في إحدى جلسات النقاش المغلقة، وقف أحد مستشاري الأمن القومي أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محذرًا: "إذا لم نتخذ قرارًا الآن بشأن إدارة غزة بعد الحرب، فإننا نُمهّد الطريق لعودة حماس لإدارة القطاع".
كانت الرسالة واضحة: غياب خطة لما بعد الحرب سيعيد إسرائيل إلى الوضع الذي كانت عليه قبل 7 أكتوبر. ورغم هذا التحذير، استمر نتنياهو في المماطلة، مدفوعًا بمخاوف سياسية من مواجهة وزرائه اليمينيين المتطرفين، الذين طالبوا بإعادة احتلال غزة وترحيل سكانها.
اليوم، وبعد أكثر من 14 شهرًا من الحرب، بدأت تحذيرات مستشاري نتنياهو تتحقق على أرض الواقع. حماس، التي كانت مدمّرة في أعين القيادة الإسرائيلية، بدأت تُظهر بوادر عودة قوية من قلب الخراب الذي خلفه الجيش الإسرائيلي لتُعيد ترتيب صفوفها وتفرض سيطرتها على مناطق عدة في غزة.
فما هي المناطق التي انبعثت منها الحركة مجددا؟ وما هي بعض مظاهر إعادة السيطرة في القطاع؟ وإلى ماذا قد يفضي الأمر في حال عدم اتخاذ قرار لليوم التالي ما بعد الحرب؟
اعرف أكثر
تجنب نتنياهو وضع أي خطة لإدارة الشؤون المدنية في غزة خوفًا من فقدان دعم وزرائه اليمينيين المتطرفين الذين يدعون إلى إعادة احتلال القطاع وتهجير سكانه.
إلى جانب الحفاظ على دعم وزرائه، يهدف نتنياهو إلى تجنب أي خطوة قد تزيد من الانقسامات داخل ائتلافه الحاكم، خاصة مع تصاعد الضغوط الشعبية ضده.
ووسط هذا الفراغ، وجدت حركة حماس فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، وفقا لمجلة تايم الأميركية وصحيفة الغارديان البريطانية.
وفقًا لمصادر دبلوماسية وأمنية تواصلت معها صحيفة يديعوت أحرونوت، تمكنت حماس من فرض سيطرتها على العديد من المناطق في وسط وشمال القطاع. من بين هذه المناطق النصيرات ودير البلح والمواصي، حيث يتركز نحو 90% من سكان غزة.
في حين يُعتقد أن رفح تمثل المعقل الأخير لعناصر حركة حماس، أشارت تقارير إلى أن عناصر الحركة شوهدوا شمالاً، خصوصاً في جباليا وحي الزيتون، وهما منطقتان كان الجيش الإسرائيلي يظن أنهما قد تم تطهيرهما خلال العمليات العسكرية، بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان.
يفيد تقرير نشره مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح بأنه على الرغم من تراجع القدرات العسكرية لحماس مع فقدان آلاف المسلحين وتدمير بنية تحتية واسعة، فإنه لا يزال التنظيم يحتفظ بقدرة على تنفيذ عمليات عسكرية كان آخرها مقتل 40 عسكريا إسرائيليا منذ أكتوبر 2024، وفقا للأناضول.
وتفيد تقارير بأن حماس تبدو في طريقها للتعافي بشكل ملحوظ على المستويين الاجتماعي والتنظيمي. إذ تمكنت الحركة من إعادة نشر عناصرها الأمنية وفرض النظام في الأسواق والمناطق السكنية، مما أعاد الاستقرار إلى القطاع. كما أظهرت قدرتها على تنظيم توزيع المساعدات الإنسانية التي كانت عرضة للنهب، والإشراف على أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى دفع رواتب جزئية لبعض موظفيها المدنيين، وفقًا لما أوردته يديعوت أحرونوت ومجلة The Cradle.
إضافة إلى ذلك، تشير تقارير استخباراتية إلى أن حماس تمكنت من تجنيد 10 آلاف مقاتل جديد، معظمهم من الشباب الذين لم يشاركوا سابقًا في صفوفها. غير أن إسرائيل تنفي ذلك وتزعم أن حماس لم تعد لها قدرة على السيطرة بالرغم من الهجمات التي تنفذها بين الحين والآخر.
مخيمر أبوسادة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بقطاع غزة، صرح لصحيفة الغارديان بأن العدد الكبير من القتلى المدنيين يعزز جهود التجنيد. وأضاف أن "هناك اعتقادا واسع النطاق بأن إسرائيل لا تحارب حماس فقط، بل الشعب الفلسطيني بأسره. حماس لن تعلن النصر، بعد كل هذا الموت والدمار، لكنها أيضًا لن تستسلم. هذا ببساطة ليس في قاموسها".
يحذر مسؤولون في الجيش والشاباك من أن عدم اتخاذ خطوات واضحة لإدارة غزة سيعيد إنتاج الأوضاع التي سبقت حرب أكتوبر، إذ ستعيد حماس تأهيل نفسها كقوة مسيطرة، سواء على المستوى العسكري أو المدني.
وفقًا لمصدرين أمنيين مصريين تحدثا لوكالة رويترز، رفضت حركتا حماس والجهاد اقتراحًا مصريًا يهدف إلى نقل السيطرة على قطاع غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار.
وكان من المفترض أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إصلاح شامل للقيادة في غزة، بما في ذلك إجراء انتخابات بإشراف مصري وضمانات بعدم ملاحقة أعضاء حماس قانونيًا. ومع ذلك، تمسكت حماس والجهاد بموقفهما الرافض لتقديم أي تنازلات سياسية، باستثناء إطلاق سراح الرهائن مقابل هدنة.
هذا التعثر في المفاوضات يثير التساؤلات حول مستقبل القطاع إذا استمر غياب الاتفاق، ما يهدد بتفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية في غزة.