حين تُداوي الزبدة العقل.. "الكيتو" يخرج من الثلاجة إلى العيادات
في أواخر عام 2022، أصدر كريستوفر بالمر أخصائي علم النفس بجامعة هارفارد الأمريكية كتابه "طاقة العقل" الذي أكد فيه أن جذور المرض العقلي تعود إلى اضطرابات التمثيل الغذائي بالجسم، وليس اختلالات النواقل العصبية في المخ.
وظل بالمر على مدار سنوات يدافع بقوة عن فكرة أن اتباع حمية غذائية أو "ريجيم" يعتمد على تناول جرعات عالية من الدهون وكميات معتدلة من البروتينات مع تقليل الكربوهيدرات، وهو ما يعرف باسم "ريجيم الكيتو"، يمكن أن يساعد بعض المرضى في استعادة السيطرة على قواهم العقلية عن طريق معالجة اضطرابات الأيض في الجسم بشكل مباشر.
وفي تصريحات للموقع الإلكتروني UnDark المتخصص في الأبحاث العلمية، يقول بالمر الذي يعمل في مستشفى ماكلين للأمراض العقلية قرب مدينة بوسطن الأميركية، إن ريجيم الكيتو يستخدم منذ فترة طويلة، وفق أساليب الطب التقليدية، في علاج حالات الصرع الحادة، وقد أثبتت العديد من الدراسات في السنوات الماضية أن النظام الغذائي الكيتوني، الكيتو، لا يساعد فحسب في السيطرة على:
- نوبات الصرع
- الاضطراب ثنائي القطب
- حالات الاكتئاب الحادة
- الفصام، بل يقلل في بعض الأحيان من الأعراض الجانبية المصاحبة لتناول الأدوية المضادة للذهان.
وفي دراسة نشرتها الدورية العلمية Research Psychiatry المتخصصة في طب النفس العام الماضي، أجرت اخصائية طب النفس وأمراض السمنة شيباني سيثي من جامعة ستانفورد الأميركية تجربة شملت 21 شخصا بالغا يعانون من الفصام أو الاضطراب ثنائي الأقطاب.
طبيب للأمراض العقلية في ثلاجتك
وكان جميع المتطوعين يعانون من مشكلات تتعلق بالتمثيل الغذائي مثل زيادة الوزن أو مقاومة الجسم للإنسولين ويتناولون أدوية مضادة للذهان. وعند إخضاعهم لحمية الكيتو، مع مراقبة حالتهم الصحية والنفسية على مدار 4 شهور، تلاحظ أن 75٪ المتطوعين تحسنت أعراض الذهان لديهم، كما انخفضت أوزانهم وتحسنت عملية التمثيل الغذائي لديهم وتراجعت الأعراض الجانبية لأدوية العلاج النفسي التي يتناولونها.
وأجرت طبيبة علم النفس جورجيا إيدي التي تدربت في جامعة هارفارد تجربة شملت 31 شخصا بالغا يعانون من أمراض نفسية حادة تتنوع ما بين الاكتئاب والفصام والاضطراب ثنائي الأقطاب، وظلت حالتهم النفسية غير مستقرة رغم سنوات من العلاج النفسي المكثف.
وخلال التجربة التي أجريت في مستشفى في فرنسا، تم إخضاع 28 من المتطوعين لحمية غذائية متخصصة لمدة أسبوعين أو أكثر، وهي الفترة اللازمة لبدء رصد نتائج التجربة، وتبين من الملاحظة أن جميع المتطوعين الذين التزموا بالحمية الغذائية تحسنت حالتهم النفسية بشكل ملموس علاوة على تحسن عملية التمثيل الغذائي لديهم.
وانحسرت أعراض المرض النفسي الأساسي لدى 43% من المشاركين، وتم تخفيض جرعة أدوية العلاج النفسي التي يتلقاها 64% من المتطوعين في نهاية التجربة.
وتقول إيدي في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني Undark إن "كثيرا من أطباء علم النفس والامراض العصبية يعتبرون أن الأمراض العقلية الحادة هي مشكلات راسخة، مما يجعل من الصعب بالنسبة لهم تصور أن حمية غذائية يمكن أن يكون لها تأثير فعال على تلك الحالات المرضية".
كيف يعمل نظام الكيتو داخل العقل؟
يرى بعض أطباء النفس مثل بالمر وإيدي أنه عن طريق علاج اضطرابات التمثيل الغذائي بالجسم، يدعم ريجيم الكيتو الوظائف الأساسية للمخ، ويعزز استقرار البيئة العصبية على نحو يجعل الكثير من المرضى يشعرون بالتحسن بل ويصبح بمقدورهم الاستغناء عن تناول أدوية العلاج النفسي تماما.
ولكن فريقا آخر من الأطباء مثل سيثي يرى أن ريجيم الكيتو يمكنه التقليل من الأعراض المرضية فقط. وتقول سيثي: "من المشجع أن يستطيع الشخص السيطرة على المرض بشكل ما، بأسلوب يختلف عن وسائل العلاج المعتادة، ولكننا نستخدم علاج التمثيل الغذائي كعلاج تكميلي وليس كبديل".
وخلال التجارب، وجدت الباحثة إيدي أن "درجة تحسن المرضى الذين التزموا بريجيم الكيتو كانت أعلى بمعدل يتراوح ما بين 7 إلى 10 أمثال مقارنة بالمرضى الذين اقتصروا على تناول أدوية علاج الاكتئاب أو الذهان".
جدير بالذكر أن اهتمام طب النفس بالصوم أو بالحميات الغذائية كوسيلة للسيطرة على بعض الأمراض تعود إلى الماضي البعيد وليس مجرد صيحة طبية جديدة، حيث لاحظ الطبيب أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد أن مرضى الصرع الذين يصومون أو الذين يتم تجويعهم تتراجع لديهم نوبات الصرع في نهاية المطاف.
وفي عام 1921، توصل طبيب الغدد الصماء راسيل وايلدر من مستشفى مايو كلينيك في الولايات المتحدة أن حرمان الجسم من الكربوهيدرات قد يأتي بنفس تأثير الصوم على عملية الأيض، ولكن على عكس الصوم أو التجويع، فإن النظام الغذائي الكيتوني يتميز بالاستدامة.
منذ إعلان هذا الاكتشاف الذي توصل إليه وايلدر، أظهرت العديد من التجارب العلمية أن ريجيم الكيتو يساعد بشكل ملموس في استقرار الجهاز العصبي بالجسم ويقلل النوبات لدى ثلث مرضى الصرع الذين لا يستجيبون لطرق العلاج التقليدية، بحسب موقع Undark.
هل يناسب الكيتو كل المرضى؟
يشير الأطباء إلى أن ريجيم الكيتو لا ينصح به وقد لا يكون آمنا لجميع المرضى، فمرضى التهاب البنكرياس أو من يعانون من مشكلات تتعلق بالتمثيل الغذائي للدهون وتمنعهم من حرق الدهون في الجسم أو من يشكون من اختلالات وراثية تجعل المريض غير قادر على الاستغناء عن الكربوهيدرات، قد يتعرضون لمشكلات صحية في حالة الالتزام بمثل هذه الحمية الغذائية.
وتؤكد إيدي على أن النظام الغذائي الكيتوني لا يصلح كإجراء قياسي لعلاج جميع الأمراض العقلية، بل لابد أن يضع الأطباء نظاما يتناسب مع كل حالة مرضية، وتشير إلى أن بعض المرضى قد يتبعون حميات غذائية نباتية أو نظام الكيتو النباتي الذي يجمع بين ريجيم الكيتو مع الابتعاد عن المنتجات الحيوانية.