بسبب "بدلة ابنها".. عملية أميركية استثنائية في غزة لإنقاذ أحلام
في الوقت الذي لا يزال فيه عشرات الفلسطينيين الأميركيين عالقين في قطاع غزة المدمر منذ أكثر من عامين، دون دعم أو تحرك من الحكومات الأميركية المتعاقبة، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن "عملية استثنائية" أشرفت عليها إدارة الرئيس الجمهوري لإخراج سيدة فلسطينية هي والدة لعنصر يخدم في البحرية الأميركية "المارينز"، سرا من غزة.
وقد حدثت هذه العملية غير العادية في سبتمبر الماضي، في الوقت الذي تُتهم فيه إدارة ترامب، وقبله إدارة سلفه جو بايدن، بازدواجية المعايير الإنسانية وغض الطرف عن معاناة الفلسطينيين في غزة، حتى عندما يكونون مواطنين أميركيين.
بالنسبة للفلسطينية أحلام فروانة، البالغة من العمر 59 عامًا، تطلب إخراجها إلى بر الأمان تبرعًا بقيمة 10 آلاف دولار لتغطية تكاليف النقل، وبرنامجًا متطورًا لمراقبة تحركاتها وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر، ومشاركة مباشرة من كبار المسؤولين الأميركيين الذين ساعدوا في تأمين إجلائها من غزة.
وكان إجلاء المواطنين الأميركيين من غزة قضية خلافية منذ بدء الحرب بعد أن شن مسلحو حماس هجومًا منسقًا في إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
وقد اشتكى الأميركيون الفلسطينيون وعائلاتهم منذ ذلك الحين من أن الولايات المتحدة لم تبذل ما يكفي من الجهد لضمان خروج المواطنين الأميركيين من غزة بأمان، حيث رفع البعض دعوى قضائية ضد إدارة بايدن في ديسمبر.
وقالت ماريا كاري، المحامية التي تمثل بعض تلك العائلات ولكنها لم تشارك في إجلاء أحلام فروانة، إن الوضع أصبح أكثر خطورة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وفي أغسطس، أعلنت وزارة الخارجية أنها ستوقف تأشيرات الزيارة للأشخاص القادمين من غزة.
ولكن كيف حصلت عملية الإجلاء الاستثنائية؟
وفقا للصحيفة الأميركية فقد تدخلت إدارة ترامب لإخراج والدة بحار أميركي "مارينز" من القطاع المحاصر الذي مزقته الحرب بفضل تعاون استثنائي بين واشنطن وتل أبيب.
وأُجليت السيدة الفلسطينية فروانة سرًا من غزة في الأسابيع الأخيرة، بعد تدخل من إدارة ترامب، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر ومراسلات اطلعت عليها صحيفة واشنطن بوست.
ماذا نعرف عن يونس الفروانة؟
انضم ابن أحلام، يونس فروانة، البالغ من العمر 32 عامًا، إلى الجيش الأميركي عام 2023 سعيًا للحصول على الجنسية الأميركية، وفق الصحيفة. وبعد بدء حرب غزة في أكتوبر من ذلك العام، واجهت والدته وإخوته الستة خطرًا كبيرا كسائر سكان قطاع غزة.
وفي عام 2024، دُمر منزل العائلة المكون من سبعة طوابق جراء القصف، وأصبح الطعام والدواء نادرين.
حصل يونس فروانة على الجنسية الأميركية في فبراير 2024، يوم تخرجه من معسكر تدريب البحرية.
ويعمل يونس المقيم في كاليفورنيا وهو مسعف في المارينز، منذ أوائل عام 2024 لتنسيق مغادرة والدته عبر الأردن. وقال إنه تقدم بطلب لتسريع إجراءات إخوته أيضًا، لكنه تلقى الرفض في جميع الحالات باستثناء والدته. حصل على موافقة من مسؤولي الهجرة الأميركيين لدخولها الولايات المتحدة، لكنه لم يجد من يرافقها خارج غزة أو يساعدها في تجديد جواز سفرها منتهي الصلاحية. وقال إن المسؤولين الأميركيين أخبروه أن أيديهم مقيدة.
إلا أنه في أوائل سبتمبر، تواصل مع جمعية العمليات الخاصة الأميركية، وهي منظمة للمحاربين القدامى دعمت الإجلاء القانوني لنحو 1100 شخص من غزة منذ بدء الحرب، بمن فيهم والدته.
شكّل أليكس بليتساس، عضو جمعية المحاربين القدامى وزميل بارز في المجلس الأطلسي، فريقًا لمساعدة عائلة فروانة. وكان من بينهم ستيف غابافيتش، العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي الذي خدم في القدس من عام 2001 إلى عام 2004 رئيسًا لهيئة أركان منسق الأمن الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
استعان بليتساس أيضًا بمورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، وهي جندية احتياط في المارينز، التي ربطت الفريق بكبار المسؤولين في السفارة الأميركية في العاصمة الأردنية. وأبلغ عضو آخر في المجموعة مجلس الأمن القومي بالتخطيط، وفقًا لرسائل اطلعت عليها صحيفة واشنطن بوست.
ولم يستجب المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية لطلبات التعليق.
عزا مسؤول أميركي، تحدث، كغيره، شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة إجلاء أحلام فروانة، هذا الإجلاء الناجح إلى الدبلوماسيين الأميركيين في عمان.
ونقلت "واشنطن بوست" عنه قوله: "بذل فريق السفارة في الأردن قصارى جهده لمساعدة والدة أحد أفراد الخدمة الأميركية على الخروج بسلام من غزة".
كيف كان التنسيق على الأرض؟
قال غابافيتش إنه استغل علاقاته السابقة، بما في ذلك اتصالاته داخل الجيش الإسرائيلي وجهازي الأمن والاستخبارات الإسرائيليين، الشاباك والموساد، لضمان موافقة أحلام فروانة على مغادرة غزة.
صرح غابافيتش للصحيفة أن المحادثات مع الإسرائيليين ركزت جزئيًا على ضمان "عدم استهداف موقعها"، وسعوا إلى "تأمين منطقة عازلة أمنية حولها" حتى لا يتعرض فريق الإنقاذ لضربة عسكرية عن غير قصد.
وفي السفارة الأردنية في واشنطن، عجّل المسؤولون الموافقة على دخول أحلام فروانة إلى الأردن. وصرحت السفيرة، دينا قعوار، في بيان لها بأن حكومتها "سعيدة بالمساعدة في تسهيل" خروج فروانة من غزة، وأن هذه البادرة يجب أن تُعتبر جزءًا من "الجهود الإنسانية الأردنية المستمرة والأوسع نطاقًا، وليست استثناءً".
وقال بن كلاي، وهو جندي مخضرم في العمليات الخاصة بالجيش الأميركي وقاد عملية الإنقاذ، إنه استخدم تطبيقًا طوّره لتحديد أكثر طرق النقل أمانًا. وعندما تم التخلي عن الخطة الأصلية لمرافقة إسرائيلية بسبب تأخير في الإجراءات الورقية، تبرعت مجموعة المحاربين القدامى بمبلغ 10 آلاف دولار لاستئجار وسائل نقل برية لنقل فروانة بشكل آمن من مبناها في مدينة غزة إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي في الزاوية الجنوبية الشرقية من القطاع، وفقًا للرسائل التي استعرضتها صحيفة "واشنطن بوست".
في منتصف سبتمبر، أمرت إسرائيل جميع سكان مدينة غزة بالإخلاء وسط هجوم مكثف. ومع تفاقم الأوضاع، اضطرت السلطات إلى إلغاء خطة النقل المستأجرة. وبدلاً من ذلك، عثر أحد أبناء فروانة على سيارة وبدأ بتوصيل والدته نحو البوابة.
لم يقطعوا مسافة طويلة، إذ كانت الطرقات مكتظة بالناس الذين يحاولون الفرار. بمساعدة ابنتها، أكملت فروانة آخر تسعة أميال سيرًا على الأقدام، محميةً من الأعلى بوسائل المراقبة وتوقف الغارات الجوية.
استغرقت الرحلة 19 ساعة، في 17 سبتمبر، أرسل بليتساس رسالة احتفالية من كلمتين إلى مجموعة صغيرة من المتعاونين: "لقد خرجت!".
تساؤلات عن مصير العالقين في غزة
رحبت كاري، المحامية التي تمثل العائلات الأميركية الفلسطينية، بخبر إطلاق سراح فروانة.
لكنها قالت إن القضية أثارت تساؤلات حول آخرين ما زالوا عالقين، بمن فيهم موكلتها سلسبيل الحلو، وهي مواطنة أميركية تسعى لإجلاء أطفالها الثلاثة غير الأميركيين.
وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني التي نُشرت مع صحيفة "واشنطن بوست" أن السفارة الأميركية في القدس استشهدت بـ"الأمن القومي الأميركي" ومخاوف بشأن التأشيرات كأسبابٍ لعدم المساعدة في إجلاء أطفال الحلو.
وقالت كاري إن الحكومة الأميركية أبدت احترامها لعائلات العسكريين، لكنها أوضحت "بوضوحٍ تام أنها، بشكل عام، لا تهتم بحياة الفلسطينيين، حتى لو كانوا أميركيين فلسطينيين".
في الوقت الحالي، لا تزال أحلام فروانة في الأردن، بانتظار الموافقة على التأشيرة. ويقول ابنها إنه حريص على مساعدة بقية أفراد عائلته على مغادرة غزة، لكن عليه انتظار إجراءات طلب التأشيرة البطيئة.
وتساءل ابنها لماذا تطلب رحيل والدته هذا التدخل الاستثنائي، في حين أن الولايات المتحدة قد وضعت، في السنوات السابقة، سياسة لدعم إعادة التوطين الإنساني من مناطق الحرب، بما في ذلك أوكرانيا وأفغانستان، وأضاف: "على الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من ذلك".