سياسة
.
"لا يمكن ردع حماس" كان هذا ملخص تصريحات 2 من الرؤساء السابقين لأكبر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية خلال المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS).
رئيس الموساد السابق تامير باردو، قال إن كل مَن يعتقد أن بإمكانه تنفيذ حملة عسكرية ضد جماعة مسلحة فقد ضل طريقه.
يتفق مع رأي باردو، رئيس الشاباك السابق نداف أرجمان، الذي أكد غياب "كل الطرق لردع حماس بصورة كاملة"، في حين اقترح رئيس الموساد السابق تطبيق "الحل الإيرلندي" في غزة.
سيناريو آخر، اقترحه الجنرال الأميركي ورئيس السي آي إيه السابق ديفيد بتريوس، مؤكدا أن الطريق لهزيمة حماس يحتاج إلى التركيز على إعادة الحياة إلى غزة.
فما هو "الحل الإيرلندي"، وهل ينجح في إنهاء الصراع؟ وهل تنجح إسرائيل في خطة تهميش السلطة الفلسطينية وحماس معاً في غزة؟
رئيس الموساد السابق تامير باردو يصف توقعات إسرائيل من الحرب مع حماس بأنها "حمقاء"، مضيفاً "لا يوجد رادع للحركة"، متوقعا استمرارها في تشكيل تهديد ضد إسرائيل.
"سيتلقون ضربة في الرأس، لكنهم بعد ذلك يقلصون خسائرهم ويغيّرون مخازن أسلحتهم ويهاجمون مرة أخرى".
وحذر رئيس الموساد السابق من "تجويع أعداد كبيرة من الفلسطينيين"، لأن ذلك سيشجعهم على مطاردة إسرائيل في العالم، بما يتجاوز أي انتصارات تكتيكية يحققها الجيش ضد حماس.
بحسب باردو، فإن الخيار البديل لإسرائيل هو تحويل حماس من جماعة مسلحة إلى جماعة سياسية وفتح أفق سياسي لحل الصراع، مذكراً بما حدث في إيرلندا.
وأضاف أن السلطة الفلسطينية حاولت القيام بذلك في العقود الأخيرة، في إشارة إلى محاولة جذب حماس نحو عالم السياسة.
إيرلندا نالت استقلالها عام 1921 من بريطانيا بعد احتلال استمر لأكثر من 700 عام، لكن بقيت 6 مقاطعات في شمال جزيرة إيرلندا تحت حكم التاج البريطاني، وهو ما أدى إلى صراع دموي استمر حتى عام 1998.
الصراع الإيرلندي كان له جناحان:
في ستينيات القرن الماضي، ازدادت حدة الصراع والعنف في شمال إيرلندا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 3 آلاف و500 شخص في العقود الثلاثة التالية.
وفي عام 1998، تم توقيع اتفاق "الجمعة العظيمة" للسلام برعاية الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي أدى إلى إيقاف الحرب في إيرلندا الشمالية، ومنحها حكماً ذاتياً، لكن تحت التاج البريطاني.
إحدى أبرز نتائج اتفاق "الجمعة العظيمة" كان تفكيك الجماعات المسلحة وتحويلها إلى مجموعات سياسية، وهو الأمر الذي استغرق عدة سنوات.
ففي حالة الجيش الإيرلندي الجمهوري، استغرق الأمر 7 سنوات حتى عام 2005، ليعلن الفصيل المسلح تفكيك أسلحته وتحوله إلى النضال السياسي السلمي، بديلا عن رفع السلاح.
في الحالة الفلسطينية، تأتي المطالبات الإسرائيلية والدولية بضرورة تفكيك وسحب أسلحة حماس قبل التفاوض وقبل التوصل لحل للصراع، وهو ما تجلى في شروط الرباعية الدولية عام 2006 بأن على حماس نبذ العنف والإرهاب للاعتراف بحكومتها.
لكن رئيس الأركان البريطاني في عهد رئيس الوزراء توني بلير، جوناثان باول، ذكر في كتابه "التحدث مع الإرهابيين.. كيفية إنهاء الصراعات المسلحة"، أن مسألة تفكيك ذراع حماس العسكرية يجب أن تطرح بصفتها أحد مخرجات اتفاقية إنهاء الاحتلال، لا أن تكون شرطا مسبقا قبل التفاوض.
