يورو 2024.. بطولة الإثارة والجدل السياسي الكبير

يُمكن اعتبار أن قائد منتخب فرنسا كيليان مبابي هو أول من فتح الباب للحديث عن الأمور السياسية على نطاق واسع في منافسات كأس أمم أوروبا هذا العام، بعد أن تفاعل مع الانتخابات في بلاده، ومطالبته المستمرة بضرورة التصويت ضد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.

ومع انطلاقة الانتخابات خلال الأسبوع الماضي واقتراب حكومة من أقصى اليمين من تولي زمام الأمور للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، حذّر مبابي من "كارثة مرتقبة في فرنسا".

وقال مبابي إن "الناس بحاجة للخروج للتصويت الآن أكثر من أي وقت مضى، لأنه وضع خطير، ونحن لن ندع بلدنا يسقط في أيدي هؤلاء الأشخاص".

تصريحات مبابي أثارت المخاوف لدى عدد من عشاق منتخب فرنسا بشأن إمكانية تأثره داخل الملعب، لكن مدرب "الديوك" ديديه ديشامب طمأن الجميع ورفض تماما التدخل لمنع كيليان من الحديث في أي مجال لأنه "مواطن فرنسي في المقام الأول"، على العكس تماما من الوضع في المعسكر الإنكليزي.

على الرغم من قيام انتخابات مثيرة أعادت حزب العمال البريطاني إلى الواجهة، وكبدّت حزب المحافظين هزائم تاريخية، فإن منتخب إنكلترا ومدربه غاريث ساوثغيت كانا أكثر حرصا على عدم توغل جدلها إلى معسكر الأسود الثلاثة.

وأقرّ المدافع جون ستونز بجهد مدربه من أجل محاصرة السياسة وعدم دخولها إلى غرفة الملابس، وذلك من أجل الاستمرار في البطولة بأعلى درجات التركيز.

وأعلن جون ستونز أن "معسكر إنكلترا منطقة خالية من السياسة"، تزامنا مع الانتخابات العامة في بريطانيا.

وعلى عكس الوضع تماما بين لاعبي إنكلترا، سيطرت حالة كبيرة من المشاحنات بين الجماهير الإنكليزية على نطاق واسع، ودخلت في مشاجرات عنيفة مع أنصار منتخب صربيا، صاحب النصيب الأكبر من الشغب الجماهيري في البطولة حتى اللحظة.

رغم التحسب الألماني، لم تخلُ المدرجات ومناطق المشجعين من جدل السياسة، وكانت صربيا الأكثر استهدافا، ما دفعها إلى التهديد بالانسحاب من البطولة.

واعترض الاتحاد الصربي لكرة القدم بشكل رسمي على الهتافات "العنصرية" ضد بلاده من طرف جماهير ألبانيا وكرواتيا، خلال مباراة جمعت بين الأخيرين وانتهت بالتعادل 1-1 في دور المجموعات.

ويتعلق الأمر بعبارة "اقتلوا الصرب" المثيرة للجدل والتي رددها الجمهور الألباني والكرواتي، وامتد الأمر لدرجة أن مراسلا صحافيا في تلفزيون كوسوفو أشار بعلامة "النسر الألباني" تجاه جماهير صربيا، ليزيد النار اشتعالا.

ويعود جذور العداء بين كرواتيا وألبانيا من ناحية، وصربيا من جهة أخرى إلى تفكك دولة يوغوسلافيا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وبدا أن خروج الثلاثي مبكرا من مرحلة المجموعات أراح اليويفا، قبل أن تطفو أزمة جديدة وقوية على السطح، بطلها لاعب تركيا ميريح ديميرال.

سجل ديميرال (26 عاما) هدفين في الفوز 2-1 على النمسا، وقاد منتخب بلاده إلى ربع النهائي، لكنه لم يكن يعرف ما ينتظره بعد احتفال مثير للجدل، بإشارة "تحية الذئب" بأصابعه.

وترتبط هذه الإشارة بتنظيم "الذئاب الرمادية"، وهو الذراع الشبابي القومي المتطرف لحزب الحركة القومية التركي، ليدفع اليويفا نحو توقيع عقوبة ضده بالإيقاف مباراتين، ويتأكد غيابه عن مواجهة فريقه المرتقبة ضد هولندا، السبت، في دور الثمانية.

وقال اليويفا إنه عاقب ديميرال بسبب "عدم امتثاله للقواعد العامة للتصرف، ومخالفة القواعد الأساسية لحسن التصرف، واستغلال أحداث رياضية للقيام بإشارات ذات طبيعة غير رياضية والإساءة إلى صورة رياضة كرة القدم".

لكن الحكومة التركية لم تقف مكتوفة الأيدي، وقررت الدفاع عن احتفال اللاعب باعتباره "تعبيرا عاديا عن الفخر الوطني".

وقال نائب الرئيس التركي جودت يلماز يوم الجمعة إن قرار اليويفا بإيقاف اللاعب "أمر غير مقبول وينبغي العدول عنه"، وكتب عبر حسابه بمنصة "إكس" أنه "لا ينبغي أن تطغى القرارات السياسية على جمال وإثارة كرة القدم".

ومن جهة أخرى، ذكرت قناة (سي إن إن ترك) وعدد من وسائل الإعلام التركية، الجمعة، أن الرئيس التركي طيب أردوغان قرر حضور مباراة منتخب بلاده أمام هولندا في برلين، على الرغم من الخلاف الدائر بسبب اللاعب ديميرال.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن أردوغان قوله على متن رحلة جوية من كازاخستان "هل يتساءل أحد عن سبب وجود نسر على قميص منتخب ألمانيا؟ أو ديك على قميص منتخب فرنسا؟ لقد عبّر ميريه (ديميرال) عن إثارته بتلك الحركة".

ظهرت بعض اللافتات التي حملت دلالات سياسية في مدرجات ملاعب البطولة المختلفة، ليقرر الاتحاد الأوروبي للعبة التحرك لوضع حدود لتلك التصرفات الجماهيرية، لكن الاتحادات الوطنية لكرة القدم كانت دائما الضحية.

وفرض اليويفا إجمالا، غرامات بلغ مجموعها أكثر من 1.2 مليون يورو (1.3 مليون دولار) خلال مرحلة المجموعات من البطولة، بعضها يتعلق بنقل "رسائل غير مناسبة لحدث رياضي" في إشارة للافتات السياسية التي ظهرت على مدرجات عدد من المنتخبات المشاركة في البطولة، بخلاف اقتحام الملاعب ومؤشر الليزر والألعاب النارية وغيرها.