نتنياهو يستبق "مذكرات لاهاي" بسيناريوهات انتقام

في شهر فبراير الماضي، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إنه يشعر بقلق عميق إزاء سلوك الجيش الإسرائيلي، وكذلك استمرار احتجاز مقاتلي حماس لإسرائيليين في غزة.

وقال خان في ذلك الوقت: "أولئك الذين لا يلتزمون بالقانون يجب ألا يشتكوا لاحقا عندما يتخذ مكتبي إجراء ضدهم وفقا لتفويضه".

تعمل المحكمة الجنائية الدولية بصورة منفصلة ومختلفة عن محكمة العدل الدولية، فالأخيرة يمكنها فض النزاعات بين الدول، في حين قضاة لاهاي يمكنهم ملاحقة واعتقال ومحاكمة أفراد بعينهم، لمسؤوليتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتحقق المحكمة منذ عام 2021 في جرائم حرب محتملة، ارتكبتها القوات الإسرائيلية والمسلحون الفلسطينيون، يعود تاريخها إلى الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014. ومُدّد التحقيق ليشمل هجمات 7 أكتوبر والحرب المستمرة في غزة منذ ذلك الحين، وفقا لمكتب المدعي العام.

الحكومة الإسرائيلية عقدت اجتماعات عالية المستوى، لدراسة خطوات لعرقلة إصدار مذكرات الاعتقال تلك، وتواصلت مع الولايات المتحدة وأخبرتها بأن لديها معلومات حول قرب إصدار أوامر الاعتقال.

نتنياهو جدد حديثه عن مذكرات الاعتقال الدولية في حديثه مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأحد الماضي، وطلب منه المساعدة والضغط على المحكمة، بحسب موقع أكسيوس.

إسرائيل تخشى من امتداد تداعيات أوامر الاعتقال تلك إلى ما هو أخطر من مجرد تقييد حركة نتنياهو وبعض وزرائه، أو منعهم من السفر لأكثر من 120 دولة خشية الاعتقال، إذ ترى أن توجيه اتهام جرائم حرب ضد قادتها سيؤدي إلى تضاعف موجات الكراهية والانتقاد والمظاهرات ضدها، ويزيد من عزلتها الدولية ومقاطعتها الاقتصادية والثقافية والسياسية.

وقد يؤدي ذلك أيضا لخطوات من شأنها تعريض صفقات السلاح والمساعدات العسكرية الغربية لإسرائيل للخطر.

الإدارة الأميركية بدورها تحاول تهوين الموقف وطمأنة الإسرائيليين، والقول إن إصدار مذكرات الاعتقال ليس بالأمر الوشيك، بحسب أكسيوس.

المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، قالت للصحافيين، الإثنين: "لقد كنا واضحين للغاية بشأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.. نحن لا نؤيده. لا نعتقد أن لديهم السلطة القضائية".

الجمهوريون في الكونغرس الأميركي هددوا كذلك بإصدار تشريعات ضد المحكمة الجنائية في حال ملاحقتها إسرائيل، وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت، إن نتنياهو لجأ لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ليضغطوا على المحكمة.

ومن المعروف أن لإسرائيل نفوذا أكبر على الكونغرس الأميركي من البيت الأبيض من حيث سن التشريعات واستصدار البيانات الموالية.

بحسب صحيفتي أكسيوس الأميركية ووالا الإسرائيلية فإن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين حذروا إدارة بايدن من أن تل أبيب ستتخذ خطوات انتقامية ضد السلطة الفلسطينية، حال صدور مذكرات الاعتقال، ما قد يؤدي إلى انهيارها.

إسرائيل هددت بأنها ستعتبر السلطة الفلسطينية مسؤولة عن مذكرات الاعتقال تلك، بسبب انضمامها إلى المحكمة ورفع قضايا ضدها.

ومن بين الإجراءات الانتقامية التي توعدت بها إسرائيل السلطة، تجميد تحويل عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عنها وفقا لبروتوكول باريس.

ومنذ الـ7 من أكتوبر، اقتطعت إسرائيل ما يقارب نصف تلك الأموال بحجة منع وصولها لغزة، وحولت بعد أشهر عدة أموال السلطة المجمدة إلى صندوق مغلق في النرويج بموجب اتفاقية مؤقتة برعاية أميركية.

ومن دون أموال المقاصة، ستكون السلطة مهددة بالانهيار، لعدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها أو مصاريف تشغيل الحكومة وخدماتها.

وتهدد إسرائيل بخطوات إضافية ضد السلطة مثل إلغاء تصاريح السفر والتنقل لموظفي ومسؤولي الحكومة وعرقلة وتقييد الصادرات والواردات الفلسطينية، لشل الاقتصاد وحتى قطع الكهرباء عن سكان الضفة الغربية وفرض حصار على مدنها، وعزلها عن بعضها البعض.

بحسب صحيفة بلومبرغ، فإن إسرائيل هددت بالانسحاب من مفاوضات الهدنة في غزة في حال إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين.

وأضافت الصحيفة الأميركية، أن مجموعة الدول السبع -التي تضم كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة- بدأت جهودا دبلوماسية هادئة لنقل هذه الرسالة إلى محكمة لاهاي ومطالبتها بعدم اتخاذ أي خطوة ضد إسرائيل، للمحافظة على فرص التوصل لاتفاق بشأن غزة.

وتقول بلومبرغ، إن الفجوة بين إسرائيل وحماس بشأن الاتفاق ضاقت خلال الأسابيع الأخيرة، وإن الصفقة أصبحت الآن قريبة.

إسرائيل تهدد أيضا بأنه إذا أُصدرت مذكرات اعتقال ضد قادة الحكومة فإنها ستعاقب غزة باستخدام المزيد من القوة المفرطة في القصف والهجوم البري، وستهاجم مدينة رفح من دون رادع.

وتوقعت الكاتبة الإسرائيلية اليمينية البارزة، كارولينا جليك، بأنه في حال تصنيف محكمة لاهاي قادة إسرائيل مجرمي حرب، فإنه لن يكون لديهم شيء ليخسروه من تصعيد ومواصلة القتال في غزة حتى النهاية بعد تلويث سمعتهم.

في هذه الحالة، سيكون دخول إسرائيل لرفح "كارثيا"، كما تحذر الهيئات الأممية لشهور، من حيث عدد الضحايا المباشر وتداعيات الهجوم من مفاقمة أزمات التجويع وانتشار الأمراض ودمار المساكن والبنية التحتية.

لكن في الوقت نفسه، ملاحقة محكمة الجنايات الدولية قادة الحكومة الإسرائيلية قد تجعل من الصعب على الحكومة الأميركية والحكومات الأوروبية مواصلة تقديم السلاح والمساعدات المالية والعسكرية والتعاون مع حكومة متهمة بجرائم حرب.

وقد يرفع من مستوى المظاهرات والضغط الشعبي المطالب بإنهاء الحرب.