تونس تتوعّد ناشري المحتوى الهابط.. تيك توك إلى الحظر؟

بمجرد تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، يمكن ملاحظة الكم الهائل من التفاعل الإيجابي مع قرار السلطات بالتدخل في المحتويات الإلكترونية، الذي جاء بعد دعوات من معظم الفئات بحظرها لما تمثله من خطر على الشباب والقصر.

هذا التفاعل الإيجابي جاء أيضا من قبل صناع المحتوى، خاصة على إنستغرام، إذ نشرت سوسن المصمودي إحدى المعروفات على المنصة نص البلاغ الصادر عن وزارة العدل، وكتبت "أخيرا قرار تاريخي".

وكانت المصمودي ناشدت الرئيس التونسي بالتدخل وغلق تيك توك رغم أنها إحدى التونسيات اللاتي يعتمدن على السوشيال ميديا كمورد رزق.

ودوّن نشطاء على فيسبوك بأن إيقاف نزيف المحتويات التافهة و"الفضائحية" سيحمي آلاف المراهقين الذين باتوا يسعون إلى الكسب السهل والسريع بسبب المثال السيئ المنتشر على تيك توك.

فئة أخرى، ترى أن مثل هذه الإجراءات تعتبر إرساءً لجهاز الشرطة الأخلاقية وحدا من الحريات، باعتبار أن مسائل الأخلاق الحميدة والآداب العامة، تقبل التأويل ولا يمكن الفصل فيها، وبالتالي قد تستغل السلطة هذا الأمر للزج بصنّاع المحتوى والسياسيين والمعارضين والصحافيين في السجن.

في بلاغ نشرته وزارة العدل التونسية، الأحد، 27 أكتوبر، أوضحت أن قرارها يرجع إلى انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة "تيك توك" و"إنستغرام"، لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية، من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة.

في هذا الإطار، توضح الباحثة في القانون الجنائي وعلوم الإجرام خولة قريرة لبلينكس، أن التشريع التونسي كان واضحا في تحديد كيفية التعامل مع الجرائم الأخلاقية ويظهر ذلك في قوانين مختلفة صادرة منذ سنوات طويلة.

وقالت قريرة إن القانون رقم 5 لسنة 2004 المتعلق بأمن أنظمة المعلومات والاتصال، يحدد بعض الجرائم المتعلقة باستخدام الأنظمة الإلكترونية، مثل القرصنة أو الوصول غير المشروع إلى المعلومات.

وتضيف أن هذا القانون يشمل أيضا بعض الجوانب الأخلاقية التي يمكن أن تكون مرتبطة بنشر أو تداول محتوى غير لائق عبر الإنترنت، إلى جانب قانون الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الصادر سنة 2018 لهدف تحديث الإطار القانوني للجرائم الإلكترونية ويشمل جرائم التشهير الإلكتروني والابتزاز ونشر محتوى يسيء للآداب العامة والتحرش عبر الإنترنت.

ومن هذا المنطلق يمكن للقضاء التونسي ملاحقة الجرائم الأخلاقية التي تُرتكب على منصات التواصل الاجتماعي، بحسب شرحها.

وتنص بعض هذه القوانين على معاقبة المخالفين بدفع غرامات مالية رمزية وتصل أخطرها إلى السجن 6 أشهر مع دفع مبلغ يقارب 1000 دولار.

في المقابل، يتساءل التونسيون عن كيفية تحديد القضاء لمدى استجابة المحتوى الإلكتروني للآداب العامة والأخلاق الحميدة لاعتبارها مصطلحات نسبية وعامة وفضفاضة.

تقول خولة قريرة إن سلطة تكييف الجريمة تعود بالأساس إلى القاضي الموكول له النظر في كل ملف، فهو صاحب سلطة القرار وله هامش من الحرية لإصدار الأحكام بناء على ما يراه صالحا بعد التحقيق في تفاصيل كل واقعة على حدة، لكن في المقابل يُستند أيضا إلى فقه القضاء jurisprudence، وهي القرارات القضائية الصادرة عن محكمة التعقيب، أعلى محكمة وآخر مرحلة في التقاضي، في قضايا مشابهة فتصبح مرجعية ومُلزمة للقضاة.

بالرجوع إلى بداية القصة، غضب التونسيين من تيك توك والدعوة إلى حظره كان مرجعه حادثتين غريبتين أثارتا جدلا واسعا في البلاد، فبعد أن نشرت طبيبة تونسية مقطعا مباشرا أثناء إجراء تدخل جراحي، مما دفع نقابة الأطباء للتدخل، جاء بعد أيام قليلة على نشر صانعة المحتوى آمنة نايلي فيديو "لايف" شاهده مباشرة نحو 150 ألف مستخدم، تتهم فيه "زميلتها" القاصر نورس البريكي بملاحقة زوجها صانع المحتوى أيضا "عزيزوس"، كما عرضت تسجيلات صوتية لنورس.

نشر تفاصيل الحياة الزوجية والخاصة لصناع المحتوى، أثار موجة سخرية في البداية سرعان ما تحولت إلى دعوات لحظر تيك تيك، فهؤلاء "المؤثرون" باتوا مثالا للثراء السهل فجميعهم لم يكملوا تعليمهم، ورغم ذلك يعيشون حياة الترف والسفر والسهر ويحصلون على آلاف الدولارات لنشر محتويات غير ذات قيمة.