سياسة
.
مجموعة من المتعصبين البيض تحت اسم "جيش الله" أو God’s Army تعلن عن توجهها للحدود الجنوبية لتكساس لمواجهة الهجرة غير الشرعية القادمة من المكسيك، الـ "كارتل" المكسيكية أو مافيا تهريب المخدرات والبشر عبر الحدود الأميركية–المكسيكية، هي الأخرى أعلنت عن استعدادها للمواجهة، سلطات الولاية تخوض حرباً قانونية شرسة مع البيت الأبيض حول مسؤولية "أمن الحدود".
تم تداول تقارير وأنباء أغلبها مغلوط حول نيّة سلطات ولاية تكساس، في إعلان استقلال الولاية الجنوبية، البعض بالغ كذلك، واعتبر أن الخلافات بين تكساس وواشنطن، بداية حرب أهلية أميركية.
فما حقيقة ما يحدث في تكساس؟ وهل تتجه فعلاً تكساس نحو الاستقلال؟
في عام 1836 أعلنت تكساس استقلالها عن المكسيك، حيث كانت قبل ذلك أراضٍ مكسيكية. وبالفعل تم تأسيس جمهورية تكساس المستقلة من عام 1836 إلى عام 1845، عاشتها تكساس كدولة صغيرة بين الولايات المتحدة والمكسيك، ثم أعلنت تكساس عن الانضمام للولايات المتحدة في عام 1845، لتصبح الولاية الـ 28 رسمياً.
ولاية النجم الوحيد كما يطلق عليها الأميركيون، حيث يحتوي علم الولاية على نجمة وحيدة كبيرة، في دلالة للاعتزاز بقوة الولاية واستقلاليتها، أمام علم الولايات المتحدة ذو الـ 50 نجمة، حيث ترمز كل نجمة لولاية، انضمت إلى الولايات الكونفدرالية الأميركية في عام 1861، لتخوض الحرب الأهلية الأميركية ضد الولايات الفيدرالية الشمالية، وشاركت تكساس في العديد من المعارك الرئيسية للحرب، بما في ذلك معركة أنتييتام ومعركة غيتيسبيرغ.
يرى عبده فودة، محامي الهجرة الأميركي، ذو الأصول المصرية، والمقيم في هيوستن بتكساس، أن تكساس ولاية ذات ميول استقلالية واضحة، وتستطيع أن ترى ذلك في كل ركن من أركان الولاية، قائلا: "حتى علم الولاية هناك قاعدة شائعة بضرورة رفع علم الولاية بنفس الحجم فوق حتى المباني الفيدرالية في تكساس، وهو ما يعزز النزعة الانفصالية والاستقلالية بطبيعة الحال".
وأضاف فودة، لبلينكس من هيوستن، أن مشكلة أمن الحدود في ولاية تكساس تمثل مشكلة في غاية التعقيد، وخلال الآونة الأخيرة باتت المشكلة تؤرق كل المسؤولين المحليين ومواطني الولاية.
وتابع فودة، خلال الفترة الأخيرة، أصبحت الحدود الجنوبية لولاية تكساس مع المكسيك، مستباحة تماماً، وأصبحت المنفذ الرئيسي للهجرة غير الشرعية داخل الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الهجرة غير الشرعية التي تتدفق على الولاية لم يعد مصدرها مواطنو المكسيك وأميركا الجنوبية فحسب، بل اتسع ليشمل حتى الجنسيات الأخرى والقادمة من الشرق الأوسط.
وكشف فودة لنا أنه من خلال عمله كمحامي للهجرة، عن لقائه بنحو 15 حالة لمصريين قادمين عبر المكسيك، بطرق غير شرعية، موضحاً أن الأمر تحوّ فعلاً إلى مافيا، حيث أصبحت هناك عصابات تهريب متخصصة لتهريب الجنسيات المختلفة للدخول للولايات المتحدة، وهو ما تسبب في حالة الاحتقان بين سكان الولاية.
وأشار إلى أن الأزمة القانونية بين سلطات الولاية والبيت الأبيض تتمثّل في تحديد اختصاصات وسلطات حماية الحدود، هل هي من سلطات الحكومة الفيدرالية في واشنطن؟ أم حكومة الولاية؟ مرجحاً في الوقت ذاته حسم الأمر عبر الصراع القانوني وليس عبر القتال بين الحكومة الفيدرالية وحكومة الولاية، وفق فودة.
