صراعات‎

"تحميل على عجل من دون تثبيت".. هكذا تفسد إسرائيل مساعدات غزة

نشر
blinx
رغم التصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تكشف الوقائع أن هذه الخطة تحولت إلى سلسلة من العراقيل المتعمدة التي عمّقت أزمة الجوع بدل معالجتها، بحسب تقرير مطول لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.
فمنذ شهور، تصطف عشرات الشاحنات المحملة بالأرز والسكر والزيت عند معبر كرم أبو سالم، لكن القليل منها يُسمح له بالدخول. يوم الاثنين الماضي، على سبيل المثال، دخلت 5 شاحنات فقط من أصل 40 انتظرت ساعات طويلة قبل أن يُطلب من البقية العودة أدراجها.
حتى من الفضاء، يظهر فشل الخطة الإسرائيلية جلياً.
فصور الأقمار الصناعية التقطت خلال الأسابيع الماضية خطوطاً بيضاء طويلة من الطحين المسكوب على الطرق المؤدية من المعبر إلى داخل غزة. أكياس الأرز الممزقة الملقاة على الأرض، بجانب أكوام من الطحين المهدور، تعكس حجم الفوضى. ففي الوقت الذي يموت فيه الناس جوعاً على بعد كيلومترات قليلة، تظل المساعدات مكدّسة أو منهوبة قبل أن تصل إلى العائلات المنكوبة.

تسهيل السقوط والسرقة

تقول مصادر للصحيفة إن الجيش الإسرائيلي يفرض على العاملين في المنظمات الدولية تحميل الشاحنات على عجل ومن دون تثبيت محكم للشحنات، ثم يتركها لساعات طويلة قبل السماح لها بالتحرك عبر طرق ضيقة وخطيرة يسهل فيها على مجموعات مسلحة أو لصوص استهدافها.
هذا التسرع المقصود يجعل الغذاء عرضة للتلف أو النهب، فيما تؤكد شهادات من داخل القطاع أن معظم المساعدات تسقط أو تسرق قبل أن تصل إلى المخيمات ومناطق النزوح.

رقابة ودخول ممنوع

إضافة إلى ذلك فإن المعبر الرئيس لإدخال المساعدات يغلق كلياً أيام الجمعة والسبت، ما يعني شل حركة الإمدادات خلال يومين من كل أسبوع. الشرطة الإسرائيلية تفرض مرافقة أمنية إلزامية للشاحنات القادمة من الأردن، لكن هذه المرافقة غالباً ما تتأخر أو تُلغى، ما يؤدي إلى توقف القوافل.
وفي المقابل، لا يُسمح للمتطوعين والكوادر الطبية الدولية بالدخول مع الشاحنات، الأمر الذي يحول دون مراقبة عملية التوزيع. أما داخل غزة، فقد أقام الجيش الإسرائيلي حواجز جديدة تزيد من إبطاء حركة الشاحنات وتضاعف احتمالات تعرّضها للنهب.
منذ بداية الأزمة في مارس الماضي، انهارت شبكة توزيع الغذاء التي كانت تشرف عليها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بعدما أغلقت إسرائيل المعابر لمدة 78 يوماً متواصلاً.

تعقيدات متزايدة.. وطرق اللصوص

ولم يُسمح لهذه الشبكة بالعودة إلى العمل، إذ تصر السلطات الإسرائيلية على إدارة العملية عبر نظام معقد من التصاريح والقيود البيروقراطية.
فقد نقلت مسؤولية تسجيل المنظمات الإنسانية إلى ما يعرف بـ"وزارة شؤون الشتات" برئاسة عمِيخاي شيكلي، المعروف بعدائه لهذه المؤسسات، ووضع شروطاً مشددة من بينها منع تسجيل أي منظمة سبق لمسؤوليها الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل خلال السنوات السبع الماضية.
في ظل هذه التعقيدات، يتكدس الغذاء عند مراكز لوجستية قرب الحدود من دون أن يصل إلى السكان. السائقون يُجبرون على استخدام طرق محددة يراقبها اللصوص جيداً، فيما يرفض الجيش الإسرائيلي مرافقة القوافل أو تأمينها.
هذا "التواطؤ"، بحسب شهادات ميدانية، سمح بانتشار حالة نهب منظم، حيث يبيع التجار المساعدات في الأسواق بأسعار مرتفعة تصل أرباحها إلى أكثر من ألف دولار يومياً.