بمعنى أن تقبل إسرائيل بالدولة الفلسطينية وتنهي وجودها العسكري في الأراضي المحتلة عام 1967، وفي المقابل، يتم تدريجياً إطلاق عملية لتفكيك التنظيمات المسلحة.
الإشكالية هنا هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض صراحةً القبول بأي دولة فلسطينية مهما كان، وأعلن أنه لن تكون هناك أي نهاية للاحتلال ما دام بقي في منصبه.
اقتراح الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس يتركز على فكرة أنه حتى إذا استطاعت إسرائيل إضعاف حماس عسكرياً، فإن استمرار التجويع والإفقار والنزوح في غزة، واستمرار الاحتلال سيدفع المزيد من سكان القطاع لدعم أو الانضمام إلى حماس أو غيرها من فصائل العمل المسلح.
لذلك قال بتريوس، إنه لكي تتمكن إسرائيل من هزيمة حماس، يجب عليها عدم الاكتفاء بمهاجمة ما تبقى من كتائبها من رفح، وإنما على تل أبيب السماح بإعادة إعمار غزة مرةً أخرى لصالح الفلسطينيين.
يشرح بتريوس أن خطته تشمل توزيعا مستقرا للطعام والمساعدات وإعادة سكان غزة إلى منازلهم وتشغيل المستشفيات بصورة كاملة وإعادة إعمار القطاع وعودة المجتمع للعمل.
وعلى الرغم من دعم بتريوس لهدف تدمير حماس بصورة كاملة، فإنه استدرك مؤكدا على إسرائيل التوصل في النهاية إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين، باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الصراع.
للتمكن من تنفيذ هذا الاقتراح، بحسب رئيس الاستخبارات الأميركية الأسبق، يجب أن تكون هناك جهة مسؤولة عن إعادة إعمار غزة وإدارة شؤونها، وفي ظل استبعاد بتريوس لحماس، فإن ذلك يعني أن الجهة التي ستدير غزة قد تكون السلطة الفلسطينية أو بعثة دولية عربية أو حتى إسرائيل نفسها.
إسرائيليا، ترفض تل أبيب عودة السلطة إلى إدارة القطاع بصورة قاطعة، وفي الوقت نفسه لن تنفق أي موارد على إدارة غزة وتقديم الخدمات إلى أهلها.
أما فكرة البعثة الدولية أو العربية لإدارة غزة، فحتى اللحظة لم تبدِ أي دولة استعدادها للقبول بتحمل تلك المسؤولية.
في نوفمبر الماضي، أعلن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، جوزيف بوريل، خطة مكونة من 6 مبادئ رئيسية حول غزة في اليوم التالي للحرب:
إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعلنت مبادئ مماثلة في تصورها لمستقبل غزة.
يقف في وجه السيناريو الأميركي-الأوروبي مشكلتان رئيسيتان:
الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصدد تشكيل حكومة كفاءات مهنية، تكنوقراط غير حزبية، بعد استقالة رئيس الوزراء محمد اشتية، وهو ما قد يلقى ترحيبا دوليا. لكن يوجد خلاف على التشكيل.
وتطالب حماس بأن يتم التشاور معها في مرحلة اختيار الوزراء، وأن يكون الاختيار توافقيا على مستوى الفصائل.
بحسب صحيفة إسرائيل هيوم، فإن الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية يريدان تسليح أفراد وعائلات في غزة لا تربطهم علاقات بحماس، بهدف تأمينهم قوافل المساعدات.
إسرائيل ترى أن مَن يتحكم في نقل المساعدات وتوزيعها حالياً هو من سيكون الحاكم الفعلي لغزة.
المشكلة الرئيسية في تلك الخطة، تتمثل في بحث الجيش الإسرائيلي عن فصيل يمكنه حمل السلاح وتأمين المساعدات في غزة.
الجيش الإسرائيلي حاول بالفعل تنسيق نقل مساعدات للشمال عبر رجال أعمال معروفين، وقبل بعضهم من باب الحاجة الماسة إلى القيام بهذا الدور، ولكن انتهى الأمر بكارثة في شهر فبراير الماضي فيما عُرف بـ"مجزرة الطحين".
كما حاولت إسرائيل التواصل مع عائلات كبرى مثل دغمش وأبووردة، وجرى الحديث عن حكم عشائري للعائلات الكبرى في القطاع، لكن لجنة العشائر في غزة أصدرت بيانا ترفض لعب هذا الدور.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة