"سقارة".. سر مدينة فرعونية عمرها 3400 سنة

يقول الدكتور محمد يوسف إن طول منطقة آثار سقارة يبلغ نحو 15 كيلومتراً وعرضها 3 كيلومترات، وبالتالي فهي ليست منطقة متسعة، ولكن المميز بها هو طول الفترة الزمنية التي استخدمت فيها المنطقة للدفن، ما أدى إلى تراكم طبقات من العصور التاريخية فوق بعضها، فهناك عصور دولة قديمة فوقها عصور دولة حديثة، وبعدها تأتي العصور المتأخرة.

ويُضيف أن هناك جبّانات، أي أماكن للدفن، مرتبطة بالأهرامات في هذه المنطقة التي كانت تُستغل لدفن كبار الموظفين والأمراء وأفراد العائلة المالكة.

ومع استمرار الدفن في الأماكن نفسها، وحول الأهرامات لفترات زمنية طويلة، أصبحت الاكتشافات في هذه المنطقة لا تتوقف، وتحتاج لفترات زمنية طويلة حتى تبوح بكامل أسرارها، بحسب الدكتور يوسف، وهو ما يفسر تكرار الاكتشافات الكبرى في هذه المنطقة بالتحديد.

اكتشفت عام 2018 مقبرة "واح تي" وهو كاهن التطهير الملكي من عصر الأسرة الخامسة في الفترة التي ترجع إلى عام 2350 قبل الميلاد.

وتعتبر هذه المقبرة من أشهر المقابر الصخرية في مصر، في عصر الدولة القديمة، وهي مقبرة فريدة تمتد داخل الصخور لعدة أمتار، وزينت جدرانها بنقوش ملوّنة، بحسب الدكتور يوسف.

وأعلنت وزارة السياحة والآثار في حينها، عن العثور داخل المقبرة على 18 نيشة (فتحة صغيرة غير ممتدة في الجدار) تضم 24 تمثالاً كبيراً منحوتاً في الصخر وملوّناً تصور صاحب المقبرة وعائلته.

أما الجزء السفلي من المقبرة فيضم عدد 26 نيشة صغيرة، تحوي نحو 31 تمثالاً منحوتاً في الصخر أيضاً لشخص يرجّح أنه صاحب المقبرة، بجانب تماثيل لأفراد عائلته.

وفي الموقع نفسه، اكتشف مخبأ للحيوانات المقدسة، أشهرها القطة "باستت" ربة المرح والسعادة التي اكتشفت في تابوتين صغيرين من الحجر الجيري.

وهناك أيضاً بردية "وزيري 1" الذي عثر عليها عام 2022، وتعتبر من أكمل وأطول البرديات التي اكتشفت في منطقة آثار سقارة خلال الـ100 سنة الماضية، إذ يبلغ طولها نحو 16 متراً.

وعثر على البردية في تابوت شخص يُدعى "أحمس" من بداية العصر البَطْلَمِي وتحوي نصوصاً باللغة الهيروغليفية من كتاب الموتى، وهو كتاب ديني لحماية المتوفى إلى أن يُبعث مرة أخرى.

وعثر لأول مرة على أكبر وأكمل ورشتين للتحنيط: إحداهما آدمية، والأخرى حيوانية تعودان لأواخر عصر الأسرة الـ30 وبداية العصر البطلمي، بالإضافة إلى مقبرتين وعددٍ من اللقى الأثرية، وكانت تهدف ورش التحنيط لخدمة المومياوات التي تحنط في الموقع وتدفن في المعبد بعد ذلك.

وفي عام 2020 كُشف عن أكثر من 100 تابوت خشبي مغلق بحالتها الأولى من العصر المتأخر داخل آبار للدفن.

هذا بالإضافة إلى أكثر من 500 تابوت خشبي أغلبها ملوّن وبه مومياوات وتماثيل خشبية وحجرية من عصر الدولة القديمة.

في منطقة آثار سقارة توجد العديد من البعثات الأثرية التي تعمل في المنطقة، سواء بعثات أجنبية تتبع معاهد أو متاحف دولية أو مصرية، وهناك أيضاً البعثات المشتركة، ولكل بعثة موقع معين تعمل به وتُحدده وزارة السياحة والآثار المصرية.

للبعثات العلمية أهداف متعددة:

• أسباب عِلمية للبحث واستكمال المعلومات.
• أسباب تدريبية مثل بعثة جامعة القاهرة التي تسعى لتدريب الطلاب على الحفائر كجزء عملي بجانب الجزء النظري لدراستهم.
• اكتشاف قطع أثرية جديدة، وإثراء المتاحف المصرية بها.

وإن يبدو الأمر منظماً الآن بين البعثات، فهو لم يكن كذلك في بداية القرن الـ 19 حيث بدأ العمل لاكتشاف تلك المنطقة، فكانت الدول الأوروبية تأخذ حق الامتياز للحفر وأخذ الآثار التي تكتشفها.

وقد تم إنشاء مصلحة الآثار المصرية للحد من استمرار الاتجار المحظور في الآثار المصرية، وعُيِّنَ الفرنسي أوغست مارييت كأول مدير لتلك المصلحة.

وبعد قيام ثورة 1952 أصبح يديرها مصريون، وأصدر قانون حماية الآثار المصرية عام 1983، لتنظيم عمليات الكشف عن الآثار، وبالتالي عمل البعثات الأثرية.