أصوات من غزة

في قلب هذه المأساة، تتردد أصوات الغزيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مجاعة مفتوحة. حسن، وهو متطوع في مطبخ جماعي يوزع وجبات يومية للنازحين، يروي بمرارة كيف يقف الأهالي في طوابير طويلة لساعات، على أمل الحصول على كيس دقيق أو بعض الأرز.
يقول: "الناس الذين يحتاجون فعلاً للطعام ولا يجدون إلا بضع طرود هم أقلية. الأغلبية التي تستولي على المساعدات هم تجار يملؤون جيوبهم من غذائنا وغذاء أطفالنا. هؤلاء يأتون يومياً إلى مراكز التوزيع، يسرقون ويبيعون، ولا أحد يوقفهم."
أحمد، وهو أب لخمسة أطفال يعيش في خيمة قرب خان يونس، تحدث عن معاناة أخرى. فقد باتت المساعدات تُعرض في الأسواق كما لو كانت سلعة تجارية عادية. يوضح: "التمر أو الأرز الذي كان يصلنا مجاناً يباع الآن بأسعار خيالية. التجار يحققون ما لا يقل عن ألف دولار يومياً من هذه التجارة. نحن الذين لا نملك شيئاً نضطر أحياناً لشراء الطعام الذي كان مخصصاً لنا أصلاً."
شهادات أخرى من سكان القطاع تكشف حجم الفوضى التي أفرزها غياب الشرطة المحلية بعد استهدافها بغارات إسرائيلية، إذ باتت السيطرة على المساعدات بيد عائلات نافذة ومجموعات مسلحة تتعامل مع التجار في شبكة معقدة تحوّل الغذاء إلى مصدر دخل وسلطة.

سياسة ممنهجة

إسرائيل تبرر هذه القيود بالقول إن حماس كانت تستولي على المساعدات، لكن حتى تقارير صحافية غربية أكدت أن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أي دليل يثبت ذلك، بل إن ضباطاً كباراً اعترفوا بغياب أي أساس لهذه المزاعم.
بالتوازي مع ذلك، تستمر إسرائيل في تفكيك البنية الإنسانية الدولية في القطاع. فقد تعرضت مراكز طبية تابعة للأونروا لغارات مباشرة، وأُجبرت الوكالة على إجلاء طواقمها الدولية بعد تشريعات جديدة في الكنيست منعتها من التنسيق مع السلطات الإسرائيلية.
كما ألغت وزارة الخارجية تأشيرات كبار موظفي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وبينهم المسؤول الرئيسي عن إدارة قوافل الإغاثة، ما أدى إلى تعطيل جهود التنسيق الدولية.

جوع متعمّد

بين الخطاب الرسمي الإسرائيلي الذي يتحدث عن "تدفق المساعدات" والواقع الذي تعكسه صور الطحين المهدور وشهادات الأهالي، تتضح الفجوة الكبيرة.
المدنيون في غزة لا يرون من هذه المساعدات سوى القليل، فيما يزداد عدد وفيات الجوع وسوء التغذية، وخاصة بين الأطفال.
وفي النهاية، يبدو أن خطة إدخال المساعدات لم تكن سوى واجهة لسياسة أوسع تهدف إلى إبقاء غزة في حالة جوع دائم، وتحويل الغذاء إلى ورقة ضغط سياسية وعسكرية، على حساب أرواح مئات الآلاف من المدنيين الذين ينتظرون لقمة الخبز على أبواب المعابر المغلقة، بحسب هآرتس.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة