معركة القطط والكلاب.. كيف أشعل ترامب مدينة أميركية بشائعة؟

سبرينغفيلد الآن أصبحت في خضم السباق الرئاسي، إلا أن أزمتها بدأت على بعد مئات الأميال من ترامب ونائب الرئيس كامالا هاريس.

فالشائعة بدأت من خلال منشور إلكتروني بثته امرأة من المدينة تُدعى إيريكا لي على موقع فيسبوك، في المنشور، أكدت لي أن قطة جارتها فُقدت، وأن جارتها تعتقد أن القطة تعرضت لاعتداء من جيرانها المهاجرين القادمين من هايتي.

هذا المنشور كان البذرة التي انطلقت منها شائعات اعتداء المهاجرين على الحيوانات الأليفة وحتى أكلها، والذي استُخدمت فيه مقاطع فيديو وصور متنوعة، كصورة رجل يحمل أوزة ميتة، والتي تبين أنها التُقطت في مدينة كولومبوس، لا في سبرينغفيلد، بحسب شبكة إن بي سي، كما تبين لاحقا أن قصة لي ذاتها غير دقيقة، وأن القطة المفقودة ليست قطة الجارة على الإطلاق.

في حديثها للشبكة الأميركية قالت لي، إن المنشور تحول إلى "شيء آخر تماما"، لم تكن تقصد حدوثه، مؤكدة أنها تشعر بالأسف على مجتمع المهاجرين الهايتيين إذ تقول: "لو كنت مكان الهايتيين لشعرت بالفزع والقلق من أن أحدهم قد يطاردني، لأنه يعتقد أنني أؤذي الحيوان الذي يحبه".

وأضافت لي أنها ليست عنصرية، إذ إنها تأتي من عرقية مختلطة، كما أنها لم تتصور أبدا أن يتحول منشورها لمادة خصبة لنظريات المؤامرة، وقالت: "ما حدث لم يكن في نيتي".

كان يمكن لقصة سبرينغفيلد أن تبقى محلية بالمدينة، لولا أن ترامب صعدها للمستوى الوطني أثناء المناظرة التي أُجريت في الـ10 من سبتمبر، وذلك في خضم حديثه عن المهاجرين، إذ قال ترامب: "في سبرينغفيلد، يأكلون الكلاب، الناس الذين قدموا إلى المدينة.. يأكلون القطط، الناس الذين يعيشون هناك يأكلون الحيوانات الأليفة، هذا ما يحدث في بلادنا..".

ورغم أن منسق المناظرة ديفيد موير حاول تصحيح المسار بشكل مباشر، والإشارة إلى التصريحات الحكومية التي تقول إنه لا توجد تقارير موثوقة عن أي حيوان أليف تم قتله، حسب موقع أكسيوس، فإنه يبدو أن ترامب تمسك بسرديته.

فيوم الجمعة 13 أعلن ترامب أنه سينفذ في حال أصبح رئيسا حملة واسعة لترحيل المهاجرين هي "الأكبر في تاريخ البلاد" على حد وصفه، مؤكدا أنه سيبدأ من سبرينغفيلد، بحسب شبكة سي بي إس.

ويوم السبت 14 كرر ترامب هجومه على المهاجرين في سبرينغفيلد زاعما أنهم قد استولوا عليها وأضاف: "كانت سبرينغفيلد مدينة جميلة، والآن يمرون بجحيم".

يدعم ترامب في حملته على المدينة الواقعة في ولاية أوهايو، المرشح لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي نشر تغريدة عبر حسابه على منصة إكس، زعم فيها أن مكتبه تلقى "العديد من التساؤلات" من سكان سبرينغفيلد، متعلقة باختطاف مهاجرين من هايتي لحيوانات أليفة أو حيوانات برية، لكنه أضاف: "من الممكن بالطبع أن كل هذا محض إشاعات سوف يثبُت كذبها".

يروج آخرون أيضا لشائعات الحيوانات الأليفة، إذ يشير موقع أكسيوس إلى أن بعض الجمهوريين في مدينة فينكس نشروا عشرات من الإعلانات الخارجية التي تشير للقصة.

يأتي ذلك رغم أن العديد من مسؤولي مدينة سبرينغفيلد تحدثوا بوضوح عن أن تلك الشائعات كاذبة، كما لم تقدم أي بلاغات للشرطة بهذا الصدد.

ولكن حتى لو كفت الشائعات عن الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، لن يجعل ذلك واقع المدينة الأميركية أكثر سلاما، إذ واجهت المدينة الخميس 12 سبتمبر تهديدات بوجود قنابل في عدد من مبانيها، ما أدى إلى إغلاق قاعة المدينة الرئيسية، إلى جانب إغلاق مكاتب فواتير المرافق وضريبة الدخل والإيرادات.

وتلقت السلطات التهديد بوجود القنابل عن طريق رسالة بريد إلكتروني أُرسلت قرابة الساعة 8:24 صباحا، بحسب صحيفة تايم الأميركية، كما أُرسلت رسائل التهديد لمنصات إعلامية.

وقالت النائبة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، تعليقا على أزمة تهديدات القنبلة وتوقيتها: "هناك نمط يجمع بين التهديدات بالقنابل وإطلاق النار العشوائي والاستهدافات العنيفة الأخرى التي تصيب هذه المجتمعات، ومن ثم عندما ينشر جيه دي فانس أو دونالد ترامب عمدا، ادعاءات خبيثة ومقززة، كادعاء تناول الحيوانات الأليفة، فهما بذلك يشاركان في شيء أكبر من محض تعليقات مؤذية".

فيما يعبر المهاجرون الحدود إلى الولايات المتحدة، يبدأ البعض في البحث عن وظائف ومنازل بأسعار ملائمة لهم ولأسرهم، وتلك هي الغاية التي وجدها مهاجرو هايتي في مدينة سبرينغفيلد، حتى إن التقديرات تشير إلى أن المدينة تضم الآن ما بين 12 ألفا و20 ألف مهاجر منهم.

لكن مواقف هؤلاء المهاجرين تبدلت الآن، إذ يقول جان باتريك لويزيوس، الذي جاء للمدينة منذ 4 سنوات، إنه لم يعد يشعر بالأمان، ولا يبدو الوضع جيدا بالنسبة إليه، حسب ما صرح لصحيفة نيويورك تايمز.

ففي حين بدأ لويزيوس مشروعه الخاص لبيع الأطعمة، إلا أن التوترات خلال الفترة الأخيرة أثرت على عمله، إذ دفعت الأحداث العديد من أهالي هايتي إلى مغادرة المدينة، كما أنه اضطر يوم الجمعة 13 إلى عدم فتح متجره على الإطلاق، إذ شاهد رجلا خارج المتجر يلتقط له صورا، مما أصابه بالخوف على نفسه وأسرته، ويضيف: "لست متأكدا إذا كان يمكنني الاستمرار في العمل لأن العديد من الناس يغادرون المدينة".

أما فيليس دورسينفيل، القيادي في مركز المساعدة والدعم المجتمعي الهايتي، فقال للصحيفة الأميركية: "لقد أتينا هنا من أجل العمل وتربية أسرنا، لكن الضغوط هنا شديدة جدا على الكثيرين".

وأضاف: "لقد كنا منهكين بالفعل بسبب ما يحدث في هايتي، لم نأتِ هنا من أجل هذا".