سياسة
.
هجوم حماس المباغت ضد إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، أسقط مئات القتلى والجرحى، لكن ذلك لم يكن الضربة الوحيدة، إذ تلقت تل أبيب ضربات عدة في جبهات مختلفة.
ركزت حماس هجومها على يوم 7 أكتوبر فقط، وتراجعت إلى قطاع غزة، مستفيدة بحصيلة غير مسبوقة من الأسرى الإسرائيليين، وتحولت عملياتها العسكرية إلى داخل غزة، وسط حرب شرسة تسببت في إصابة وقتل أكثر من 130 ألف فلسطيني.
وبخلاف الضربات الصاروخية التي تعرضت لها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، سواء من غزة أو خارجها من أطراف أخرى مثل حزب الله وإيران، تلقت تل أبيب ضربات مؤلمة على المستوى الدولي من جهات ومؤسسات ودول عدة. تنوعت بين ملاحقات دولية جنائية وقانونية، ومنع منحها السلاح، واتساع رقعة الصراع العسكري، وتوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
فما هي أبرز هذه الضربات؟
نظرت محكمة العدل الدولية دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل التي تواجه اتهاما بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، لتصدر حكما تاريخيا.
رفضت إسرائيل في البداية مطالبات محاكمتها في العدل الدولية، لكن المحاكمة حدثت بالفعل في يناير الماضي، وصدرت أوامر تعتمد على 6 إجراءات واجبة النفاذ على الجيش الإسرائيلي في غزة.
وطالبت المحكمة إسرائيل باتخاذ التدابير كافة لمنع الإبادة الجماعية، وضمان عدم ارتكاب قواتها هذه الجريمة، واتخاذ ما يلزم لتحسين الوضع الإنساني في غزة، والحفاظ على الأدلة المتعلقة باتهامات الإبادة الجماعية، وإلزامها باحترام القانون الدولي، وتقديم تقريرها إلى المحكمة خلال شهر.
وشددت محكمة العدل الدولية على ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الذي ينص على عدم قتل أعضاء من جماعة أو إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بهم، أو إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية صعبة يراد بها التدمير كليا أو جزئيا.
وأبدت الحكومة الإسرائيلية انزعاجها الشديد من الدعوى التي استندت إلى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1948 والتي نصت على منع جرائم الإبادة الجماعية، وتشديد العقوبات على مرتكبيها وفقا للقانون الدولي.
وفي الـ10 من مايو الجاري، تقدمت جنوب أفريقيا بطلب عاجل جديد إلى محكمة العدل الدولية، للإشارة إلى تدابير إضافية وتعديل التدابير المؤقتة السابقة حول انتهاكات إسرائيل في قطاع غزة.
وأعلنت مصر الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، ما يعني إمكانية تقديم أدلة لثبوت تهمة الإبادة الجماعية، للدولة التي تمتلك معبرا بريا مباشرا إلى غزة، وتشاركها الحدود وكذلك مع إسرائيل.
وفي جلستها الأخيرة، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرا إلى إسرائيل، بضرورة الإيقاف الفوري للهجوم العسكري في رفح، والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة من دون شروط.
واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اتهامات كثيرة حول تعمده قتل المدنيين في غزة وارتكاب جرائم حرب ترتقي إلى جريمة الإبادة الجماعية. لكن هذه الاتهامات لم تكن رسمية، حتى فجرت المحكمة الجنائية الدولية مفاجأة منذ أيام.
وكشف مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، عن طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وكانت إسرائيل تنتظر صدور مذكرات اعتقال بحق يحيى السنوار وقيادات حماس، وهو ما حدث بالفعل، لكن صاحبته قرارات باعتقال رأس الحكومة ورأس الجيش الإسرائيلي.
قرار المدعي العام للجنائية الدولية أثار غضبا غير مسبوق في تل أبيب، ليخرج الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، ويهاجم القرار معتبرا أنه "أكثر من شائن"، ومؤكدا أن النظام القضائي الدولي يتعرض لخطر الانهيار.
