غواصات ألمانيا "تدين" نتنياهو بـ7 أكتوبر

أولى الصفقات الـ4 التي تشكل "القضية 3000" كانت تتعلق بشراء غواصة متطورة من طراز دولفين، لتكون الغواصة الـ6 من هذا الطراز لدى البحرية الإسرائيلية.

نتنياهو دفع بشراء تلك الغواصة بعد عودته لكرسي السلطة في مارس 2009، ووقعت إسرائيل العقد رسميا مع شركة تيسنكروب في عام 2012، ليتم تسليم الغواصة في عام 2019.

أما الصفقة الثانية، فقد دفعت بها الحكومة في عام 2016 لشراء 3 غواصات أخرى من طراز دولفين من نفس الشركة الألمانية بقيمة 1.5 مليار يورو، وهو ما كان يتعارض مع رأي وزير الدفاع آنذاك موشيه يعالون ومسؤولين دفاعيين آخرين، أكدوا أن إسرائيل لا تحتاج لهذا العدد الكبير من الغواصات.

الصفقة الثالثة، تتعلق بطرح إسرائيل في عام 2016 لعطاء مناقصة لشراء 4 طرادات كورفيت ساعر 6 بحمولة 1200 طن لحماية أصول الغاز البحرية الإسرائيلية بتكلفة 450 مليون يورو.

مناقصة توريد السفن تنافست فيها شركات بناء سفن من كوريا الجنوبية، وإيطاليا، وألمانيا، ولم تشارك شركة تيسنكروب في العطاء لأنها لا تصنّع هذا النوع من السفن.

لكن مع ذلك، ألغت الحكومة الإسرائيلية المناقصة فجأة، وسلمت المشروع حصريا لشركة تيسنكروب، وغيّرت المتطلبات لتصبح السفن ذات حمولة 2000 طن، وهو الحجم الذي تصنّعه الشركة الألمانية.

أما الصفقة الـ4، فمرتبطة بقضية شراء مصر غواصتين من طراز دولفين الألمانية، مماثلة لتلك التي تمتلكها البحرية الإسرائيلية، وسفينتين حربيتين مضادتين للغواصات.

طلبت القاهرة تلك الغواصات البحرية من ألمانيا في عام 2014، لكن ألمانيا طلبت إذن إسرائيل لبيع تلك الغواصات المتقدمة لمصر، للحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي العسكري في المنطقة.

وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يعالون رفض الطلب ولم يوافق على تصدير تلك الغواصات لمصر، ولكن الصفقة مضت قدما على أي حال.

وفي عام 2015، طلب يعالون من الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، الذي كان يجتمع مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الاستفسار عن سبب المضي قدماً في عملية البيع على الرغم من عدم موافقة يعالون عليها، لترد ميركل بأن نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لتلك العملية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفى موافقته على الصفقة الألمانية-المصرية، لكن مدير الشؤون السياسية العسكرية في وزارة الدفاع في ذلك الوقت عاموس جلعاد، أخبر الشرطة أن نتنياهو وافق على الصفقة دون استشارة الوزارة أو إخطارها.

قضية الغواصات أطاحت بعدد من المسؤولين الإسرائيليين بعد أن وقع ميكي غانور، الوكيل السابق في إسرائيل لشركة ThyssenKrupp، اتفاقاً مع المدعين العامين في 2017 للتعاون في التحقيق، واعترف برشوة سلسلة من كبار المسؤولين من أجل المساعدة في تأمين عقود الغواصات والسفن مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وفي عام 2018، أوصت الشرطة بتوجيه اتهامات بالرشوة ضد شخصيات بارزة في نخبة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بالإضافة إلى العديد من المقربين من رئيس الوزراء نتنياهو.

وبحسب وثائق الشرطة عام 2019، فإن هناك أدلة كافية لاتهام محامي نتنياهو الشخصي وابن عمه ديفيد شيمرون، بتهم الرشوة وغسل الأموال لدوره في القضية.

وإلى جانب شيمرون، قالت الشرطة إن المدير السابق لمكتب نتنياهو، ديفيد شاران، مشتبه به أيضا بالرشوة، وكذلك القائد السابق للبحرية الإسرائيلية، العميد إليعازر ماروم والعميد (احتياط) شاي بروش، القائد السابق لوحدة كوماندوز النخبة 13 التابعة للبحرية.

كما تم إدراج الجنرال (احتياط) أفريل بار يوسف، النائب السابق لمستشار الأمن القومي، والوزير السابق إليعازر ساندبرغ، ضمن قائمة المشتبه بهم.

وفي عام 2019، طلب غانور فجأة تغيير أجزاء من شهادته، وقال لمحققي الشرطة إنه "لم يقدم رشوة لأحد"، ليتم القبض عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية وتجريده من صفة شاهد.

وفي عام 2021، أغلقت الشرطة القضية ضد شيمرون وماروم، ولكنها وجهت تهما رسمية لغانور وشاران وبار يوسف وساندبرغ وبروش، بالإضافة لرامي طيب المستشار السياسي السابق لوزير الليكود يوفال شتاينتس، والمستشار الإعلامي يتسحاق ليبر.

الجوانب الجنائية لتلك الصفقات التجارية ما زالت تخضع حاليا للمراجعة من قبل المحكمة المركزية في تل أبيب.

رغم أن نتنياهو كان هو القوة الدافعة وراء صفقات السفن البحرية، إلا أنه لم تتم توجيه أي تهم إليه في تلك القضية.

ولكن في العام 2019، وجد مكتب مراقب الدولة أن نتنياهو وابن عمه، رجل الأعمال الأميركي ناثان ميليكوفسكي، كانا في السابق مساهمين في شركة لها علاقات مع تيسنكروب تدعى SeaDrift Coke، التي تنتج فحم الكوك المستخدم في تصنيع أقطاب الغرافيت الداخلة في أفران إنتاج الصلب.

في نوفمبر 2010، تم الاستحواذ على SeaDrift من قبل مجموعة شركات تعمل في نفس المجال، تدعى GrafTech International، وهي المورد لشركة تيسنكروب الألمانية.

نتنياهو ادعى أولا أنه حصل على تلك الأسهم عندما كان مواطنا عاديا، ولكن بدا وكأنه يغير قصته لاحقا واعترف بأنه أصبح مساهما في SeaDrift في عام 2007 أثناء عمله كزعيم للمعارضة، بينما قال موقع TheMarker إن نتنياهو اشترى أسهم SeaDrift في أبريل 2005، عندما كان وزيرا للمالية.

وباع رئيس الوزراء أسهمه في SeaDrift لابن عمه ميليكوفسكي في 29 نوفمبر 2010، قبل يوم واحد من اكتمال اندماجها مع GrafTech بينما كان في مقعده كرئيس للوزراء.

ميليكوفسكي تبرّع بمبلغ 300 ألف دولار لتمويل الدفاع القانوني عن نتنياهو في 3 قضايا فساد أخرى غير قضية الغواصات.

لجنة التحقيق الوطنية في قضية الغواصات والسفن البحرية التي يرأسها رئيس المحكمة العليا السابق البرفسور آشر جرونيس، وشكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، غريم نتنياهو في فبراير 2022.

وحصلت اللجنة على تفويض بدراسة 3 صفقات لشراء 3 غواصات و4 سفن دفاعية وسفينتين مضادتين للغواصات، جميعها من شركة تيسنكروب الألمانية، بالإضافة لصفقة بيع الغواصات الألمانية لمصر.

وسلمت لجنة التحقيق 5 رسائل تحذيرية لنتنياهو، ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين، ووزير الدفاع السابق موشيه يعالون، وقائد البحرية السابق رام روثبرغ والعضو السابق في مجلس الأمن القومي أفنير سمحوني.

اللجنة قالت إنه كان هناك خلل عميق على ما يبدو في الإجراءات الحكومية القانونية فيما يتعلق بأمور حساسة تتعلق بشراء هذه الغواصات والسفن، وأن ذلك الخلل يشكل خطرا أمنيا على البلاد، ويضر بعلاقات إسرائيل الخارجية ومصالحها الاقتصادية.

وقالت اللجنة إن نتنياهو همّش وزارة الدفاع وحجب عنها معلومات حساسة، وحول مجلس الأمن القومي لذراع من أذرع مكتب رئاسة الوزراء، بدلا من استقلالية المجلس الاستشاري الهام.

