صيدليات تونس الخاوية تخذل زهرة وزوجها

جلال ليس إلا مثالاً عن ملايين التونسيين من المصابين بأمراض القلب والسرطان والسكري، الذين يلهثون منذ أكثر من عقد لتوفير العقاقير التي يصفها لهم الأطباء بعد اختفاء ما لا يقل عن 900 نوع من الأدوية من السوق التونسية، سواء بالصيدليات الخاصة أو بمراكز الصحة والمستشفيات الأساسية.

وحول أسباب هذه الأزمة التي ازدادت سوءاً منذ سنة 2016، يوضح المجلس الوطني للصيادلة في تونس، أنها تعود للديون المتراكمة على الصيدلية المركزية المملوكة للدولة، تجاه شركات الأدوية الأجنبية، والتي تقدر بحوالي 250 مليون دولار تقريباً، مع الإشارة إلى أنها الجهة الوحيدة التي تملك صلاحيات توريد الأدوية حصراً.

أما عن التصنيع المحلي فإن الشركات التونسية تغطي أقل من 60 بالمائة فقط من احتياجات البلاد، كما أنها لا تصنّع عدداً من الأدوية الأساسية، وتكتفي ببعض البدائل والمواد شبه الطبية دون سواها.

وإذا علمنا أن تونس تدعم الدواء بنسب متفاوتة من ميزانية للدولة منذ السبعينات، فإنه من المنطقي أن يتأثر هذا القطاع الحسّاس كغيره بالصعوبات المالية التي تعيشها البلاد، والتي دفعت بها إلى التقليص من توريد عدة مواد أساسية كالحبوب والأغذية والأدوية بعد تراجع احتياطي النقد الأجنبي بخزينة الدولة، وفقا للبنك المركزي.

بعد تفاقم ظاهرة تبخّر الأدوية اضطرت مجموعة من المرضى وعائلاتهم إلى الانضمام إلى مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي، ومنها موقع فيسبوك، بغرض مساعدة بعضهم على توفير الدواء وطلبه من أقاربهم وأصدقائهم المقيمين في أوروبا.

وتضم مجموعة "وينو الدواء" 6 آلاف تونسي ينشرون باستمرار تدوينات تتضمن نداءات لتوفير علاج السرطان أو الصرع وحتى بعض أنواع مخفضات الحرارة للأطفال التي اختفت هي الأخرى خلال الأشهر الماضية.

ليلى، أحد أفراد هذه المجموعة، تقول إنها بعد معاناة طويلة لتوفير دواء ابنتها المصابة بالتوحد، فكّرت في مشاركة رحلتها المضنية مع أولياء آخرين، فاكتشفت أن أعدادهم بالآلاف، وربما أكثر مما يؤكد أن السلطات التونسية لا تملك أي استراتيجية استشرافية لإنقاذ حياة مواطنيها، خاصةً أن أغلب الأدوية المفقودة ذات ضرورة حياتية.

قبل سنة تقريباً، في ديسمبر 2022، وأثناء زيارته لأحد الشركات المصنعة للأدوية أكد الرئيس التونسي أن "الازمة وجدت طريقها إلى الحل"، مضيفاً أن تونس لا ينقصها شيء لتلبية حاجياتها من الأدوية، وأنه يجب توفير مخزون استراتيجي تحسباً لكل الحالات الطارئة".

تعليقاً على هذا التصريح، تؤكد زهرة أنها سئمت الوعود الزائفة وأن حياة زوجها جلال، مازالت مهددة، فإذا لا يتناول حبة تنظيم دقات القلب في موعدها، فإنه معرّض للإصابة بجلطة.

وتضيف أنها فرحت بما أعلنت عنه السلطات التونسية خلال العام الماضي حول إيجاد حلول بديلة عن توريد الأدوية، لكن آلام زوجها تتزايد ولا من مجيب.