"الوطن الأزرق".. تركيا تُشعل "المتوسط" بترسيم الحدود مع سوريا

وفقاً لتقرير المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط، تُركز تركيا بشكل كبير على استغلال موارد النفط والغاز في البحر المتوسط، لتعزيز استقلالها الطاقي وتقليل اعتمادها على روسيا.

وأشار التقرير إلى أن مشروعات الطاقة، بما في ذلك التنقيب عن الغاز والنفط وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، تُعد محورا رئيسيا في استراتيجية تركيا.

من الناحية التاريخية، تسعى تركيا إلى استعادة نفوذها في منطقة البحر الأبيض المتوسط بناءً على إرثها العثماني، حيث تعتبر البحر المتوسط جزءاً من هويتها القومية. ويشير التقرير إلى أن استراتيجية "الوطن الأزرق" تُبرز هذا الطموح التركي من خلال السعي إلى إعادة تعريف الحدود البحرية وتوسيع السيطرة على المياه الإقليمية في بحر إيجه وشرق المتوسط.

هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها تركيا إلى تعزيز نفوذها البحري، إذ أدى اتفاق بحري مماثل وقّعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2019، مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية السابق، ونص على ترسيم الحدود البحرية ضمن 23 بندا؛ إلى تصاعد التوترات بين أنقرة واليونان بشأن استكشاف الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، وفقا لوكالة بلومبرغ.

ولعب الاتفاق البحري الموقع آنذاك، دورا محوريا في ترسيم حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك في تحديد المناطق التي يتمتع فيها الطرفان بحقوق السيادة لاستغلال الموارد البحرية، مثل النفط والغاز، مع الالتزام بالقانون الدولي والتعاون المشترك لاستغلال الموارد الطبيعية الممتدة عبر الحدود المرسومة.

اتفاق أردوغان- السراج، قُوبل باعتراض أوروبي ومصري رسمي، إذ دعا الاتحاد الأوروبي تركيا إلى "خفض التصعيد" في شرق البحر المتوسط، مطالبا إياها بالتعاون مع جيرانها فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية.

كما طالب التكتل أنقرة بوقف أعمال الحفر غير المصرح بها في شرق البحر المتوسط، والابتعاد عن حدود قبرص البحرية.

وفي الإطار نفسه، وجّهت القاهرة رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تعترض خلالها على الاتفاقية بين أنقرة وطرابلس حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني.

وقالت مصر، في رسالتها الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، في 18 ديسمبر 2019، إن المذكرة الموقّعة بين حكومة الوفاق الليبية وتركيا "باطلة"، مطالبة بعدم تسجيلها لدى المنظمة الدولية.

وعدّت مصر أن المذكرة تمثّل "خرقا" للاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية يوم 17 ديسمبر 2015 تحت إشراف الأمم المتحدة بين الأطراف الليبية، الذي شهد تعهدا بعدم انتهاك قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا.

وفي 25 ديسمبر 2020، اعتمدت الأمم المتحدة ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، بعدما أودع وزيرا خارجية البلدين الترسيم في شعبة الأمم المتحدة لشؤون المحيطات وقانون البحار.

أفادت صحيفة إيكاتيميريني اليونانية بأن المخاوف القبرصية تتركز حول احتمالية أن يؤدي أي اتفاق بحري محتمل بين تركيا وسوريا إلى تجاهل حقوقها السيادية في البحر الأبيض المتوسط، وهي حقوق تعدها نيقوسيا خطاً أحمر، وغير قابلة للتفاوض.

وتخشى قبرص استغلال تركيا هذا الاتفاق لتعزيز استراتيجيتها طويلة الأمد التي تهدف إلى تقليص الحقوق البحرية القبرصية وتوسيع نفوذها الإقليمي بشكل يهدد التوازن في المنطقة.

وحسب المصدر نفسه، تستغل تركيا الوضع السياسي المضطرب في سوريا وانهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد للتفاوض على ترسيم حدود بحرية تتماشى مع رؤيتها، التي تعد أن قبرص كجزيرة لا تستحق الحصول على منطقة اقتصادية خالصة أو جرف قاري. هذا الموقف التركي، إذا طُبّق، سيؤدي إلى تقليص الحقوق البحرية لقبرص ومنح تركيا سيطرة أوسع في البحر المتوسط.

ما يزيد القلق؛ هو أن تركيا تسعى للحصول على مناطق بحرية إضافية ليس فقط كدولة مجاورة، وإنما أيضاً من خلال الادعاء بحقوق أمامية، مما يعزّز نفوذها في المنطقة ويحد من قدرة قبرص على استغلال مواردها الطبيعية في المناطق الاقتصادية الخالصة.

أفادت مؤسسة رويال يونايتد سيرفيسز إنستيتيوت بأن التوترات في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط تعود جذورها إلى عام 1973، حين بدأت تركيا تحدي حقوق الجرف القاري اليوناني. وقد توسعت هذه النزاعات بعد التدخل التركي في قبرص، ما زاد من التعقيدات بشأن السيادة اليونانية في البحر والجو.

أشارت المؤسسة إلى أن الخطاب القومي المتزايد من الجانب التركي، بما في ذلك تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، أثار قلقًا لدى الجانب اليوناني، إذ ترى أثينا أنها تهدد الإطار القانوني الدولي.

وأكدت المؤسسة أن اليونان تخشى من استمرار تركيا في التصعيد من خلال إرسال سفن استكشاف ودعم عسكري إلى المناطق المتنازع عليها، وهو ما تعده استفزازا مباشرا.