وعقب نتنياهو على القرار، قائلا: "أمر عبثي"، وخطوة تستهدف إسرائيل بأكملها وليس هو شخصيا ووزير دفاعه.
واعتبر أن مقارنة المدعي العام في لاهاي بين دولة إسرائيل التي وصفها بالديمقراطية، وعناصر حماس، هو أمر مثير للاشمئزاز، على حد قوله.
الغضب الإسرائيلي من مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت، جعل وزير الخارجية يصف ما حدث بالـ"فضيحة" التي تعادل هجوم حماس في الـ7 من أكتوبر، معلنا تشكيل "غرفة حرب خاصة لتحدي تحرك المحكمة"، مؤكدا أنه لا توجد قوة في العالم قادرة على منع إسرائيل من المضي قدما في غزة للإطاحة بحماس.
إصرار إسرائيل على الاستمرار في قصف قطاع غزة بالكامل وقتل آلاف المدنيين، صنع حالة من الرفض الدولي لأفعالها، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية أكبر حلفائها لتعليق بعض المساعدات العسكرية.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، قال في مقابلة مع سي إن إن، إن بلاده ستوقف إرسال قذائف مدفعية وقنابل طائرات مقاتلة وبعض الأسلحة التي يمكن أن تهاجم بها إسرائيل مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وتعتبر ألمانيا ثاني أكبر مورد للسلاح لإسرائيل، لكنها خفضت صادراتها العسكرية بعد الانتقادات الدولية التي طاولت إسرائيل، مع زيادة الضحايا من الفلسطينيين المدنيين، لتعلن في أبريل الماضي أنها سمحت بشحنات عسكرية ضئيلة للغاية لإسرائيل قيمتها لا تتعدى 33 ألف يورو.
ورفضت إيطاليا مد إسرائيل بالسلاح خلال حربها على غزة، وفقا لقانون محلي هناك يحظر تصدير الأسلحة للدول التي تخوض حروبا، حتى لا تنتهك حقوق الإنسان والقوانين الدولية بالسلاح الإيطالي.
وعطّل القضاء الهولندي شحنات الأسلحة التي تذهب إلى إسرائيل، إذ تشتهر بتصدير قطع غيار الطائرات الحربية المقاتلة لسلاح الجو الإسرائيلي، لكنها توقفت بشكل تام بقرار قضائي.
وأعلنت الحكومة الكندية تجميد شحنات السلاح إلى إسرائيل، لأجل غير مسمى، حتى تضمن استخدامها بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، بعد ورود تقارير تثبت انتهاكات الجيش الإسرائيلي واستهداف المدنيين جوا وبرا في غزة.
بعد اندلاع حرب غزة، أعلنت جماعة حزب الله المدعومة من إيران، تدخلها في الصراع، وقصف مناطق شمالي إسرائيل.
وتبادلت إسرائيل إطلاق النار والقصف مع حزب الله، ووجهت ضربات مباشرة إلى الأراضي اللبنانية، لتفتح جبهة نارية أخرى في الشمال، بالإضافة إلى الجبهة المفتوحة بالفعل مع حركة حماس في قطاع غزة.
ولم تسلم إسرائيل من وكلاء إيران في المنطقة، إذ استهدفت جماعة الحوثي سفنها والسفن المتوجهة إلى موانئها بالصواريخ والمسيرات، كما تلقت هجمات من جماعات مسلحة بالعراق.
وفتحت إسرائيل جبهة أخرى بضرب الأراضي السورية مستهدفة دبلوماسيين إيرانيين، الأمر الذي استدعى ردا من إيران.
وظلت إسرائيل تترقب الرد الإيراني بحذر، إلى أن قُصفت لأول مرة بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة، لكنها نجحت في التصدي لأغلبها بمساعدة من حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
تمسكت إسرائيل بالرد العسكري ضد إيران، وقصفت بعض المناطق في أصفهان، من دون وقوع خسائر، ليكتفي الطرفان بهذه الجولة من الهجمات المتبادلة، مع استمرار التوتر الذي يمكن أن يعيد فتح الجبهة بينهما في أي لحظة.
