الماء مقابل النفط؟.. تركيا تتحدى العراق بالسدود

في آخر مؤتمر صحافي له، قال وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب إن الإمدادات المائية الواصلة من تركيا لنهر الفرات على الحدود السورية-التركية، تراجعت لأسباب منها سياسية، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية كبيرة على الكميات التي تصل بالفعل.

ذياب أوضح في المؤتمر أن نهر الفرات يعتمد بنسبة 90% على الإمدادات المائية الواصلة من تركيا، لكن ولعوامل عدّة، منها سياسية، كانت تلك الإمدادات أقل بكثير من الاتفاق المبرم بين تركيا وسوريا سنة 1987.

وبحسب ذياب فإنه حسب الاتفاق كان من المفترض أن يتم إطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الحدود السورية-التركية، لكن المعدل انخفض في هذه السنوات، ولم يتجاوز حدود 300 متر مكعب بالثانية.

وأشار ذياب إلى أن هذا النقص الحاد أثر على الكميات المتدفقة للفرات في العراق، في حين لم يكن هناك حل آخر، سوى اللجوء إلى التخزين المائي في بحيرة الثرثار.

تصريح الوزير يأتي عقب قرار وزارة الزراعة، بتخفيض المساحات المقررة للزراعة ضمن الخطة الموسمية للبلاد، نتيجة قلة الإيرادات المائية القادمة من تركيا وإيران.

وحذّرت وزارة الزراعة من أن شحّ المياه بات يهدد بانهيار أمن العراقيين الغذائي.

وسبق للبنك الدولي أن اعتبر أن غياب أي سياسات بشأن المياه قد يؤدي إلى فقدان العراق بحلول العام 2050 نسبة 20% من موارده المائية.

كما أن العراق كان قد أعلن في وقت سابق أن المشروعات المائية التركية، أدت إلى تقليص حصته المائية بنسبة 80%.

ويُعدّ العراق، من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحّر في العالم، وفق الأمم المتحدّة، خصوصاً بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في مرحلة من فصل الصيف 50 درجة مئوية.

هذا كله يأتي إلى جانب ما كشف عنه الوزير ذياب حول تبخّر 8 مليارات لتر مكعب من المياه سنوياً جراء ارتفاع الحرارة في البلاد إلى درجات قياسية.

تمتد أزمة المياه بين العراق وتركيا لعقود طويلة، وبدأت تطفو هذه المشكلة على السطح بعد أن انحسرت مياه الأنهار في بلاد الرافدين، حتى وضعت البلاد على قائمة البلدان المهددة بالجفاف.

ولا تنفك التوترات بين البلدين عن الاندلاع جراء التصريحات أو ملامح الجفاف التي بدأت واضحة خلال السنوات الأخيرة على أرض العراق ونهريْه.

في يوليو من العام الماضي، أثارت تصريحات السفير التركي لدى العراق، علي رضا غوناي، جدلاً واسعاً بعد أن حمّل الحكومة العراقية مسؤولية الجفاف الذي تعاني منه البلاد بسبب "هدر" المياه وعدم استخدامها بالشكل الأمثل.

وفي وقتها، وصفت وزارة الموارد المائية العراقية، تصريحات السفير التركي بأنها "تهدد السلم المجتمعي في العراق، وأنها محاولة لخلط الأوراق وتقليل حصة البلاد المائية".

وقالت الوزارة، في بيان، إنّ "تركيا ليست وصية على العراق، وعليها إطلاق حصته العادلة والمنصفة، حسب المواثيق الدولية دون التدخل بسياسة العراق المائية".

تستند وجهة النظر العراقية إلى مبادئ القانون الدولي بشأن تنظيم استغلال المياه. فنهرا دجلة والفرات دوليان طبقاً لتعريف الأمم المتحدة الذي يقول إن النهر الدولي هو "المجرى المائي الذي يقع أجزاء منه في دول مختلفة".

ويرى العراق أن حوضي نهري دجلة والفرات مستقلان عن بعضهما، فلكل منهما حوضه ومساره ومنطقته.

ويشدّد أيضاً على ضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي، بين تركيا وسوريا وإيران، لتحديد الحصص المائية لكل دولة على أسس عادلة، وبالاعتماد على القانون والعرف الدوليين.

وتدعو بغداد إلى اقتسام مياه نهري دجلة والفرات بين الدول الثلاث، وفقاً لمعادلة رياضية، تقوم فيها كل دولة بالإبلاغ عن حاجتها من المياه اللازمة لمشروعاتها، وتشرف على العملية لجنة فنية مشتركة.

ترى تركيا أن نهري دجلة والفرات ليسا دوليين كي تنطبق عليهما أحكام القانون الدولي للمياه، وتطلق عليهما في المقابل وصف المياه العابرة للحدود، وذلك لكونهما ينبعان ويتغذيان ثم يجريان عبر الأراضي التركية.

ولا توافق تركيا أيضاً على إبرام أي اتفاقية دولية لتحديد حصص الدول في المياه بموجب مبادئ القانون الدولي.

وعبر التاريخ جاءت وجهة النظر التركية من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، التي تعتبر نهري دجلة والفرات نهرين تركيين، منزوع عنهما الصفة الدولية.

من هذه التصريحات، ما قاله رئيس الحكومة التركية الأسبق سليمان ديميريل في يونيو 1990: "لتركيا حق السيادة على مواردها المائية، ويجب ألا تخلق السدود التي تبنيها على نهري دجلة والفرات أي مشكلة دولية، ويجب أن يدرك الجميع أن نهري دجلة والفرات ليسا من الأنهار الدولية، وإنما من الأنهار التركية حتى النقطة التي يغادران فيها الإقليم التركي".

وكان أبرز تعليق لديميريل في عام 1993، خلال حفل افتتاح سد أتاتورك، إذ قال "المياه التي تنبع من بلادنا هي ملك لتركيا، والنفط هو ملك البلدان التي ينبع فيها، ونحن لا نقول لهم إننا نريد مشاركتهم في نفطهم، كما أننا لا نريد مشاركتهم مياهنا".

ليست تركيا الوحيدة التي حاصرت العراق مائياً، وخفضت حصصه المائية، فالجارة إيران هي الأخرى قطعت ومنعت المياه من الوصول إلى العراق.

وبحسب تصريح سابق للمتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية العراقية السابق، عون ذياب (وزير الموارد المائية الحالي) قوله إن "إيران ومن دون تنسيق مع العراق، أنشأت العديد من السدود على الأنهر المغذية لنهر ديالى، منها نهر سيروان، الأمر الذي سيؤدي إلى مواجهة صعوبات في تأمين المياه لمحافظة ديالى، فضلاً عن إنشاء سدود على الأفرع التي تغذي نهر الزاب الصغير وعلى الفروع التي تغذي سدّي دوكان ودربن دخان شمالاً".

وأضاف أن "مختلف مناطق العراق تواجه مشكلة مائية جدّية"، نتيجة إغلاق إيران كل منابع المياه المنسابة تجاه البلد، كخطوة لتدارك أزمة مائية تعاني منها طهران.

وأوضح أن "الجفاف وشح الأمطار خلال العامين الماضيين فاقم المشكلة المائية أمام العراقيين، إذ أدّى ذلك إلى زيادة نسبة التصحّر في مناطق واسعة من البلاد، وانخفاض منسوب المياه في الأنهر والسدود والآبار وجفاف بعضها بالكامل، ما أجبر سكان بعض القرى والنواحي إلى ترك مناطقهم بحثاً عن أماكن أغنى مائياً".

وبيّن أن "الحكومة العراقية أكثر من مرة اعتزمت رفع شكوى رسمية إلى محكمة العدل الدولية ضد إيران بشأن هذه القضية".