جبهة لبنان توحد الخصوم بإسرائيل وتقسم الحكومة

على مدار أشهر الحرب الإسرائيلية الـ8، أكثر عبارة رددها سكان بلدات الشمال الإسرائيلي والإعلام وقادة المعارضة هي الشعور بـ"تخلي الحكومة" عنهم وتركهم وحدهم.

ومنذ الـ7 من أكتوبر، فر أكثر من 135 ألف إسرائيلي من الكيبوتسات المحاذية لقطاع غزّة وجنوب لبنان، تاركين خلفهم مساحات شاسعة من الأراضي التي أصبحت "مناطق محرمة" بسلطة الأمر الواقع. وحتى اللحظة، هناك أكثر من 60 ألف إسرائيلي نازح من بلدات الشمال يعيشون في فنادق وخيام وفي منازل الأصدقاء والأقارب وسط البلاد.

أما من بقوا على أطراف بلدات الشمال، فيواجهون قذائف وصواريخ وحرائق شبه يومية تعجز حكومتهم عن إيقافها. والإثنين الماضي فقط، التهمت الحرائق أكثر من 2500 هكتار من الأراضي في الشمال بفعل صواريخ حزب الله.

المدارس في الشمال مغلقة، ولا يعرف الطلاب إذا ما كانوا سيعودون إلى مقاعد الدراسة مع بدء العام الدراسي الجديد. وأصحاب المشروعات والمحال التجارية يقولون إن الحكومة تخلت عنهم، وأعمالهم تنهار في بلدات الشمال، ولا يستطيعون الحصول على تعويضات كافية.

صحيفة يديعوت أحرونوت قالت، إن غرق إسرائيل في الوحل في غزّة يعني المزيد من التخلي عن الشمال، لأن الساحتين مرتبطتان، والتصعيد في غزّة مرتبط بمزيد من التصعيد في الشمال.

كل هذا يخلق ضغطا على الحكومة للتحرك بأحد خيارين، إما التوصل لاتفاق تهدئة في غزّة واستعادة الأسرى، وبالتالي زيادة فرص استعادة الهدوء في الشمال، وإما التحرك عسكريا ضد حزب الله والمجازفة بعدم القدرة على تحمل حرب متعددة الجبهات.

لكن بعض الإسرائيليين يرون أن حكومة نتنياهو ستختار شيئا ثالثا، هو التقاعس وتجاهل المشكلة في الشمال والتخلي عن سكانه.

بعد اندلاع الحرائق في الشمال، توجه وزيرا الحرب، بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، للقاء رؤساء السلطات المحلية في تلك المنطقة. وكشفت صحيفة معاريف عن "أشياء مثيرة للقلق قالها الوزير غانتس حينها".

غانتس أخبر رؤساء السلطات بأنه ينبغي عليهم عدم التفكير في الحاضر المؤلم، لأن المستقبل سيكون أشد إشكالية وأكثر سوءا.

وأضاف وزير الدفاع السابق ووزير الحرب الحالي: "استعدوا لقتال أكثر صعوبة، استعدوا لأيام أكثر صعوبة هنا. قد يؤدي ذلك إلى الحرب، نعم، أنظر في أعينكم وأقول لكم. لا تقلقوا بشأن الحاضر، فكروا في المستقبل. لن يكون الأمر بلا ثمن. سنلتقي في لحظات مؤلمة للغاية عندما يحدث هذا الشيء، لن نهرب منه، ولن تهربوا منه كذلك".

هذه المصارحة القاسية كما وصفتها معاريف تعتبر نذير شؤم بما ينتظر إسرائيل حال فتح جبهة جديدة ضد لبنان.

القناة 12 الإسرائيلية كشفت عن أن مسؤولين كبارا على المستوى السياسي عقدوا يوم الثلاثاء اجتماعا مغلقا، لمناقشة مستقبل المعركة ضد حزب الله، إثر التصعيد في الشمال.

وزيرا الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت أشارا إلى أن على إسرائيل أن تسعى جاهدة للتوصل إلى اتفاق مع حماس من أجل التركيز على حملة في الشمال.

لكن رئيس الوزراء نتنياهو اعترض، وقال إن تحقيق أهداف الحرب في غزة هو الأولوية القصوى، وحينها فقط سيكون من المناسب التعامل مع الشمال.

وأيد وزير الدفاع، يوآف غالانت، رفع مستوى التصعيد ضد حزب الله، ولكنه اشترط للذهاب إلى حرب في الشمال استنفاد الطرق الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق تهدئة أولا.

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن هناك حاليا "فرصة استراتيجية" لبدء معركة في الشمال، ولكن من الأفضل إنهاء القتال في رفح أولا قبل ذلك.

بحسب القناة 12، فإن حجة الفريق المناصر لحرب في الشمال هي أنه يجب إلحاق ضرر حقيقي بقدرات حزب الله لأول مرة منذ 2006 لتجديد الردع الإسرائيلي، وأنه لا يوجد حاليا احتمال لانتهاء الحرب في الجنوب، لذلك لا يجب الانتظار أكثر حتى حسم المعركة في غزّة قبل الالتفات للشمال.

ويرى ذلك الفريق أن حربا في جنوب لبنان ستساعد في فرض اتفاق صارم لإنهاء الحرب واستعادة الهدوء بشروط إسرائيلية.

أما الفريق المعارض فيرى أنه ينبغي التركيز على القتال في غزّة، وأنه حتى لو شنت إسرائيل حربا في الشمال، فلن تتمكن من إلحاق الهزيمة أو الشعور بالنصر تجاه حزب الله، ولن تتمكن من إزالة تهديد قوة الرضوان إلا باحتلال مكلف لجنوب لبنان.

حينها، سيكون أعلى سقف توقعات إسرائيل هو تدمير بعض قدرات الحزب، وستنتهي تلك الحرب باتفاق لاستعادة الهدوء يمكن تحقيقه من الآن بإنجاز اتفاق في غزّة أو بحسم الحرب فيها.

فريق ثالث في الحكومة الإسرائيلية يطالب بفتح معركة فورية في الشمال واحتلال جنوب لبنان بالكامل حتى نهر الليطاني. ويعتبر بعض أنصار ذلك الفريق أن جنوب لبنان من "أرض إسرائيل التاريخية"، حسب زعمهم.

أبرز مناصري هذا التيار، هو وزير المالية سموتريتش الذي قال عند حائط المبكى، الأربعاء الماضي: "في طريقنا إلى هنا سمعنا عن حادث خطير أسفر عن سقوط ضحايا في الشمال. أريد أن أدعو رئيس الوزراء من هنا: أحصل على القوة من الحاخامات الموجودين هنا، وأعطِ الأمر واذهب إلى الحرب مع حزب الله وقرر ودمر وانقل مقر أمن القطاع من الجليل إلى جنوب لبنان".

ودعا سموتريتش أيضا إلى إلحاق دمار كبير ببيروت، واصفا إياها بأنها "عاصمة الإرهاب"، على حد تعبيره، بالإضافة إلى جميع البنى التحتية اللبنانية.

وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، ورئيس حزب إسرائيل بيتنا المعارض، أفيغدور ليبرمان، أيضا قال إن إسرائيل قد تجد أن عليها احتلال جنوب لبنان لـ50 عاما.

مساء الثلاثاء، أطل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، بتصريح قال فيه "إننا نقترب من نقطة يجب فيها اتخاذ قرار، والجيش الإسرائيلي مستعد، ومستعد للغاية، لهذا القرار"، في تلميح للذهاب إلى حرب في الشمال.

الجيش الإسرائيلي يزعم جاهزيته وقدرته على "تحقيق أي هدف يسند إليه" بما في ذلك شن هجوم كبير في لبنان. وأقرت الحكومة رفع عدد جنود احتياط الجيش لنحو 350 ألفا بحلول شهر أغسطس.

ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول عسكري كبير، أن الجيش قدم للقيادة السياسية ما وصفه بـ"سلة واسعة من الأدوات" تتراوح بين هجمات قوية من شأنها تحسين الرد الإسرائيلي على الوضع في الشمال، أو عملية عسكرية محدودة، أو اجتياح بري محدود داخل الأراضي اللبنانية. ويرى أن تلك المناورة البرّية يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى حرب شاملة.

لكن اللواء (احتياط) عاموس مالكا، الرئيس السابق لجهاز أمان الاستخباراتي، قال إن الجيش يمكنه أن "يعد نفسه لمليون سيناريو"، لكن لن يحقق شيئا في غياب الحديث عما ينبغي تحقيقه من المعركة في الشمال.

وحذر مالكا من أن إسرائيل ليست مستعدة لتحقيق أهداف تلك المعركة مثل إزالة تهديد الصواريخ بشكل كامل من جنوب لبنان، لأن ذلك سيستغرق فترة طويلة وستنطوي عليه خسائر فادحة للجيش وإسرائيل، بالإضافة إلى كون إسرائيل "غير مبنية على حروب طويلة أو متعددة الجبهات".

كذلك حذر اللواء (احتياط) يتسحاق بريك من أن الحكومة يجب عليها أن تقول الحقيقة للجمهور الإسرائيلي، بأن حرباً في الشمال ستجلب "كارثة" على إسرائيل، وأنهم ليسوا جاهزين.

وقال بريك، إنه في حال اندلاع حرب في الشمال، فإن إسرائيل ستواجه في كل يوم هجوم أكثر من 3 آلاف صاروخ وطائرة مسيرة على مدنها المختلفة وتدميرا لبناها التحتية مثل محطات الكهرباء والمياه ومنشآت تخزين الوقود والغاز والمنشآت الصناعية ومعسكرات الجيش.

وأضاف أن تدمير مستوطنات الشمال في الأشهر الثمانية الماضية، يعد لا شيء بالمقارنة بما سيحدث لإسرائيل في حال نشوب حرب متعددة الجبهات، خاصة إذا دخلت سوريا وإيران والمليشيات في العراق على الخط.

وحذر من أن "من يتابع تدمير مستوطناتنا في الشمال يدرك أنه ليس لدينا أي دفاع حقيقي ضد صواريخ حزب الله وقذائفه وطائراته المسيرة".

كذلك قالت صحيفة هآرتس "لا تصدقوا رئيس أركان الجيش، نحن لسنا جاهزين لحرب في لبنان". وأضافت الصحيفة أن جنود الاحتياط وعائلاتهم منهكون بسبب القتال في غزّة لثمانية أشهر، وأن رئيس الأركان "يعيش في فيلم"، ولا يعي واقع جنوده على الأرض، وأن الحرب في الشمال ستلحق بإسرائيل دمارا واسعا.