أوروبا تعود للخنادق.. شباب القارة في وجه "التجنيد الإجباري"
بعد عقود من إلغاء الخدمة العسكرية في العديد من الدول الأوروبية، بدأت حكومات عدة تعيد النظر في قراراتها السابقة، مدفوعة بشعور متزايد بعدم الأمان.
ففي ألمانيا تُطرح نقاشات واسعة حول إعادة التجنيد، بينما أعادت ليتوانيا والسويد العمل به بالفعل، وتسعى دول أخرى مثل فرنسا وبولندا إلى تعزيز جاهزيتها العسكرية عبر صيغ مختلفة تجمع بين الخدمة الإلزامية والتطوعية.
هذا التحول لا يعكس فقط المخاوف الأمنية، بل يكشف أيضًا عن جدل داخلي حول الهوية الوطنية، مسؤوليات الشباب، ومستقبل الجيوش الأوروبية في مواجهة تحديات غير مسبوقة، بحسب تقرير لموقع
دويتشه فيله الألماني.
في السطور التالية، يتضح كيف تتعامل الحكومات الأوروبية مع هذه العودة الجدلية، وكيف ينقسم الرأي العام بين من يرى فيها ضرورة لحماية القارة، ومن يخشى أن تكون عبئًا جديدًا على الأجيال الشابة.
ألمانيا تحاكي السويد بخدمة عسكرية جديدة
في عام 2011، أنهت ألمانيا الخدمة العسكرية الإلزامية. لكن أكبر اقتصاد في أوروبا يريد الآن التحرك نحو ما تسميه وزارة الدفاع الألمانية "خدمة عسكرية جديدة". هذا سيحاكي النظام المستخدم في السويد، حيث يُرسل استبيان لأي شخص يبلغ 18 عامًا. العملية ستكون طوعية، في البداية، لكن ابتداءً من 1 يوليو 2027، تصبح إلزامية لجميع الذكور في هذا العمر.
وتقول وزارة الدفاع الألمانية على موقعها الإلكتروني: "يتعين على الشبان إكمال الاستبيان". "أما بالنسبة للأشخاص من الأعمار الأخرى، فالإجابة على الأسئلة طوعية، لأنهم غير خاضعين للتجنيد".
أي شخص يريد الانضمام إلى الجيش يكمل بعد ذلك عملية تقديم الطلب، وإذا نجح، يُمنح صفة "جندي مؤقت" أو SaZ. وهذا يضع المجندين الجدد في وضع مالي أفضل، والمكافآت من المفترض أن تجعل الالتزامات الأطول مع الجيش أكثر جاذبية.
بدءًا من 2027، سيسمح الاستبيان الرقمي الإلزامي للحكومة بمعرفة عدد الجنود المحتملين الذين لديها، وأين هم، وما هي حالتهم الصحية، وأين قد يكون من الأفضل خدمتهم.
بعد انتهاء خدمتهم الطوعية، سيبقى الألمان الشباب مرتبطين بالجيش من خلال الخدمة المنتظمة في الاحتياط، أي أنهم لن يخدموا في الجيش النظامي بعد الآن، لكن يمكن استدعاؤهم للخدمة عند الحاجة والمشاركة في التدريبات والمناورات. مثل هذه الزيادة في جنود الاحتياط تعتبر حاسمة لأهداف الناتو، ويحاول الجيش الألماني أيضًا تعويض نقص الأفراد باستخدام هذه الطريقة.
فرنسا.. "خدمة وطنية" تشمل الأطفال
ألغت فرنسا التجنيد في عام 1996، لكن في 2019، قدم الرئيس إيمانويل ماكرون "الخدمة الوطنية الشاملة" (SNU). يتكون هذا من برنامج مدته شهر واحد للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، ينظم جزئيًا من قبل الجيش الفرنسي، لكنه يتضمن أيضًا محتوى اجتماعيًا ومدنيًا.
ويعتبر "إعادة التجنيد الإجباري" أحد النقاشات المستمرة حتى الآن في المجتمع الفرنسي. وفي 2018، وعد ماكرون بفعل ذلك، لكن حتى اليوم، ظل الـ SNU طوعيًا، بسبب عدم وجود تمويل أو دعم سياسي يكفي لدفع الفكرة إلى الأمام، وتحويلها إلى تجنيد إجباري.
وبدلاً من ذلك، تركز البلاد على جنود الاحتياط. ومن المفترض أن يتضاعف عددهم أكثر من الضعف، من 46 ألفًا إلى 105 آلاف بحلول 2035، أي ما يقرب من جندي احتياط لكل جندي فرنسي عامل.
المملكة المتحدة.. علاج العجز بزيادة جنود الاحتياط
تم إلغاء التجنيد في المملكة المتحدة عام 1960، والتي تحتفظ بجيش محترف لكنها، مثل ألمانيا، تعاني نقصًا في المجندين المتطوعين.
ومع ذلك، حذر المحللون العسكريون من أن إعادة التجنيد الإجباري ليست وسيلة فعالة أو عملية لحل هذه المشكلة. وبدلاً من ذلك، يوصون بتوسيع قوات الاحتياط البريطانية.
بولندا تدرّب الأطفال على السلاح
ألغى الجار الشرقي لألمانيا التجنيد في 2008، لكن منذ الحرب في أوكرانيا، دخلت وارسو سباق التسلح أكثر من معظم الدول الأوروبية الأخرى.
بالنسبة للجيش، تريد بولندا امتلاك جيش يصل إلى 300 ألف جندي بحلول 2035، حوالي 50 ألفًا منهم سيكونون جزءًا من قوات الدفاع الإقليمية، وهي نوع من الحرس المحلي.
لبولندا أيضًا قوات احتياط تشمل الجنود السابقين، كما أدخلت التدريب العسكري في المدارس الثانوية، حيث يتعلم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عامًا عن أمن الدولة، وأعمال الإنقاذ في الحوادث والكوارث، وكذلك الإسعافات الأولية الأساسية والتثقيف الصحي.
كما يتدرَّب الأطفال على استخدام السلاح في دروس تستمر حوالي ساعة أسبوعيًا.
السويد.. العودة للتجنيد الإجباري
أُلغيت الخدمة الإلزامية في السويد عام 2010، لكن أعيد العمل بها في 2017. يجب على جميع السويديين البالغين 18 عامًا التسجيل عبر الإنترنت وتقديم معلومات شخصية للجيش، وبعد ذلك يتم تجنيد نسبة منهم.
عادة ما يكون هذا بين 5% و10% من جميع البالغين 18 عامًا في أي عام معين، لأن الجيش يحدد كل عام عدد المجندين الجدد المطلوبين من الرجال والنساء.
منذ أواخر 2023، لدى السويد أيضًا خدمة مدنية إلزامية ولكن فقط في قطاعات معينة مثل خدمات الإنقاذ البلدية وقطاع إمداد الكهرباء.
فنلندا.. مفاجأة العسكرية الأوروبية
لم تلغ فنلندا التجنيد الإجباري أبدًا، حيث يُطلب من جميع الرجال الفنلنديين البالغين 18 عامًا وما فوق الخدمة، بينما يمكن للنساء التطوع. تستمر الخدمة العسكرية الأساسية بين 6 و12 شهرًا، حسب فرع الجيش.
عادة ما يخدم حوالي ثلثي كل مجموعة تبلغ 18 عامًا في الجيش الفنلندي، وهو معدل مرتفع جدًا بالمعايير الأوروبية.
الواجب العسكري متجذر بعمق في ثقافة البلاد ويعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الفنلندية.
بعد إتمام التدريب الأساسي، يُعتبر تقريبًا كل رجل محلي جندي احتياط وسيُستدعى بانتظام للتدريب. وهذا يعني أن فنلندا، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 5.6 مليون نسمة، لديها القدرة على تعبئة حوالي 280 ألف جندي بسرعة إذا لزم الأمر، ويبلغ إجمالي قوة الاحتياط حوالي 900 ألف جندي.
النرويج.. أول جيش أوروبي مختلط
تعتمد النرويج خدمة إلزامية لكل من الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا، وفي عام 2013، صوت البرلمان المحلي للسماح بالتجنيد للنساء مثل الرجال، وبدأت أول دفعة مختلطة التدريب في 2016، لتصبح بذلك أول دولة في الناتو لديها مجندون من كلا الجنسين.
يُستدعى فقط جزء صغير من النرويجيين للجيش كما توضح منصة "ديفينس وان"، بالقول "على الرغم من أن الخدمة العسكرية إلزامية في النرويج، إلا أنها تعتبر انتقائية للغاية، الأمر الذي جعل الخدمة العسكرية مهمة مرموقة، رغم أن الجيش النرويجي يعتمد بشكل متزايد على جنود الاحتياط.
الدنمارك ترفع مدة الخدمة من 4 أشهر إلى 11
تعتمد الدنمارك خدمة عسكرية إلزامية للذكور البالغين 18 عامًا، ومن يوليو 2025، أصبحت خدمة إلزامية للإناث البالغات 18 عامًا. كانت الخدمة العسكرية الأساسية تستمر 4 أشهر فقط، لكن ابتداءً من 2026، ستتوسع لتصبح 11 شهرًا.
رسميًا، يُستدعى الشباب باستخدام نظام القرعة، لكن عدد المتطوعين أكبر مما يحتاجه الجيش الذي يطلب تجنيد 4 آلاف شخص سنويًا، لكن عادة ما يتقدم ضعف هذا العدد تقريبًا.
النمسا تتراجع عن خطة إلغاء التجنيد
لا تزال النمسا لديها تجنيد إلزامي. يخدم الرجال البالغون 18 عامًا، ستة أشهر في الجيش أو 9 أشهر في الخدمة المدنية، كما يمكن للنساء التطوع للجيش.
بين الحين والآخر، يناقش النمساويون إلغاء التجنيد. لكن بالنظر إلى الوضع الأمني الحالي في أوروبا، فإن معارضي التجنيد ليس لديهم حاليًا فرصة كبيرة للنجاح. والنمسا ليست عضوًا في الناتو وتعتمد أيضًا على جنود الاحتياط، الذين يُستدعون بانتظام للمشاركة في مناورات عسكرية.
لاتفيا تحمّلت إلغاء التجنيد الإجباري 17 عاما فقط
صوتت لاتفيا لإلغاء التجنيد في 2006 لكنها أعادته في 2023، لتضم في جيشها جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا الخدمة لمدة 11 شهرًا، بينما يمكن للنساء التطوع.
أعادت لاتفيا التجنيد ببطء بسبب نقص البنية التحتية وقلة المدربين، وفقًا لوزارة الدفاع.
وبحلول 2027، تريد لاتفيا أن يكون لديها حوالي 7500 شخص يخضعون للتدريب العسكري كل عام، بهدف زيادة عدد المجندين من 22 ألفًا إلى 50 ألف جندي، بما في ذلك الدفاع الإقليمي وجنود الاحتياط.
ليتوانيا.. تجنيد 3500 شخص سنويا
أعادت ليتوانيا التجنيد في 2015 وتقوم حاليًا بتجنيد حوالي 3500 رجل سنويًا عبر نظام القرعة. ولا تمتلك البلاد نظام تجنيد شامل، على الرغم من أن رئيسة الوزراء، إنغا روغينينيه، قالت مؤخرًا إنه قد يكون من المستحيل تجنب ذلك بالنظر إلى الوضع الأمني.
أوكرانيا.. خدمة عسكرية حتى عمر الـ60
في المقابل، أعادت أوكرانيا التجنيد الإجباري في 2014، وبعد اشتعال الحرب مع روسيا في 2022، أصبح جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا مؤهلين للتجنيد.
والآن، يقاتل ما يقرب من مليون أوكراني في الجيش، ويُقدّر أن هناك على الأقل مليون أوكراني آخرين يُحسبون كجنود احتياط.
اليونان.. معاقبة رافضي الخدمة، بخدمة أخرى
تفرض اليونان على جميع الرجال بين 18 و45 عامًا الخدمة في الجيش لمدة 12 شهرًا، بينما تبقى الخدمة طوعية للنساء، بينما يُعاقب المعترضون على الخدمة العسكرية، بإشراكهم في خدمة مدنية لفترات أطول بكثير.
من الناحية الفنية، يظل جميع المجندين اليونانيين جنود احتياط، ويخضعون لتدريبات منتظمة، وترغب وزارة الدفاع أن يكون لديها 150 ألف جندي احتياط نشط بحلول 2030.
تركيا.. خدمة قد تمتد لشهر واحد
يُطلب من جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و41 عامًا في تركيا الخدمة لمدة 6 أشهر على الأقل في الجيش. ومع ذلك، بعد شهر واحد، يمكن لأولئك الذين يستطيعون تحمل ذلك ماديًا أن يدفعوا للخروج من بقية خدمتهم.
تبلغ الرسوم حاليًا حوالي 5 آلاف يورو، ويُعاقب المتهربون من التجنيد بغرامات وسجن.