفي نفس السياق، أكد مسؤولون عرب أن الخلافات بين الجانبين ما زالت تدور حول قضايا يعتبرها البعض ثانوية، مثل الجهة التي ستشرف على توزيع المساعدات الإنسانية، وتمركز القوات الإسرائيلية، وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُطلق سراحهم، ومسألة فتح الحدود مع مصر.
من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن حماس تعرقل التوصل لاتفاق خوفًا مما قد يحصل لها في حال فقدت ورقة الرهائن، مضيفًا أن بلاده ستساعد في إدخال المساعدات إلى القطاع الذي "يعاني من الجوع الشديد".

أهداف مستحيلة وتحالفات متناقضة

الاختلاف بين أهداف إسرائيل في لبنان وإيران وبين أهدافها في غزة جوهري.
ففي لبنان، سعت إسرائيل فقط لإبعاد "حزب الله" عن حدودها وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.
وفي إيران، هدفت إلى إضعاف برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية. أما في غزة، فتسعى لتفكيك حماس بالكامل، وهو هدف غير مسبوق من حيث التعقيد.
وبالرغم من مقتل يحيى السنوار، قائد هجوم 7 أكتوبر، ومقتل آلاف المقاتلين الفلسطينيين، لا تزال حماس تحتفظ ببنيتها الأساسية، بل ونجحت، حسب تقارير إسرائيلية وعربية، في تجنيد آلاف المقاتلين الجدد خلال الحرب.
وقد وافقت الحركة، من حيث المبدأ، على التنازل عن الحكم المدني وترك إدارة القطاع لهيئة تكنوقراطية بعد الحرب، لكنها لم توافق على حل جناحها العسكري، ما يثير مخاوف إسرائيلية من عودتها للسيطرة "من خلف الستار".
وقال أوفير غوترمان، الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" بتل أبيب وضابط الاستخبارات السابق: "إذا كان الهدف هو القضاء التام على قدرات حماس، فإن الأمر لن يستغرق أسابيع أو أشهر، بل سنوات".

أزمة جيش وقيادة في إسرائيل

تعتمد إسرائيل بشكل كبير على قوات الاحتياط. وقد قُتل أكثر من 400 جندي إسرائيلي منذ بدء الحرب، وتبدو علامات الإنهاك جلية على الجنود، خصوصًا في ظل توسع الجبهات وغياب أفق للحسم.
ويقول قادة ميدانيون إن تجنيد المقاتلين الجدد أصبح أكثر صعوبة.
جندي من فرقة الكوماندوس 98، خدم في غزة لأشهر، قال إنه لن يعود للمشاركة، لأن القتال "يعرّض الرهائن للخطر"، ولأنه بات مقتنعًا أن القضاء التام على حماس "أمر مستحيل في ظل حرب العصابات".

انقسام داخلي متفاقم

ورغم كل ذلك، يرفض نتنياهو الاعتراف بحكم السلطة الفلسطينية كبديل محتمل لحماس، ويصورها كحركة متطرفة لا تختلف عن حماس، ما أفقد إسرائيل ورقة ضغط مهمة.
في المقابل، يدعم معظم الإسرائيليين، بمن فيهم عائلات الرهائن، اتفاقًا تفاوضيًا فوريًا لإنهاء الحرب، بدلًا من الهدنة المؤقتة التي يروج لها ائتلاف نتنياهو.
لكن وزراء اليمين المتطرف في حكومته يصرّون على استكمال الحرب حتى "الانتصار الكامل"، بغض النظر عن مصير الرهائن.
وقال وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش في منشور على منصة "إكس": "انتهت مهزلة التفاوض. عزيزي رئيس الوزراء، الآن وقت الانتصار".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة