مَن يضحّي بمَن؟.. "جابر" الجزائري يفر من الغلاء

من الصدفة، أن تبدأ بلينكس رصد أسعار الأغنام في الجزائر عشية عيد الأضحى مع "جابر" و"العيد"، الأول لم يجد ما يُجبر خاطره وخاطر طفليه غيث وإبراهيم، و"العيد خرج سعيدا من السوق".

البداية كانت من سوق تيبازة القريبة من العاصمة الجزائرية، التقت بلينكس جابر، 38 عاماً، مع طفليه وصديقه سليم، عبّر عن امتعاضه من الأسعار بسخرية، خصوصاً عندما يسأل في كل مرة عن سعر خروف، لم يسمع أقل من 10 آلاف دينار، وربما ما جعله يعبر عن غضبه من إلحاح طفليه على شراء أضحية العيد على غرار أصدقائهم.

جابر رد على ذلك بالقول: "الموّالون (بائعو الماشية) ضحوا بها هذا العام"، ثم يتساءل: "هل لهؤلاء عائلات وأبناء؟" قبل أن يقرر الخروج من السوق ساحباً معه طفليه ومعهما مشاعر الخيبة، وهو يبلغ سليم بأن "الله أدرى بالحال".

في السوق ذاتها، لم يكلف مراسل بلينكس نفسه عناء طرح الأسئلة عندما اقتربت من نقاش "حامي الوطيس" بين مواطن وأحد الباعة، وكان السبب في ذلك أن البائع برر سبب ارتفاع أسعاره إلى أنه "تعب في تربية تلك الغنم وكلفته الكثير من العلف".

غير أن المواطن رد عليه بأنه "رب عائلة وتعب أكثر منه على تربية أبنائه وأن عمله ليلي ويتطلب المبيت في العراء"، ثم تدخل آخر ليسأله عن "أي جرأة يملكها ليبيع خرفاناً صغيرة بـ10 آلاف دينار.. هل أنت صادق مع الله وليس مع البشر؟" ويختمها بـ"حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم".

ذلك النقاش الحاد جذب المزيد من الفضوليين الذين أجمعوا على أن الموّالين "يتحملون بالدرجة الأولى مسؤولية الارتفاع القياسي لأسعار الأضاحي"، مؤكدين أن "السلطات قدمت لهم دعماً للأعلاف التي كانت في الأعوام الماضية مبررا لرفع الأسعار".

اقتربت بلينكس حينها من أحد المتفرجين على ذلك النقاش، كان الوحيد الهادئ والصامت بينهم، وسألته عن رأيه في الأسعار، تبين أن ذلك الهدوء لم يكن إلا مؤقتا، إذ رد نذير بالقول: "للأسف العيد الذي كان نعمة علينا تحول إلى نقمة، كيف يُعقل أن أسأل عن سعر خروف يجيبني البائع: ليس لديه سعر محدد، اعرض سعرك".

ويتابع قائلا: "الخروف يباع بالميزان، لكن هؤلاء ابتدعوا حيلة تجارية خبيثة لبيع الأضاحي بأسعار مرتفعة، وصل بهم الأمر إلى عرض خرفان ذات قرون طويلة بأسعار خيالية، هل نأكل القرون أم اللحم؟"، قبل أن يطالب من حكومة بلاده التدخل لما وصفه "لجم مصاصي دماء الجزائريين".

وسط كل ذلك، تداول جزائريون عبر منصات التواصل فيديوهات لموالين يبيعون الخرفان بـ 1600 دينار للكيلوغرام بمحافظة عنابة شرقي الجزائر، مطالبين بتعميم الفكرة على جميع الأسواق.

ومنذ عدة أسابيع، قاد رواد مواقع التواصل حملات لمقاطعة باعة الأضاحي إلى "غاية إجبارهم على خفض الأسعار"، فيما طالب آخرون بـ"إغراق الأسواق بالأغنام المستوردة"، معتبرين أن ذلك هو "الحل الوحيد لإجبار الباعة على خفض أسعارهم".

وفي محاولة للبحث عن حالة مناقضة، تنقلت بلينكس إلى "نقطة حكومية لبيع المواشي" بمنطقة "بئر توتة" في العاصمة، حيث هناك أعداد خيالية من المتوافدين على السوق والدخول إليها يشكل بحد ذاته مجازفة.

وفي انتظار فرصة الدخول، خرج شخص وعلامات السعادة بادية على وجهه، استوقفته بلينكس لتسأله عن "حال الأسعار"، فأجاب بشكل عفوي: "اسمي العيد وهذا خروف العيد"، حتى إن ذلك الخروف لم يكن يظهر من شدة الأعداد الكبيرة للجزائريين بالسوق.

ويضيف العيد "لقد اقتنصت هذا الخروف بسعر 60 ألف دينار، أي ما يعادل نحو 445 دولارا، قضيت الليلة هنا بجانب السوق لأجد فرصة الدخول، الحمد لله الأسعار في المتناول، والخرفان المعروضة تكفي لعائلة كبيرة".

لجأت الجزائر منذ شهر مايو لاستيراد 100 ألف رأس من الأغنام الرومانية الموجهة للاستهلاك المحلي وليس لعيد الأضحى، في المقابل قررت فتح "نقاط بيع الأضاحي" في بعض المدن الكبرى على غرار العاصمة، مع تسقيف للأسعار لا يتجاوز 60 ألف دينار للخروف.

ومن بين الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الجزائر لخفض أسعار الأضاحي:

• منح أكثر من 98 ألفا من مربي الماشية أكثر من 1.44 مليون قنطار شعير.
• استيراد اللحوم الطازجة لدفع بائعي اللحوم على العزوف عن شراء المواشي المحلية للمساهمة في تراجع الأسعار.