تشاك ديفور، وهو مدير تنفيذي في مؤسسة تكساس للسياسة العامة، وضابط استخبارات متقاعد بالجيش الأميركي، قال لبلينكس إن ما يحدث على الحدود الجنوبية لولاية تكساس، أمر كان متوقعاً منذ عدة سنوات، بسبب السياسات المتساهلة للرئيس بايدن.
ديفور لفت إلى دراسة سابقة أجرتها مؤسسة تكساس للسياسات العامة، حيث وجدت الدراسة التي أشرف على إعدادها في 2020، من خلال محاكاة تغيير تدفق المهاجرين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بشكل كبير من خلال سياسة الدولة.
وتابع ديفور، الذي عمل كمساعد خاص للشؤون الخارجية في وزارة الدفاع الأميركية من عام 1986 إلى عام 1988، أن الدراسة رصدت الاختلافات الشاسعة في الاستجابة لأزمة الحدود بين تلك التي اتخذها حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، إلى حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت.
وقال ديفور "ببساطة، رحب الحاكم نيوسوم بالمهاجرين بينما نشر الحاكم أبوت ضباط إنفاذ القانون بالولاية والحرس الوطني في تكساس لإلقاء القبض على المهاجرين وإعادتهم عبر الحدود إلى المكسيك، الأمر الذي تبعه باحتجاج الحكومة المكسيكية، ولجوء إدارة بايدن لرفع دعوى قضائية ضد أبوت، لكن تكساس انتصرت بعد أن تم استئناف القضية أمام المحكمة العليا الأميركية".
وشدّد ديفور قائلا "بصراحة الحكومة الفيدرالية لا تفعل ما يكفي لضبط الحدود"، مشيراً إلى أن الرئيس بايدن نفسه سبق وقال، عندما كان مرشحاً، إنه سيعكس سياسات سلفه الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بالحدود، وهذا بالفعل ما حدث، وبدأت الهجرة غير الشرعية في الارتفاع في اليوم التالي لفوز بايدن تحسباً لسياسة حدودية متساهلة (وهو ما توقعناه أيضاً، وتسبب في حالة الغليان التي تعيشها تكساس الآن".
وبسؤال الجنرال ديفور عن "جيش الله" وإمكانية تصاعد التوترات جنوب تكساس، قال المسؤول العسكري الأميركي السابق "أشك أن هذه المجموعة تشكل تهديداً كبيراً، أو أي تهديد على الإطلاق".
وتابع قائلاً "على الرغم من وجود متهورين ومتعصبين في كل مكان، لكن الخطر الحقيقي يكمن في هيئة عصابات المخدرات المكسيكية والتي من الممكن أن تقرر أن تستفيد بطريقة أو بأخرى من عدم استقرار الأوضاع، مشيرا إلى التقارير المتواصلة عن أعضاء كارتل مسلحين يعملون في الأراضي الأميركية، والذين يبدوا أنهم يستعدون إذا صدرت لهم الأوامر بإطلاق النار على مواطنين أميركيين، الأمر الذي ينذر بخروج الأمور عن السيطرة".
وختم قائلاً "ومع ذلك، فإنني أشك بشدة في أن المدنيين الأميركيين، كمجموعة منظمة، سيبادرون إلى القيام بعمل عدواني على الحدود".
تُعد تكساس ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة بعد كاليفورنيا، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 29.53 مليون نسمة، وتشتهر الولاية بكونها أحد أهم وآخر المعاقل للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
ونظراً لكثافتها السكانية، تمتلك الولاية 38 صوتاً في المجمع الانتخابي المسؤول عن تحديد وتسمية الرئيس الأميركي، وينظر لها الجمهوريون باعتبارها آخر القلاع الجمهورية في الولايات المتحدة، لأن الديمقراطيين يسيطرون على كاليفورنيا ونيويورك، أول وثالث ولاية في عدد أصوات المجمع الانتخابي.
وبدون تكساس لن يكون للجمهوريين أي فرصة في انتخابات الرئيس الأميركي، ولذلك فأن ما يحدث في تكساس سيكون له عظيم الأثر خلال السنوات المقبلة لرسم المشهد السياسي في الولايات المتحدة.
فبينما يسعى الديمقراطيون إلى تنفيذ سياسات هجرة متساهلة لإحداث تغيير ديمغرافي وسياسي كبير في آخر المعاقل الجمهورية، يسعى الجمهوريون إلى الصمود والحفاظ على ما تبقى من هامش أغلبية بسيطة في آخر معقل لذوي الأفكار المحافظة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة