سياسة
.
بعد 3 سنوات على وقوع حادثة جبل ميرون في إسرائيل، التي أودت بحياة 45 شخصا وإصابة آخرين، صدر تقرير لجنة التحقيق بنتائج مزلزلة.
التقرير حمل نتنياهو بشكل شخصي المسؤولية عن الحادث، ليرتبط اسمه بأسوأ كارثتين في تاريخ إسرائيل الحديث: جبل ميرون، و7 أكتوبر.
على الرغم من ذلك فإن نتنياهو في مأمن من الملاحقة القضائية بسبب تلك الحادثة، لكن هناك مخاوف من أن يستغل التقرير كذريعة لفرض القيود على المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
فكيف ذلك؟ وما هي قصة حادثة جبل ميرون؟ وكيف يدين ذلك التقرير نتنياهو استباقياً فيما حدث يوم 7 أكتوبر؟
في 30 أبريل 2021، وقع تدافع جماهيري مميت في جبل ميرون (الجرمق) في أثناء رحلة الحج السنوية إلى قبر الحاخام شمعون بار يوشاي في العيد اليهودي لاغ بعومر، وقُتل على أثر ذلك 45 شخصا وأُصيب 150 آخرون.
التقديرات تشير إلى أن نحو 100 ألف شخص شاركوا في تلك الفعالية، غالبيتهم من اليهود المتدينين "الحريديم"، أو الألترا أرثوذكس.
حادثة جبل ميرون صُنفت بأنها "الكارثة المدنية الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل"، إذ تفوقت على حرائق غابة الكرمل في عام 2010 التي لقي فيها 44 شخصا مصرعهم.
التدافع في ذلك اليوم وقع بعد أن خرج المحتفلون من أحد أقسام المجمع الجبلي، عبر ممر بأرضية معدنية مائلة تقود درجا للنزول، وكانت تلك الأرضية مبللة بالمشروبات المسكوبة عليها.
بعض الناس تعثروا وانزلقوا بالقرب من أعلى الدرج، في حين تابع من خلفهم السير لجهلهم بما حدث، وهو ما أدى إلى دهس الموجودين بالأسفل واختناقهم بالضغط، وهم ينادون بأنهم لا يستطيعون التنفس.
وتم تشكيل لجنة تحقيق حكومية بأمر من رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت، وصدرت النتائج يوم 4 مارس 2024، وكانت مخيبة لآمال نتنياهو والمعارضة على حد سواء.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سرعان ما حاول التملص والتهرب من تحمل أي مسؤولية تجاه ما حدث في جبل ميرون، والقول بأنه لم يكن يعرف بعيوب السلامة في المكان.
لكن بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فقد أبلغ مراقب الدولة ورئيس الشرطة سابقاً عن احتمال حدوث مثل تلك الكارثة، كما وطالب المجلس المحلي عدة مرات بإغلاق موقع الاحتفال.
تقرير لجنة التحقيق خلص إلى أن نتنياهو مسؤول بصورة شخصية عن كارثة جبل ميرون، وأن "ثقافة الإهمال" داخل أروقة الحكومة أسهمت في تلك الحادثة.
ولكن على الرغم من إدانة نتنياهو فإن التقرير لم يوصِ باتخاذ أي إجراءات ضده، في حين أقرت اللجنة إجراءات عقابية ضد وزير الأمن الداخلي وقت وقوع الكارثة عامير أوحانا، وضد مفوض الشرطة العام كوبي شبتاي.
حزب الليكود سارع إلى اتهام لجنة التحقيق بتسييس المسألة، وادعى بأن أحد أعضاء اللجنة، وهو الجنرال شلومو ياناي، مقرب من زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي وعده بضمه إلى قوائم حزبه الانتخابية.
بيان الليكود قال "محاولة لابيد الخبيثة والمتعمدة لتحويل كارثة ميرون لسلاح سياسي لن تنجح"، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات ضد الحزب.
حجة نتنياهو في الدفاع عن نفسه في حادثة جبل ميرون هي أنه لم يكن يعلم بخطورة الموقف مسبقاً، إذ قال في شهادته أمام لجنة التحقيق بأنه لو جذب أحدهم "طرف معطفه"، وحذره من احتمال حدوث كارثة رهيبة، لكان قد تعامل مع الأمر على الفور.
اللجنة رفضت هذا الادعاء وقالت، إن هناك أساسا معقولا للاعتقاد أن نتنياهو كان يعلم أن موقع قبر بار يوشاي لم يتم الاعتناء به بصورة جيدة لسنوات، وأن أوجه القصور يمكنها أن تخلق خطراً على جموع المشاركين في الحفلة التي أقيمت.
وأضافت اللجنة أنه على أقل تقدير، كان لا بد أن يعلم نتنياهو بالأمر بعد أن عرضت القضية على مكتبه عدة مرات، وبعد أن كان مطلوب منه شخصياً مناقشة الأمر في الاجتماعات الحكومية.
هذا الأمر يمهد الطريق إلى إدانة نتنياهو فيما حدث في 7 أكتوبر على الرغم من ادعائه أنه لم يكن يعلم بالأمر، بحسب صحيفة هآرتس.
وللتهرب من المسؤولية، لجأ نتنياهو إلى الخبير القانوني البروفيسور أرييل باندور، ليطلب رأيه فيما يتعلق حول نطاق مسؤولياته في تلك الحادثة.
باندور لم يخيّب ظن نتنياهو، وقال إن دور رئيس الوزراء هو التركيز على الأمن القومي، وإن التعامل مع الشؤون المدنية أمر ثانوي، وبالتالي لا مجال لتحميله المسؤولية الشخصية عن مسألة ميرون، ولكن اللجنة رفضت استنتاجات البروفيسور باندور.
الفخ الذي نصبه نتنياهو لنفسه هنا دون قصد هو أن رأي باندور المنحاز إلى رئيس الوزراء يدينه الآن في أحداث 7 أكتوبر، لأن باندور جادل بأن مهمة رئيس الوزراء التركيز على الأمن القومي، وهجوم "طوفان الأقصى" يقع في ذلك النطاق.
لذلك تقول صحيفة "واللا"، إن رأي باندور القانوني سيصبح نصا تأسيسيا فيما يتعلق بمسؤولية نتنياهو المباشرة والواضحة والصريحة عن أحداث 7 أكتوبر، وهو ما يعني أن رئيس الوزراء وزوجته سيبذلان قصارى جهدهما لكيلا تُشكل لجنة تحقيق في أحداث أكتوبر.
بحسب الخبير البارز في شؤون القدس، دانيال سيدمان، فإنه بعد صدور تقرير جبل ميرون فمن المتوقع أن يستغل نتنياهو توصيات التقرير لتقييد الوصول إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان وفرض قيود عددية وعمرية.
سيدمان أضاف أن نتنياهو سيتظاهر في هذه الحالة بأن إجراءاته التعسفية في الأقصى ضرورية لحفظ أمن المصلين أنفسهم وضمان عدم تكرار مأساة جبل ميرون.
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، طالب، الأحد، مفوّض الشرطة كوبي شبتاي، بالسماح لبضعة آلاف فقط من المسلمين بدخول المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وفق صحيفة "معاريف".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة