هل تقتل "الروزنامة المتضخمة" كرة القدم؟

من منظور لاعب كرة القدم، يكمن الخطر الأول من زيادة وضغط المباريات في ارتفاع عدد الإصابات.

ويدرك اللاعبون أن الأمر لا يتعلق فقط بالإرهاق الناتج عن خوض المباريات، بل هناك عوامل أخرى تزيد من معاناتهم، مثل اضطرابات النوم الناتجة عن الضغط النفسي المرتبط بالنتائج، إضافة إلى تغيير مكان النوم المعتاد بسبب الترحال المستمر لأداء المباريات.

وفي هذا السياق، نشر موقع (premierinjuries) المهتم بإصابات كرة القدم الإنكليزية إحصائية مثيرة حول ارتفاع عدد الإصابات بعد بداية موجة زيادة المباريات في البطولات المهمة، التي يمكن تأريخها إلى يورو 2016، عندما تم زيادة عدد المنتخبات من 16 إلى 24 منتخبًا.

لاحقًا، شهدت الروزنامة ربكة غير مسبوقة بسبب فيروس كورونا في عام 2020 وتأجيل عدد من المسابقات، مما أدى إلى جدولة جديدة أحدثت ضغطًا شديدًا وحالة تداخل بين المواسم.

وفي تقرير الموقع الإنكليزي عن حصاد الإصابات في موسم 2022-2023، تم تسجيل رقم قياسي للإصابات في الدوري الإنكليزي الممتاز بلغ 590 إصابة، مع إجمالي غيابات لأصحابها عن 2503 مباريات.

وفي تقرير الموسم التالي (2023-2024)، حطم الدوري الإنكليزي هذا الرقم، مسجلًا 655 إصابة، ما أحدث غيابات عن 3052 مباراة، بزيادة إصابات بلغت 11% وزيادة في الغياب عن المباريات بنسبة 21.93%.

لا يتوقف خطر "زيادة عدد المباريات" عند حرمان الأندية من لاعبيها بسبب الإصابات الحتمية، بل يمتد ليؤثر على خزائن الأندية بشكل مباشر.

فعلى سبيل المثال، صرفت أندية الدوري الإنكليزي الممتاز في الموسم الماضي 260 مليون جنيه إسترليني على اللاعبين المصابين.

وكان لاعب مانشستر سيتي كيفين دي بروين صاحب أغلى إصابة، إذ كلف خزينة ناديه نحو 8 ملايين إسترليني كرواتب خلال فترة غيابه. كما بلغت تكاليف الإصابات التي تكبدها مانشستر سيتي إجمالاً 40 مليون إسترليني، وفقًا لموقع (premierinjuries).

وفي السياق ذاته، أورد موقع (Howden) المختص في التأمين إحصائية لافتة، حيث أكد أن خسائر الدوريات الخمس الكبرى بسبب الإصابات ارتفعت بنسبة 30% في عام 2023، لتصل إلى 704 ملايين يورو، مقارنة بـ553 مليون يورو في عام 2022، وهي النسبة الأعلى منذ جائحة كورونا.

في سياق احتجاج "فيفبرو" على التوسع المستمر في البطولات على حساب صحة اللاعبين، ظل يحذر من تراجع مستوى وجاذبية كرة القدم كنتيجة إضافية بجانب الإصابات.

عقب كأس العالم 2002 في كوريا واليابان، وجدت دراسة إحصائية، نشرت نتائجها المجلة الطبية الرياضية الألمانية، أن 32% من اللاعبين الذين ظهروا خلال ذلك المونديال بمستوى أقل من المتوقع، كانوا عرضة لخوض مباريات أكثر من زملائهم.

وعندما تلقى مدرب الأرجنتين ليونيل سكالوني انتقادات بشأن الأداء الباهت لفريقه في أولى مباريات كوبا أميركا الأخيرة، رد قائلاً: "إذا كانوا مرهقين، فالعرض لن يكون أفضل من هذا"، مطالبًا "فيفبرو" بالتحرك.

وفي يونيو الماضي، أشار لاعب مانشستر يونايتد الإنكليزي كاسيميرو بوضوح إلى تراجع الجودة نتيجة لزيادة المباريات، مؤكدًا: "مباريات أكثر تعني إرهاقًا أكثر، وجودة أقل، وغياب الإثارة".

أجرى "فيفبرو" مقارنة مثيرة لنجوم الوقت الراهن بأسلافهم في أوقات سابقة لعبوا في نفس مراكزهم بالمنتخبات، لبيان مظاهر تضخم المباريات.

على سبيل المثال، وقبل وصول الفرنسي كيليان مبابي لسن الـ 25 عاما، خاض 417 مباراة بإجمالي دقائق لعب (31.694 دقيقة)، فيما خاض مواطنه تييري هنري في الحقبة العمرية نفسها (350 مباراة، بإجمالي دقائق لعب (22.903 دقيقة).

أما الإسباني بيدري لاعب برشلونة، فخاض قبل بلوغ سن الـ21 ما مجموعه 169 مباراة، بإجمالي دقائق لعب (12.525 دقيقة)، فيما خاض مواطنه وزميله السابق في برشلونة سيرجيو بوسكيتس في نفس الفترة العمرية 48 مباراة، بإجمالي دقائق لعب (3.258 دقيقة).

ومن جهته، خاض البرازيلي فينيسيوس جونيور قبل بلوغه سن الـ 24 ما مجموعه 369 مباراة، بإجمالي دقائق لعب (23.936 دقيقة)، مقارنة مع 214 مباراة لمواطنه ريكاردو كاكا في نفس المدة العمرية، بإجمالي دقائق لعب (16.213 دقيقة).

قد يبدو من غير المنطقي الجزم حاليًا بمعاناة كرة القدم على مستوى شعبيتها، إذ لا تزال تتصدر قائمة الرياضات الأكثر شعبية عالميًا، ولكن هناك بعض المؤشرات التي قد تثير القلق بمفهوم صناعة كرة القدم.

الدراسات تحذر باستمرار من قلة صبر جيل الألفية على السلاسل الطويلة لمباريات كرة القدم والرياضة بشكل عام. في هذا السياق، نشرت شركة (Ender Analysis) الاستشارية تقريرًا في بداية هذا العام حول شعبية الرياضة، حيث وجدت أن نسبة المشاهدة لمن هم تحت سن 35 عامًا انخفضت 25% منذ عام 2015.

وفي كرة القدم، يتجلى هذا التراجع في شهية شركات البث التلفزيوني لشراء حقوق البطولات. فعلى سبيل المثال، وجد الدوري الفرنسي (الليغ 1) نفسه في ورطة هذا الصيف بسبب عدم تقدم أي جهة للحصول على حقوق بثه.

وعلى الرغم من تحديد الدوري الفرنسي مبلغ مليار يورو لبيع حقوق بثه لمدة 4 مواسم، فإن أكبر عرض وصله كان من شبكة (دازن) بقيمة 400 مليون يورو، بالإضافة إلى 100 مليون يورو أخرى من (بي إن سبورتس)، وهو نصف المبلغ المطلوب، مما اضطره إلى القبول به.

بدوره، باع الدوري الإيطالي (الكالتشيو) حقوق بثه مقابل 900 مليون يورو، بتراجع بلغ 3% عن العقد السابق.

كما أشار مؤشر ديلويت لاقتصاد كرة القدم إلى تراجع عوائد الدوريات الأربع الكبرى (البريمييرليغ، والليغا، والبوندسليغا، والكالتشيو) من البث التلفزيوني من 9.2 مليار يورو في موسم 2022-2023 إلى 8.9 مليار يورو هذا الموسم.