سيناريو 82 في لبنان؟.. مخاوف من انتخاب "رئيس الحرب"

في الوقت الذي تهاجم فيه إسرائيل لبنان بدعوى مواجهة حزب الله، ترى الولايات المتحدة في الحرب فرصة لإنهاء هيمنة الحزب على المشهد السياسي اللبناني، وتحريك المياه الراكدة بانتخاب رئيس جديد وشغل المقعد الشاغر منذ 2022، وتحدثت عن ذلك علانية.

ففي الثامن من أكتوبر 2024، خرج المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميللر بصورة علنية، ليتحدث عن رغبة واشنطن في رؤية نتائج جراء الهجوم الإسرائيلي في لبنان ومواجهة حزب الله تتمثل في:

1. كسر قبضة حزب الله على البلاد.
2. إزالة حق النقض فيما يتصل باختيار رئيس للبنان.
3. إزالة قدرة حزب الله على منع الدولة من أن تكون الكيان الوحيد القادر على ممارسة القوة في جنوب لبنان.

وتحاول واشنطن ترجمة الأمر على أرض الواقع، ففي الأيام الأخيرة، اتصلت الإدارة الأميركية بقيادات عربية تطلب دعمهم لانتخاب رئيس لبناني جديد عبر كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومبعوث البيت الأبيض آموس هوكشتاين الذي أخبر المسؤولين أن إضعاف حزب الله فرصة لكسر حالة الجمود السياسي في البلاد، بحسب وول ستريت جورنال.

لكن الرد القادم من بعض المسؤولين العرب جاء ليقول إن الخطة الأميركية غير واقعية بل وخطيرة، وأن إسرائيل لن تنجح أبداً في تدمير حزب الله وأن الجماعة لابد وأن تكون جزءاً من أي تسوية سياسية للصراع، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.

جاء ذلك، بعد يوم من خطاب لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو هدد فيه بتحويل لبنان إلى غزة، وقال في رسالة إلى اللبنانيين قائلا: "انهضوا واستعيدوا بلدكم. أنتم أمام فرصة لم تتح لكم منذ عقود، قبل أن يسقط لبنان في هاوية حرب طويلة ستجلب الدمار والمعاناة على غرار ما نراه في غزة".

يشير المحلل السياسي اللبناني جوني منير إلى أن مساعي وقف إطلاق النار في لبنان واجهت مشكلة، مع اجتماع وزير خارجية إيران عباس عراقتشي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إذ أنه كان سيئا، إذ سعى إلى ربط وقف إطلاق النار في لبنان مع غزة مرة أخرى.

وحول المساعي الأميركية الأخيرة، يرى منير، في تصريحات لبلينكس، أن هذه المبادرة لا يمكن أن تنجح قبل معرفة الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي على إيران، وإمكانية وقف إطلاق النار، متوقعا احتمالية توسع الحرب في لبنان.

من جانبه، يرى الباحث في شؤون الأمن الإقليمي، مصطفى كمال، أن المبادرة الأميركية تواجه العديد من التحديات في لبنان، إذ تتسم الساحة السياسية اللبنانية بتعقيدات طائفية متجذرة منذ عقود.

ويشير كمال في حديثه لبلينكس إلى أن حزب الله ليس مجرد فصيل مسلح، بل لاعب سياسي ذو نفوذ واسع، وله قاعدة اجتماعية وشبكة تحالفات قوية، بما في ذلك نبيه بري رئيس مجلس النواب.

هذا يعني أن "الحزب لن يقبل بسهولة التخلي عن نفوذه، سواء عبر العمل السياسي أو العسكري"، بحسب كمال.

ويقول إن المبادرات التي دعمتها واشنطن سابقا لتحقيق إصلاحات سياسية في لبنان فشلت في تغيير جذري للأوضاع، نظرًا لوجود مصالح متشابكة بين القوى السياسية المختلفة، والصراعات الإقليمية التي تؤثر على الداخل اللبناني.

علاوة على ذلك، فإن مبادرة كتلك تعتمد على قدرة المجتمع الدولي على الضغط من أجل هذا الهدف، مشيرا إلى أن محاولة انتخاب رئيس جديد وسط تصعيد عسكري كبير قد تؤدي إلى زيادة الانقسامات الطائفية، وتكرار السيناريوهات التاريخية مثل اغتيال بشير الجميل عام 1982 بعد انتخابه خلال اجتياح لبنان.

ويضيف كمال أن أي محاولة لإضعاف حزب الله بالقوة العسكرية لن تكون ناجحة على المدى الطويل، بل قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة، إذ أن الضغط لتمكين مرشح معين سيؤدي إلى تصاعد الفوضى الداخلية، ما يهدد بقيام حرب أهلية جديدة.

في الجانب الآخر، تشجع بعض مراكز الأبحاث الرؤية الأميركية، إذ ترى ضعف حزب الله لحظة نادرة لتغيير الوضع الراهن في جنوب لبنان وبيروت، وأن انتخاب رئيس لبناني تطور مرحب به، لكنه "ليس تغييرا جوهريا للبنان"، بحسب ديفيد شينكر في ورقته البحثية نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

ويشير شينكر إلى أنه على واشنطن مطالبة الحكومة اللبنانية بنشر الجيش في الجنوب، وتنفيذ المهمة فعليا، وأن تربط هي وباريس تمويل لبنان مستقبلا بتنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701".

لكن على الجانب الآخر، يحذر السفير الأميركي الأسبق لدى سوريا والجزائر روبرت فورد من عواقب الأمر، إذ يشير لوول ستريت جورنال إلى أنه "كلما ظهر أن الرئيس اللبناني الجديد جاء إلى السلطة في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية بدعم أميركي، كلما اعتقدت أنه سيفقد مصداقيته بين العديد من اللبنانيين".