منذ انهيار النظام السوري وتراجع دور حزب الله في لبنان وضمور حركة حماس في قطاع غزة بفعل الضربات العسكرية الإسرائيلية، برزت جماعة الحوثيين كأحد أقوى أذرع إيران المتبقية. وقد انخرطت في تصعيد هجماتها على إسرائيل والملاحة الدولية في البحر الأحمر، مما جعلها تمثل تهديدًا استراتيجيًا متزايدًا في المنطقة.
هذا الواقع وضع إسرائيل أمام معضلة استراتيجية معقدة تهدف إلى تحييد التهديدات البعيدة عبر تنفيذ ما يسمى بعملية "الذراع الطويلة". لكن السؤال الذي يلوح في الأفق هو: هل ستكون الضربة موجهة إلى الرأس، أي إيران، أم إلى الذراع، أي الحوثيين في اليمن؟
وبطرح هذا السؤال، برز انقسام داخلي في الرؤية الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع هذا التحدي، إذ يرى رئيس الموساد أن استهداف إيران سيحقق الردع الأكبر ويدفع طهران للضغط على الحوثيين، بينما يؤكد الجيش أن الأولوية يجب أن تكون لتحييد الحوثيين، نظرًا لكونهم يمثلون تهديدًا مباشرًا ومستمرًا لا يمكن تجاهله.
في خضم هذا الجدل، أشار الأستاذ سالم الجميلي، المسؤول السابق في جهاز المخابرات العراقي، في تصريح لموقع بلينكس إلى أنه من المرجح أن تركز إسرائيل جهدها الاستخباراتي نحو اليمن لتحديد مواقع قيادات الحوثيين والقضاء عليهم، وذلك بالتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية نظرًا لصعوبة العمل في منطقة بعيدة جغرافيًا... فهل ستتمكن إسرائيل من اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب؟ أم أن التعقيدات السياسية والميدانية ستؤدي إلى تأخير يضعف فاعلية هذه العملية؟
اعرف أكثر
أشارت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن رئيس الموساد، ديدي بارنيا، قدم مقترحا إلى المجلس الأمني لاستهداف إيران، مؤكدًا أن ذلك سيحقق ردعًا مزدوجًا، حيث سيضعف الحوثيين من خلال الضغط المباشر من طهران على فرعها في اليمن. واعتبر بارنيا أن هذا النهج سيعزز الهيبة الإسرائيلية وسيحقق نتائج استراتيجية طويلة المدى.
في المقابل، يرى مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي أن تأثير إيران على الحوثيين يختلف جوهريًا عن تأثيرها على حزب الله، واصفًا الحوثيين بأنهم "طفل مستقل ومضطرب". وشدد المسؤول على أن مهاجمة إيران لن تحقق الهدف الأساسي بردع الحوثيين، بل قد تؤدي إلى فتح جبهة مواجهة مباشرة جديدة مع طهران، وهو ما يزيد من التعقيدات الاستراتيجية.
وسط هذا الجدل، جاء موقف وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إذ أكد أن الأولوية يجب أن تكون لتحييد قادة الحوثيين في صنعاء وفي كل مكان في اليمن، بنفس النهج الذي استُخدم سابقًا لاستهداف قادة حزب الله وحماس.
يشير تقرير صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعتمد في كثير من الأحيان خلال مسيرته السياسية على توصيات رئيس الموساد، كما حدث في عمليات اغتيال قيادات بارزة مثل حسن نصر الله. وترجح التقارير أن يكون هذا هو الاتجاه الذي سيتبعه هذه المرة أيضًا، حيث يفضل نهجًا يحقق أقصى ضغط على إيران.
لكن في الوقت ذاته، يُجمع محللون على أن إسرائيل ستضع الاستخبارات في قلب استراتيجيتها، نظرًا لتفوقها الكبير في هذا المجال، لكن الاختلاف يكمن في تحديد الهدف النهائي.
للمسؤول السابق في جهاز المخابرات العراقي، الأستاذ سالم الجميلي، رأي آخر، حيث صرح في حديث مع موقع بلينكس أنه من "الأرجح أن توجه إسرائيل الجهد الاستخباري للموساد نحو الساحة اليمنية لتحديد مواقع تواجد قادة الحوثي وتعمل على استهدافهم وقتلهم قريبًا".
وأضاف أن "عمليات البحث تحتاج إلى وقت وقدرات عالية، بالإضافة إلى تنسيق مع أجهزة الاستخبارات الأميركية" بسبب البعد الجغرافي لليمن.
ويعتقد الجميلي أن "التهديد الحوثي لإسرائيل وللملاحة الدولية في البحر الأحمر لابد أن ينتهي بإنهاء قدرات الحوثيين الصاروخية التي حصلوا عليها من ايران".
نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريرًا يفيد بأن إسرائيل غير مستعدة لمواجهة التهديدات القادمة من الحوثيين في اليمن، وذلك بسبب ضعف الاستخبارات والدبلوماسية الإسرائيلية في التعامل مع هذا الملف. ويعزي تقرير يديعوت أحرونوت غياب خطة استراتيجية واضحة لمواجهة الحوثيين إلى انشغال إسرائيل بالتهديدات الأكثر إلحاحًا القادمة من لبنان وسوريا وإيران وقطاع غزة.
ويشير التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي والمجتمع الاستخباراتي أدركا التهديد الحوثي متأخرين جدًا، مما دفع الموساد وشعبة الاستخبارات الآن إلى محاولة تعويض هذا التأخير من خلال جمع المصادر هنا وهناك لبناء صورة استخباراتية أكثر وضوحًا حول القادة الحوثيين والمواقع الاستراتيجية، مثل مواقع الصواريخ ومخابئ الأسلحة.
وما يزيد من تعقيد الموقف هو البعد الجغرافي لليمن عن إسرائيل، الأمر الذي يجعل أي عمليات عسكرية مكلفة ومعقدة على المستويين اللوجستي بغض النظر عن بنك الأهداف الذي يتم تجميعه استخباراتيا.