وحذرت الرسائل من أن كبار المسؤولين الـ5 الذين تلقوا هذه الرسائل قد يتأثرون بنتائج التحقيق، بمعنى ملاحقة جنائية محتملة.

استنتاجات اللجنة في المرحلة الحالية تعتبر مؤقتة لحين اكتمال التحقيقات بعد إعطاء نتنياهو فرصة للرد، لكن عمل اللجنة وصل لمرحلة متقدمة بحسب صحيفة هآرتس، حيث جمع شهادات من 42 شخصا شاركوا في الموضوعات التي يتم التحقيق فيها.

وتم أيضا إجراء مقابلات خلفية مع 122 شخصا، وتقول هآرتس إن الأدلة والاستنتاجات قد تتغير بعد انتهاء اللجنة من تحقيقاتها وبعد أن يقدم كبار المسؤولين الـ5 المحذّرين حججهم إلى اللجنة.

وتقول هآرتس إنه بعد مثول نتنياهو والأربعة الآخرين ومحاميهم أمام اللجنة، فإن الأمر قد يستغرق شهورا لحين صدور النتائج النهائية التي من المحتمل أن تتضمن توصية بملاحقة قانونية، حيث يمكن للجنة إخطار النائب العام وتوصيته بفتح تحقيقات جنائية ضد الأشخاص الـ5 الواردة أسمائهم في رسائل التحذير وعلى رأسهم نتنياهو شخصيا.

اللجنة مخولة أيضا بإصدار توصيات للحكومة بأن تتخذ خطوات لإصلاح وتحسين السلوك المعيب، أو فرض عقوبات عامة ضد المتورطين.

على سبيل المثال، أوصت لجنة التحقيق الإسرائيلية في "كارثة جبل ميرون" في شهر مارس الماضي بعدم تعيين رئيس الكنيست عامير أوهانا وزيرا للأمن العام لفترة ثانية، وتحديد موعد لتقاعد مفوض الشرطة كوبي شبتاي.

كما وجدت تلك اللجنة أن بنيامين نتنياهو كان مسؤولا بشكل شخصي، لكنها امتنعت عن تقديم أي توصية تتعلق به.

وفي حالة أخرى، نشرت لجنة التحقيق الوطنية في مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1983 توصيات أجبرت وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون على الاستقالة.

رسالة تحذير لجنة تحقيق الغواصات لنتنياهو دفعت هيئة تحرير صحيفة هآرتس للقول إن رئيس الوزراء الحالي "يعرّض الأمن القومي للخطر ويجب على الإسرائيليين أن لا يناموا الليل طالما بقي في منصبه".

وقالت الصحيفة إن تلك الرسائل موجهة للجمهور الإسرائيلي وليس فقط نتنياهو، ويجب أن "تهز الأمور من أساسها"، خاصة وأنها تتهم نتنياهو بارتكاب "أعمال خطيرة للغاية" بينما لا يزال في منصبه.

وسلطت الصحيفة الضوء على الجملة الأشد إثارة للخوف في الرسائل وهي "إن سلوك السيد نتنياهو أدى لتعطيل عميق وممنهج لعمليات العمل وبناء القوة، وألحق الضرر بآليات صنع القرار في سلسلة من القضايا الحساسة. وبفعله هذا، فقد عرض الأمن القومي للخطر وأضر بالعلاقات الخارجية والاقتصاد ومصالح إسرائيل".

هآرتس تقول إن وصف اللجنة لسلوك نتنياهو في 2009-2016 مطابق لسلوكه الحالي، وهو على رأس حرب على غزّة، وأخرى وشيكة في الشمال، مما يجب أن يثير قلق جميع الإسرائيليين.

ويقول الصحفي الإسرائيلي يوسي فيرتر إن نفس الأسلوب الفاشل الذي وصفته اللجنة في تقريرها من حيث التفرد بالسلطة وتهميش المنظومة الدفاعية وآراء الخبراء الأمنيين، هو ذاته الأسلوب الذي أدى لفشل السابع من أكتوبر والفشل المتواصل الذي تلى ذلك، في أداء إسرائيل في ميدان الحرب على غزّة حتى اللحظة.