وباقتحامها معبر رفح بين قطاع غزة وسيناء، أغضبت إسرائيل الإدارة المصرية بشدة، لتصعّد القاهرة موقفها، وتنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية، وألمحت ليقظتها العسكرية، وفقا لمصادر رفيعة المستوى لقناة القاهرة الإخبارية.
في أعقاب ضربة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، واجه نتنياهو وحكومته، انتقادات وهجوما داخليا واسعا، حول مسؤوليتهم عن الهجوم الذي أودى بحياة المئات.
وانتشرت المظاهرات في إسرائيل، من أجل مطالبته بالرحيل وترك منصبه، وتزايدت حدتها بسبب التباطؤ في التوصل لصفقة لاستعادة الأسرى.
وتجري إسرائيل مفاوضات طويلة المدى مع حركة حماس من أجل الإفراج عن الأسرى المحتجزين بقطاع غزة، مقابل الإفراج عن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين اعتقلوا قبل وبعد 7 أكتوبر.
كما ظهرت خلافات داخلية عميقة للغاية بين وزراء مجلس الحرب الإسرائيلي، حول أهداف المعركة، ووصل الأمر إلى تصريحات لبعض الوزراء ضد البعض الآخر.
وتلقى نتنياهو هجوما جديدا من الإعلام الإسرائيلي الذي أكد تجاهله تحذيرات قبل هجوم حماس، لينفي رئيس الوزراء الإسرائيلي الأمر برمته، ويلقي الاتهام على التقارير التي وردت إليه، إذ قال إنها استبعدت تماما فكرة وجود أي نية لحماس بالهجوم من داخل قطاع غزة.
وتسبب طول فترة الحرب في اشتعال أزمة إعفاء الجنود الحريديم من الانضمام للجيش، خاصة مع تزايد التذمر داخل وحدات الاحتياط لطول فترة خدمتهم.
انطلق الجيش الإسرائيلي في قصف عشوائي على قطاع غزة، من دون التفرقة بين المدنيين وأعضاء حركة حماس المستهدفين، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتحذير نتنياهو في ديسمبر الماضي، حول فقد الدعم الدولي بسبب هذه التصرفات.
وفي فبراير الماضي أعلن بايدن أنه يمارس ضغطا كبيرا على إسرائيل من أجل وقف القتال في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الرد الإسرائيلي تجاوز الحد، وتسبب في موت الأبرياء، وتضور الذين على قيد الحياة من الجوع والظروف المعيشية السيئة.
ونشر موقع أكسيوس الأميركي تقريرا في ديسمبر 2023 أكد خلاله أن العلاقة بين بايدن ونتنياهو توترت بشكل متزايد، للدرجة التي جعلت الرئيس الأميركي يغلق الهاتف في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد مكالمة استمرت 45 دقيقة من دون جدوى.
وانقطعت الاتصالات بين بايدن ونتنياهو لمدة قاربت الشهر، بعد أن كانا يتواصلان كل يومين على الأكثر منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، وكان اللقاء الأول بعد المكالمة العاصفة، في 19 يناير الماضي، ليتحدثا هاتفيا لمدة 40 دقيقة، وتحصل واشنطن على وعود إسرائيل بإدخال المساعدات إلى غزة وتجنب استهداف المدنيين.
وشهدت العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح توترا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر الماضي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ أعلنت الإدارة الأميركية رفضها التام لهذه العملية، وردت إسرائيل بأنها ستمضي قدما من دون الحاجة إلى دعم أميركي.
وفي مايو الجاري وجه بايدن تحذيرا علنيا لإسرائيل حول عملية رفح، وأعلن إيقاف إرسال بعض المساعدات العسكرية التي يمكن أن تستخدم في عمليات هجومية على جنوب قطاع غزة.
