مزارعون قُتلوا وآخرون نزحوا.. الحرب تحرق "تبغ جنوب لبنان"

نسبة كبيرة من البلدات اللبنانية المحاذية للحدود مع إسرائيل، تزرع التبغ بشكل أساسي، مثل يارين، والبستان، وعيتا الشعب، وعيترون، وميس الجبل، وحولا، وكفركلا، ومحيبيب، وغيرها، إلا أن جميعها شهدت توقف النشاط الزراعي فيها بسبب الحرب.

من حيث الأرقام، فإن عدد مزارعي التبغ في جنوب لبنان يبلغ 13 ألفا، لكنّ الناشطين فعليا في المجال يصل عددهم إلى 8 آلاف و500 مزارع، علما بأنه على صعيد لبنان يصل عدد المزارعين إلى 26 ألف مزارع تقريبا.

عبدالمولى، مسؤول شراء التبغ الورقي في "إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية" (الرّيجي)، يقدم عبر بلينكس تفاصيل عن أرقام عدد المزارعين في بعض مناطق جنوب لبنان الحدودية، وقد جاءت على النحو التالي:

• مروحين: 40 مزارعا.
• عيترون وعيتا الشعب: 1670 مزارعا.
• رميش: 700 مزارع.

أما على صعيد المناطق الأخرى، فيقول المولى:

• منطقة شمال لبنان تضم 4 آلاف و700 مزارع تبغ، 1700 منهم يعملون فعليا
• منطقة البقاع، شرق لبنان، تضم 5 آلاف مزارع تبغ، الناشطون منهم يصل عددهم إلى ألف مزارع.

ويشير عبدالمولى إلى أن المزارعين في المناطق البعيدة نسبيا عن الحدود قد طُلب منهم تكثيف الزراعة، كما تم العمل على تقديم موعد تسليم المحاصيل، بالإضافة إلى استحداث مشاتل ومستودعات في مناطق آمنة، بهدف دفع المزارعين للاستمرار في مهنهم، من أجل الحفاظ على معدل إنتاج مقبول من التبغ في الجنوب.

خلال العام 2023، بلغ إنتاج التبغ نحو مليونين و500 طن، لكن الاشتباكات المسلحة جعلت هذا الإنتاج ينخفض إلى مليون و300 طن تقريبا في الـ2024، بحسب عبدالمولى.

ويلخص نائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، حسن فقيه، لبلينكس، تفاصيل واقع زراعة التبغ في جنوب لبنان والمنطقة الحدودية بشكل خاص في النقاط التالية:

• %60 من زراعة التبغ في جنوب لبنان قد تضررت.
• غالبية المناطق الحدودية المذكورة وغيرها، لم تشهد نشاطا زراعيا هذا العام، ما جعل الإنتاج فيها ينخفض إلى الصفر.
• نزوح المواطنين أدى إلى ترك الحقول المخصصة للزراعة، من دون أي رعاية تبقيها جاهزة للإنتاج.
• نسبة كبيرة من الأراضي باتت غير صالحة للزراعة في الوقت الراهن، إلا بعد عملية استصلاح تحتاج إلى وقت طويل.

وانعكس ذلك مثلا على المزارع خليل مراد، في بلدة ميس الجبل - جنوب لبنان، إذ ترك أرضه قسرا، بعدما كانت تنتج له نحو نصف طن من التبغ سنويا، مشيرا إلى أنه في حال لم تهدأ الأوضاع من الآن حتى شهرين، فإن الموسم المقبل قد يتضرر أيضا، باعتبار أن الأراضي بحاجة إلى تحضير مسبق، وتحديدا في الفترة التي تسبق موسم الشتاء.

مراد الذي نزح مع عائلته إلى منطقة النبطية - جنوب لبنان، لم يجد أي عمل جديد، لكنه يأمل أن يعود بسرعة إلى أرضه، لكي يعيد بناءها مجددا، ويقول لبلينكس: "في بلدتي ميس الجبل، هناك 300 مزارع تبغ، والجميع ترك أرضه ونزح.. إن الزراعة هي مصدر رزقنا الأساسي، ونأمل من المعنيين أن يساعدونا ويعوضوننا الخسائر التي منينا بها".

بلدة رميش الحدودية أصرّت على تحدّي التوتر وإتمام زراعة التبغ لديها.

جورج عبدوش، وهو مزارع تبغ في المنطقة، يقول لبلينكس، إن نسبة من الأراضي تم استثمارها للزراعة، بينما هناك أراضٍ لم يتمكن المزارعون من الوصول إليها، نظرا لقربها من الحدود.

يؤكد عبدوش أن أهالي بلدة رميش يتمسكون بالزراعة التي تعتبر مورد رزق لكثير منهم، موضحا أن الشريط الحدودي بأكمله معروف بزراعة التبغ، ويقول "نحن نحب هذه المهنة، ولدينا ارتباط بشتلة التبغ التي تعتبر مصدر دخل للكثير من العائلات".

المولى، وهو المسؤول في "الريجي"، يقول لبلينكس، إن رميش تنتج 400 طن من التبغ سنويا، مشيرا إلى أن إنتاج هذا العام تراجع، لكن البلدة حافظت على نسبة منه.

ميلاد العلم، رئيس بلدية رميش، تحدث عبر "بلينكس"، مشيرا إلى أن جميع مزارعي التبغ في البلدة وعددهم 700، زرعوا أراضيهم بالتبغ، مشيرا إلى أن الموسم مُني بخسائر كبيرة، لكنه تم تأمين 50% منه.

محمد أبودلّة، وهو مزارع تبغ في بلدة يارين الحدودية، نزح منذ 10 أشهر إلى مدينة صور - جنوب لبنان، لكنه لم يوقف نشاطه أبدا، وبالتالي نزحت زراعة التبغ معه إلى حيث يعيش الآن.

في حديث عبر بلينكس، يقول أبودلة، إنّه تمكن هذا الموسم من تأمين زراعة التبغ، إذ استأجر أرضا في منطقة البابلية، شمال صور، مشيرا إلى أنه استطاع تأمين محصول هذه السنة، بهدف تأمين دخل مادي.

أبودلة قال إنه استأجر معدات للزراعة، بعدما ترك كل مستلزمات الزراعة الخاصة به في يارين، التي تضم نحو 200 مزارع تبغ، موضحا أنه لم يتمكن منذ ذلك الحين من استحضار أي من هذه المستلزمات إلى البابلية.

المفاجأة التي يكشفها أبودلة هي أن عائلة من الجنسية السورية كانت تعمل معه، استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة شمع - جنوب لبنان، قبل أكثر من 10 أيام، ما أسفر عن مقتل أفرادها. هنا، يقول أبودلة: "في هذه الحرب، خسرنا أعمالنا ومنازلنا وخسرنا البشر أيضا".

وذكر أبودلة أن تكاليف زراعة التبغ ارتفعت بالتوازي مع النزوح، مشيرا إلى أن عملية زراعة الـ1000 متر من التبغ في يارين، كانت تحتاج إلى 150 دولارا، أما الآن، فإن التكلفة ارتفعت إلى أكثر من 250 دولارا.