"ملف فساد" يهدد مساعدات واشنطن لكييف

رفض البيت الأبيض، الإثنين، تصريحات الكرملين بأنّ التعب الغربي من دعم أوكرانيا سيتزايد بعدما حرم اتفاق حول الميزانية الأميركية توصل إليه الكونغرس، السبت، لتجنب إغلاق المؤسسات الفدرالية، كييف من مساعدات جديدة، وفق ما نقلت فرانس برس.

وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار "إذا كان بوتين يعتقد أنه يستطيع الصمود أكثر منا فهو مخطئ"، مضيفة أن هناك تحالفا غربيا كبيرا يدعم أوكرانيا ضدّ الغزو الروسي.

الكرملين قال الإثنين إنّ "تعب الغرب" من تقديم الدعم لأوكرانيا سيزداد في حين يسعى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى إثبات العكس من خلال اجتماعهم في كييف.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن "التعب من الدعم العبثي تماما لنظام كييف سيزداد في بلدان مختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة".

لكن بايدن، أكّد أنّ بلاده "لن تتخلى" عن أوكرانيا.

ربما تؤدي الانقسامات في الكونغرس الأميركي إلى كسر الإجماع على السياسة الخارجية بخصوص دعم أوكرانيا، بينما تنتظر كييف المزيد من المساعدات، وفق فايننشال تايمز.

لطالما أعرب المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم بايدن، عن ثقتهم في أن الكونغرس سيواصل تزويد أوكرانيا بمساعدات بمليارات الدولارات "لضمان هزيمة روسيا"، حتى مع تصاعد التوترات في واشنطن "المنقسمة سياسيا" بين الجمهوريين والديمقراطيين.

لكن اتفاق نهاية هذا الأسبوع لتجنب إغلاق الحكومة، في الوقت الحالي، جرّد كييف من أيّة مساعدة، وكشف عن مدى عدم القدرة على التنبؤ بدعم واشنطن، ويمهد لمفاوضات مشحونة مقبلة لتأمين المزيد من التمويل، وفق فايننشال تايمز.

في الساعات الأخيرة من محادثات يوم السبت لمنع الإغلاق، سحب رئيس مجلس النواب الجمهوري، كيفن مكارثي، أوكرانيا من الطاولة، مذعنا لضغوط أشدّ منتقديه المحافظين حماسة.

ولم يكن أمام البيت الأبيض والعديد من مؤيدي كييف في العاصمة الأميركية خيار سوى القبول.

والإثنين 2 أكتوبر، سعى بايدن إلى طمأنة حلفاء أميركا بأنّ الولايات المتحدة لن "تبتعد" عن أوكرانيا، وقال إنه يتوقع الموافقة قريبا على تشريع جديد يتضمن مساعدة كييف.

والموعد النهائي التالي للتمويل الحكومي هو منتصف نوفمبر، قبيل قمة أبيك التي يستضيفها بايدن.

وضغط وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على المشرعين من الحزبين خلال عطلة نهاية الأسبوع للتأكيد على أهمية التمويل الإضافي لأوكرانيا.

تحدد النسخة "الحساسة، ولكن غير السرية" من الخطة الأميركية طويلة المدى العديد من الخطوات التي تتخذها واشنطن لمساعدة كييف على استئصال المخالفات وإصلاح مجموعة من القطاعات الأوكرانية.

ويؤكد التقرير أنّ الفساد ربما يدفع الحلفاء الغربيين إلى التخلي عن حرب أوكرانيا ضدّ الغزو الروسي، وأنّ كييف لا تستطيع تأجيل جهود مكافحة الفساد.

وتحذّر النسخة السرّية من الوثيقة التي اطلعت عليها بوليتيكو من أنّ "المعلومات عن الفساد هي على أعلى المستويات" ويمكن أن "تقوّض ثقة الشعب الأوكراني والقادة الأجانب بالحكومة في زمن الحرب".

وهذا أكثر وضوحا من التحليل المتاح في النسخة العامة التي لم تلق اهتماما كبيرا من الوثيقة المؤلفة من 22 صفحة، والتي يبدو أنّ وزارة الخارجية نشرتها على موقعها على الإنترنت من دون ضجة كبيرة قبل شهر تقريبا، وفق ما اعتبرت بوليتيكو.

يبلغ طول النسخة السرّية نحو ٣ أضعاف النسخة الأخرى وتحتوي على الكثير من التفاصيل حول أهداف الولايات المتحدة في أوكرانيا، من خصخصة بنوكها إلى مساعدة المزيد من المدارس على تدريس اللغة الإنكليزية إلى تشجيع جيشها على اعتماد بروتوكولات الناتو. وصممت العديد من الأهداف للحدّ من الفساد بالبلاد، حسب بوليتيكو.

ويدعو الجزء السرّي الأنظمة المالية في أوكرانيا إلى "زيادة الإقراض لتشجيع توسيع الأعمال التجارية" وتقليص دور الدولة في القطاع المصرفي.

أحد المعالم البارزة لهذا القسم هو أن "يعود بنك ألفا بشفافية إلى الملكية الخاصة". ويبدو أن هذه إشارة إلى شركة تعرف الآن باسم Sense Bank، والتي كانت في السابق مملوكة لروسيا ولكن تم تأميمها من قبل أوكرانيا، وفق بوليتيكو.

ويبدو أن الاستراتيجية الأميركية عازمة على ضمان احتفاظ أوكرانيا ليس فقط بتوجهها نحو الغرب، بل أيضا إلى تطوير علاقات خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية.

إحدى الطرق التي تعوّل عليها واشنطن هي اللغة الإنكليزية.

وتشير الإستراتيجية إلى أن الولايات المتحدة تقدّم مساعدات فنية وغيرها من المساعدات لوزارة التعليم الأوكرانية لتحسين تدريس اللغة الإنكليزية، وأنها تعتقد أن تقديم دروس اللغة الإنكليزية يمكن أن يساعد في إعادة دمج الأوكرانيين المحررين من الاحتلال الروسي.

وتدعو الإستراتيجية أيضا إلى إعادة بناء الوجود الدبلوماسي الأميركي في أوكرانيا، والتوسع خارج كييف إلى مدن مثل لفيف وأوديسا وخاركيف ودنيبرو، حسب بوليتيكو.

تريد الإدارة الأميركية الضغط على أوكرانيا لخفض الكسب غير المشروع والفساد. لكن الحديث علنا بشأن هذه القضية ربما يُشجّع المجموعات التي تعارض المساعدات الأميركية لأوكرانيا، والعديد منهم من المشرعين الجمهوريين الذين يحاولون منع مثل هذه المساعدة.

وأيّ تصور لضعف الدعم الأميركي لكييف ربما يدفع المزيد من الدول الأوروبية إلى التفكير مرتين في دورها، وفق بوليتيكو.

لأشهر عدّة، تمسك مساعدو بايدن في التطرق لقضية الفساد في أوكرانيا بإيجاز. لقد أرادوا إظهار التضامن مع كييف وتجنب تقديم الحجة لعدد صغير من المشرعين الجمهوريين الذين يعارضون المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية لأوكرانيا.

بعد مرور أكثر من عام على الحرب واسعة النطاق، يضغط المسؤولون الأميركيون على هذه المسألة بشكل أكبر في العلن وفي السرّ. على سبيل المثال، التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في أوائل سبتمبر مع وفد من مؤسسات مكافحة الفساد الأوكرانية.

وأكد مسؤول أميركي ثانٍ مطلع على المناقشات لبوليتيكو أن إدارة بايدن تتحدث مع القادة الأوكرانيين حول احتمال ربط المساعدات الاقتصادية المستقبلية بـ"إصلاحات لمعالجة الفساد وجعل أوكرانيا مكانا أكثر جاذبية للاستثمار الخاص".

وقال المسؤول إن مثل هذه الشروط لا تؤخذ في الاعتبار بالنسبة للمساعدات العسكرية.

ولم يستجب متحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية لطلبات التعليق بوليتيكو. لكن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أقال العديد من كبار مسؤولي الدفاع في الحملة الأخيرة على الفساد المزعوم، وهي رسالة إلى الولايات المتحدة وبلدان أوروبية بأنه يستجيب لمطالبهم.

وتقول الوثيقة إن تحقيق الأهداف الأميركية لأوكرانيا يشمل الوفاء بالوعود الأميركية بتوفير المعدّات والتدريب لمساعدة القوات المسلحة الأوكرانية على صدّ هجمات الكرملين.

ويبدو أن المسؤولين الأميركيين قلقون بشكل خاصّ بشأن الدور الذي تلعبه نخبة قليلة في الاقتصاد الأوكراني، حسب بوليتيكو. لذلك هي حريصة على مساعدة المؤسسات الأوكرانية في بناء قدراتها الرقابية.