لكن إسرائيل تحدت واشنطن، وأكدت أن لديها ما يكفي من الأسلحة والذخائر لتنفيذ عملياتها العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، وما يكفي لعمليات أخرى، وتجاهلت التحذيرات الأميركية، وبدأت بالفعل ضرب رفح والتوغل بها.
يعد الاعتراف بفلسطين، الضربة الأكبر لحكومة إسرائيل بعد 7 أكتوبر، إذ تعتبر تل أبيب أن أي دولة تعترف بفلسطين "ستؤخر عمليات السلام وستدعم الإرهاب".
نتنياهو قال إن اعتراف بعض الدول بفلسطين في الوقت الراهن بمثابة مكافأة للإرهاب، مشيرا إلى أن الدولة الفلسطينية ستكون دولة إرهاب، وستعمل دائما على تنفيذ مذابح مثل 7 أكتوبر، مؤكدا رفض بلاده إقامة الدولة الفلسطينة.
لكن الكثير من الدول الأوروبية أبدت مرونة في الموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين، رغم التحذيرات الإسرائيلية المستمرة، والجهود الدبلوماسية من أجل وقف هذه الخطوة التي تزعج إسرائيل حكومة وشعبا.
وبعد نحو 3 أسابيع من بدء الحرب في أكتوبر الماضي، أعلنت السويد الاعتراف رسميا بدولة فلسطين من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره، وفقا لبيان الخارجية السويدية في 30 أكتوبر 2023.
وفتحت الأمم المتحدة باب التصويت على منح فلسطين عضوية كاملة في الجمعية العامة، لتحصل على 143 صوتا من أصل 193 صوتا، وتدخلت الولايات المتحدة الأميركية لوقف مشروع القرار الذي كان سيوصي بمنح فلسطين العضوية الكاملة.
وأعلنت دول إسبانيا والنرويج وأيرلندا، أنها ستعترف بدولة فلسطين رسميا يوم 28 مايو المقبل، فاتحة المجال أمام دولا أوروبية أخرى على أن تتبعها في هذه الخطوة، لمنح الشعب الفلسطيني حقا من حقوقه.
الدول الثلاث الأوروبية المتحالفة بشأن الاعتراف بفلسطين، كشفت أن خطوتها ترمي إلى التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
وكشفت إسبانيا والنرويج وأيرلندا عن أن اعترافها بدولة فلسطين سيكون على أساس ترسيم حدودها كما كانت قبل عام 1967، مع اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وفلسطين، لكن الدول الأوروبية الـ3 فتحت الباب أمام التفاوض حول ترسيم الحدود في تسوية نهائية.
وقال رئيس الوزراء الأيرلندي، سيمون هاريس، إن الاعتراف بفلسطين ليس معناه عدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والعيش في أمن، مشيرا إلى أن بلاده ستحول مكتبها في الضفة الغربية إلى سفارة كاملة، وسيمنح فلسطين في بلاده سفارة حقيقية.
واتخذت إسرائيل خطوات فورية ضد إسبانيا وأيرلندا والنرويج، واستدعت سفراءها هناك من أجل إجراء مشاورات عاجلة قبل الإعلان الرسمي.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده لن تترك الاعتراف بفلسطين من الدول الأوروبية الثلاث يمر بهدوء، معتبرا أن هذا القرار "ملتوٍ" وسيجلب المزيد من العواقب الوخيمة.
لكن الدول الأوروبية الثلاث لم تعر التحذيرات الإسرائيلية اهتماما، وكشف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن أن بلاده ستعترف بفلسطين من أجل دعم عملية السلام ووقف إطلاق النار في غزة، داعيا الدول الأوروبية الأخرى للانضمام إلى هذه الخطوة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسط ترحيب كبير من دول أخرى مثل مالطا وسلوفينيا، بخلاف النرويج وأيرلندا.
الأمر لم يتوقف عند الاعتراف بفلسطين، إذ حرصت بعض الدول على قطع علاقاتها مع إسرائيل على خلفية حرب غزة، من بينها بوليفيا وكولومبيا وهندوراس وتشيلي وجنوب أفريقيا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة