مصائب حرب غزة.. عند بوتين "فوائد"

منذ فبراير من العام ٢٠٢٢، يضع الغرب الحرب الروسية ضد أوكرانيا تحت المجهر، وتتدفق المساعدات لدعم أوكرانيا، حتى أن روسيا اتهمت بارتكاب جرائم حرب خلال الصراع، وصدر بحق بوتين مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.

الآن تنعم روسيا بهدنة من الاهتمام، لا من قبل صناع السياسات حول العالم فقط ولكن الشعوب التي تركز الآن مع غزة، وفقا لمقال نشرته الخبيرة في السياسة الخارجية والأمنية الروسية، هانا نوت في صحيفة نيويورك تايمز.

ترى المحللة أن الحرب في غزة تصرف النظر عن "الجرائم التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا" بحسب وصفها، فعلى سبيل المثال، لم يلتفت العالم لهجمة صاروخية على مدينة زاباروجيا، في خضم تصاعد الأحداث في غزة.

صراع على التسليح بين إسرائيل وأوكرانيا

تخلق الحرب الجديدة أيضا حالة من التنافس في الحصول على الأسلحة ما بين إسرائيل وأوكرانيا، فيما يحاول الرئيس الأميركي أن يقدم الدعم لكليهما من خلال طلب تمويل قدمه للكونغرس بقيمة ١٠٥ مليار دولار أميركي.

ولكن حتى اللحظة من المفترض أن تحظى أوكرانيا بنصيب الأسد، ففي حالة تمرير طلب الرئيس قد تحصل على مساعدات بقيمة ٦٠ مليار دولار مقابل ١٤ مليار فقط لإسرائيل.

إلا أن نوت ترجح أن تحتاج إسرائيل في النهاية للأسلحة المخصصة لأوكرانيا، بينما بدأت الأخيرة تعاني بالفعل من نقص في المخزون.

هناك مزايا اقتصادية أخرى قد تنتظرها روسيا، إذا اتسعت رقعة الصراع خصوصا، إذ سوف ترتفع أسعار النفط والغاز، ما قد يمنح اقتصاد روسيا دفعة للأمام، ويشكل موردا جديدا تتمكن من خلاله توفير تمويل إضافي للحرب في أوكرانيا، وفقا لتقرير أعدته صحيفة الإيكونومست.

على خلفية الحرب، تحاول روسيا أيضا أن تعيد رسم صورتها أمام الرأي العام العالمي والشرق الأوسط على وجه التحديد.

تصدر موسكو خطابا "يتفق" مع المشاعر الجماهيرية في الشرق الأوسط ويلقي باللوم على السياسة الغربية في تصاعد الأحداث بالمنطقة ويدعو لحماية المدنيين.

بالنسبة للخبيرة السياسية يحمل الخطاب الروسي تلميحات "مؤيدة لفلسطين"، ما يعكس توجه روسي أعم تحاول من خلاله تعزيز صورتها باعتبارها مناهضة للهيمنة الغربية.

دور "الوسيط" قد يكون صورة ذهنية أخرى تحاول روسيا ترسيخها خلال الحرب، مستغلة علاقاتها الدبلوماسية مع كافة الأطراف المتصارع، واستنادا كذلك على إرثها التاريخي من النشاط الدبلوماسي في الشرق الأوسط.

ترشح زميلة الأبحاث الزائرة في المعهد الروسي التابع لكينغز كوليدج في لندن، آنا ماتفيفا، وذلك خلال تحليل نشرته على موقع ذا كونفيرزيشين.

وتعدد ماتفيفا الدول والكيانات التي تربطها علاقات جيدة مع روسيا، فتذكر إيران وسوريا وفلسطين وبالطبع حماس وحزب الله، وكل هؤلاء، أعضاء على قائمة أعداء إسرائيل.

لكن لكي ينجح سيناريو الوساطة من المفترض أن تتمتع روسيا بعلاقة حسنة مع إسرائيل في الوقت ذاته، إلا أن علاقة الطرفين مرتبكة الآن.

لتتبع علاقة الثنائي علينا العودة إلى زمن الحرب الباردة، حينها ربما لم تكن إسرائيل والاتحاد السوفيتي على وفاق، إذ دعم الأخير مجموعة من أعداء إسرائيل في الشرق الأوسط آنذاك في خضم لعبة الصراع على النفوذ الأميركي السوفيتي، لاحقا في التسعينيات بدأت العلاقات في التحسن، ويُعزى التقارب إلى علاقة بوتين الوثيقة بـ أرييل شارون.

نتنياهو أكمل النهج أيضا، فاعتاد أثناء فترة التقارب أن يشير إلى بوتين بأنه "صديقه العزيز"، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا كان كفيلا بإحداث تغيرات في دفة العلاقة، على الرغم من أن إسرائيل لم تسارع لتقديم الدعم لأوكرانيا على عكس الحلفاء الغربيين، بحسب تقرير أعدته مجلة تايم.

الآن تزداد العلاقات توترا، فخلال الأسبوع الماضي استضافت روسيا عددا من المسؤولين الكبار في حماس، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل "عملا داعما للإرهاب"، على الجبة الأخرى قالت روسيا إن الزيارة جاءت في خضم جهود تأمين إطلاق سراح الأسرى.

موقف روسيا من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي أيضا لم يتسق مع سائر المواقف الأوروبية، إذ لم تدن روسيا الهجوم باعتباره إرهابيا، كما أكدت أكثر من مرة دعمها لقيام دولة فلسطين.

وأدانت الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، وعندما حاولت روسيا تمرير قرار عبر مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، عرقله فيتو أميركي، بسبب عدم إدانة حماس.

إلى جانب المكاسب، قد تكبد الحرب روسيا خسائر أيضا، في مقدمتها نمط العلاقات الذي دشنته روسيا في المنطقة منذ فترة.

باستثناء الدعم الروسي الجلي للرئيس السوري بشار الأسد، نجح بوتين في إقامة علاقات مع أطراف متضادة ومتصارعة طوال الوقت، كإيران وإسرائيل، تركيا وسوريا والحكومة المعترف بها في اليمن والحوثيين، حسب تحليل نشره أستاذ الحكومة والسياسة بجامعة جورج ماسون، مارك ن. كاتز على موقع المجلس الأطلسي للأبحاث.

ولكن مع تطور الحرب وتعرض أحد الأطراف لهزيمة أمام الآخر، سيتعين على روسيا أن تُعرب رسميا عن دعمها لطرف على حساب آخر، ومن ثم تخسر نفوذها لدى أحد الطرفين بشكل محقق.

انتباه روسيا في الشرق أيضا معرض للتشتت، خاصة ما إذا تصاعد الصراع واضطر حزب الله للاستعانة بحلفائه في سوريا على سبيل المثال، مما يجعل مهمة روسيا في دعم النظام السوري أكثر تعقيدا.