حرائق مفتعلة وتصحر.. معالم جبل ليبيا الأخضر تختفي

رجح بعض الخبراء أن إعصار دانيال الذي ضرب سواحل مدن ومناطق الشرق الليبي يعد أبرز مؤشرات التغيرات المناخية التي تهدد بعض الدول في العالم، وبدوره قضى على الكثير من الأشجار والشجيرات والنباتات وسبب جرف كبير في الطبقة السطحية للتربة في مناطق السيول والفيضانات، وأدى ذلك إلى عملية انجراف كبيرة للعناصر الغذائية والبيولوجية الموجودة في التربة.

كانت مناطق الجبل الأخضر الممتدة من سهول المرج غربا وحتى مدينة درنة شرقا تزخر بالتنوع الكبير في الغطاء النباتي، بالإضافة إلى عدد كبير من أشجار الفاكهة والزيتون والحمضيات واللوزيات والكروم والحبوب والأعشاب الطبية كالزعتر الشعرة والزراعة الموسمية وغيرها من المزروعات التي كانت مصدر دخل هام لسكان الجبل الأخضر.

بالإضافة إلى عدد محدود من غابات أخرى تأتي في الغرب، تحديدا في ضواحي مدينة الخمس ومدينة طرابلس، منها غابة جودائم التي تعرضت هي الأخرى للكثير من الإهمال، ولكن يبدو أن طبيعة الصحراء تريد التغلب على ما تبقى من غطاء أخضر في هذه المناطق في تحد حقيقي لجغرافيا البلاد.

قال الأكاديمي الليبي الدكتور صالح بوغرسه المتخصص في فزيولوجيا بيئة المحاصيل إنه إذا أخذنا الجبل الأخضر باعتباره منطقة استثنائية بما تحتويه من تنوع في الغطاء النباتي والحيواني "تنوع حيوي" فهي تشكل نحو 1% من مساحة ليبيا.

وأضاف "تعتبر هذه المنطقة ذات طابع نباتي طبيعي تشكل أشجار العرعار الفينيقي النسبة العظمى من هذا الغطاء، ومن ثم أشجار الخروب والبطوم، إضافة إلى العدد الكبير من النباتات الطبية والعطرية مثل نبات الإكليل والزعتر والشيح وتفاح الشاي والزريقا وغيرها".

وأكد الأكاديمي الليبي أن الغطاء النباتي بالجبل الأخضر يتعرض إلى تدهور كبير ينذر بتراجع في مكوناته وتركيبه النباتي الأمر الذي يهدد وجود واستمرار بعض هذه النباتات ويعود ذلك لأسباب عدة، أبرزها التأثير السلبي للإنسان من خلال القطع والاحتطاب والتجريف للتربة، ووصل هذا الاعتداء إلى بطون الأودية باستخدام العمالة الوافدة في قطع أشجار الغابات واستخدامها في صناعة الفحم، وفق شرحه.

واعتبر بوغرسه أن الرعي الجائر والتوسع العمراني وإقامة المزارع المروية والزراعة البعلية الهامشية في أراضي الغطاء النباتي الطبيعي، وحرائق الغابات والتي غالبا ما تكون مفتعلة، بالإضافة إلى إصابة بعض الأشجار وخاصة العرعار بالأمراض الفطرية، هي أسباب إضافية تعرّض المنطقة لتدهور بيئي.

أشار بوغرسه إلى أنه بحسب الدراسات فإن إجمالي مساحة الغابات بالجبل الأخضر بما فيها من أشجار وشجيرات وأعشاب والتي يمكن اعتبارها منطقة خضراء "لا تتجاوز 299 ألفا و333 هكتارا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه المساحة إلى عشرات الآلاف من الهكتارات" في حال وقوف السلطات المعنية مكتوفة اليدين.

وللحد من هذه الظاهرة في الجبل الأخضر شدد الأكاديمي الليبي على ضرورة تفعيل القوانين بحماية الغطاء النباتي من الاعتداء وتفعيل مأموري الضبط القضائي وخاصة الشرطة الزراعية وضبط المخالفين وتقديمهم للعدالة، وإقامة المحميات الطبيعية، وزراعة الأراضي الواقعة جنوب الجبل الأخضر، للحد من زحف الرمال وتثبيت التربة، واستخدام Drones في بذر المواقع الخالية من الغطاء النباتي.

وأوصى بضرورة تفعيل الاتفاقيات الدولية لحماية وصون الطبيعة ومكافحة التصحّر من خلال الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة وإقامة السدود لحجز المياه، وذلك لتقليل انجراف التربة والاستفادة من المياه في عمليات الري وشرب الحيوانات.

واعتبر بوغرسه أن إعصار دانيال من الكوارث الطبيعية ولاشك أنه قد تسبب في جرف أطنان من التربة والأنواع النباتية وخاصة في الوديان، وللتغيرات المناخية تأثير على الغطاء النباتي وخاصة تكرار فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

بحسب المهندس عيسى الغزالي المسؤول بإدارة حماية الأراضي الزراعية بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية بالحكومة الليبية، فإن الأراضي الزراعية في ليبيا تعاني من عدة مشاكل أبرزها يتمثل في التعديات على المناطق العامة الخضراء من قبل المواطنين بحجة ملكية هذه الأراضي.

كما أن هناك إهمالا متعمدا من قبل بعض المواطنين الذين يقومون بإشعال النيران في الغابات بقصد وبدون قصد، ومن ثم يصعب تدارك كميات الحريق الكبير التي تندلع في الغابات الكبيرة مع غياب الإمكانيات لاخمادها.

وأضاف الغزالي أن معدلات البناء العشوائي سبب كبير في التعدي على مسح الغابات، ورجح سبب ذلك بعد ارتفاع معدلات العائلات النازحة التي خسرت منازلها في الحروب التي مرت بها ليبيا.

وأكد أن هناك جميعات معدودة منها جمعية أصدقاء الشجرة زرعت 10 آلف شجرة من الصنوبر الحلبي في محاولة لمكافحة التصحّر الذي تمر به منطقة الجبل الأخضر.

ولفت الغزالي إلى أن الوزارة شكلت لجان لمتابعة كل التجاوزات وحصرها ودراستها، وأخذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين.