في اجتماع عمالي بمدينة مانشنغ، ارتفعت نبرة الحديث على نحو غير معتاد، حين وقف توماس بريتسل، رئيس مجلس العمال العام، مخاطباً الحاضرين بنبرة حاسمة، مطالباً بإلغاء صفقة طائرات إف-35 التي طلبتها ألمانيا مسبقاً من الولايات المتحدة، وداعياً بدلًا من ذلك إلى أن تتولى ألمانيا دوراً قيادياً في مجال تصنيع الطائرات العسكرية على مستوى أوروبا.
بريتسل لم يتحدث من فراغ، فمع اقتراب موعد إخراج 85 طائرة تورنادو من الخدمة، تجد ألمانيا نفسها أمام مفترق طرق حاسم يتعلق بقدرات قواتها الجوية ومستقبلها العسكري داخل المشروع الأوروبي المشترك، وفقاً لما أوردته مجلة ميركور الألمانية.
وقد جاءت تصريحاته بالتزامن مع تقارير مثيرة للجدل، كشفت أن عقد شراء طائرات إف-35 من الولايات المتحدة يتضمن شروطاً صارمة تجعل من تشغيل هذه الطائرات أمراً شبه مستحيل، بل إن الإقلاع بها لا يمكن أن يتم دون الحصول على إذن مسبق من الجانب الأميركي.
وتشارك الدنمارك ألمانيا في هذه المخاوف، إذ عبر النائب المحافظ في البرلمان، رامسوس غارلوف، عن ندمه على قرار شراء 27 مقاتلة شبحية من الطراز ذاته، محذراً الدول الأخرى من المضي في صفقات مماثلة.
في توضيح لمخاوفه، قال غارلوف في حوار على قناة NTV الألمانية: "بسهولة يمكنني تخيل سيناريو تطالب فيه الولايات المتحدة الدنمارك بالتخلي عن غرينلاند، وتهدد بتعطيل أسلحتنا إن لم نفعل".
وتتزامن هذه التحذيرات مع تصاعد التوتر داخل حلف الناتو بسبب موقف الولايات المتحدة من أوكرانيا والحرب التجارية المتصاعدة التي يقودها الرئيس ترامب، ما يزيد من حالة القلق بشأن مدى موثوقية الاعتماد على الأسلحة الأميركية، لاسيما المقاتلات الشبح إف-35.
فهل تفكر الدول الأوروبية في التراجع عن خطط شراء مقاتلات إف-35؟
اعرف أكثر
يفيد العقد السري الألماني الخاص بشراء مقاتلات إف-35، والذي اطلعت عليه مجلة شتيرن الألمانية، أن واشنطن وضعت شروطا متعلقة باستخدام هذه الطائرات منها:
إبلاغ البيت الأبيض مسبقاً بكل طلعة جوية
منع الصيانة أو فحص برمجيات الطائرة
الموافقة على رفع جميع بيانات الاستخدام إلى خوادم التخزين السحابي التابعة لشركة أمازون
إضافة إلى هذه الشروط، يفيد تقرير نشرته صحيفة براسلز تايمز البلجيكية أن المقاتلات تعتمد على الولايات المتحدة في مجموعة واسعة من الخدمات تشمل الدعم التشغيلي والمعلومات الاستخباراتية وبيانات الملاحة ومسارات الذخائر وتحضير المهام، وهي جميعها خدمات قد تُعلّق في حال حدوث تجميد في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في ظل إدارة ترامب.
تداولت وسائل إعلام مزاعم تفيد بإمكانية تعطيل مقاتلات إف-35 عن بُعد بضغطة زر، عبر ما يُعرف بـ"kill switch"، ما قد يجعلها غير فعالة في أي لحظة.
لكن البنتاغون سارع إلى طمأنة شركائه الدوليين، إذ قال مكتب برنامج مقاتلات إف-35 في بيان نقله موقع Breaking Defense إنه "لا توجد آلية تعطيل عن بُعد".
رغم تطمينات البنتاغون، صرّح يواخيم شرانتسهوفر، رئيس قسم الاتصالات في شركة هينسولد الألمانية المتخصصة في الصناعات الدفاعية، لصحيفة بيلد الألمانية، بأن ما يُعرف بـ"زر التعطيل"، kill switch، في مقاتلات إف-35 الأميركية ليس مجرد شائعة. وأشار إلى أنه بإمكان الولايات المتحدة تعطيل هذه الطائرات بسهولة، من خلال منع الوصول إلى البرمجيات الأساسية، التي لا تزال تخضع لسيطرتها الكاملة.
مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وكندا، على خلفية فرض رسوم جمركية ودعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضم كندا كولاية أميركية رقم 51، صرّح وزير الدفاع الكندي بيل بلير بأن بلاده تدرس خيارات بديلة لمقاتلات إف-35 الأميركية وتبحث عن شركات تصنيع منافسة، بحسب ما نقلته هيئة الإذاعة الكندية، CBC.
وكان من بين أولى قرارات مارك كارني، بعد توليه رئاسة الوزراء خلفاً لجاستن ترودو، مراجعة قرار شراء 88 مقاتلة من طراز إف-35، في صفقة تتجاوز قيمتها 13 مليار دولار، وفقاً لما أوردته الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، NPR.
وجاء الموقف الكندي في أعقاب تصريح وزير الدفاع البرتغالي نونو ميلو، الذي أعلن أن لشبونة تدرس احتمال استبدال مقاتلات إف-35 التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن الأميركية بخيار آخر. لكنه خفف من حدة تصريحاته لاحقاً، موضحا أن وزارة الدفاع البرتغالية ستأخذ في الحسبان مجموعة من المعايير، من بينها "السياق الجيوسياسي" و"مدى القيود المفروضة على استخدام الطائرات"، وفقا لما جاء على صحيفة بوليتيكو.
وتأتي هذه المخاوف المتزايدة بين القادة الأوروبيين في أعقاب قيام إدارة ترامب بقطع مؤقت لتوريد قطع الغيار والبرمجيات والمعلومات الاستخباراتية العسكرية إلى أوكرانيا، ما أثار شكوكاً حول مدى اعتماد الدول الأوروبية على الأسلحة الأميركية في ظل التوترات السياسية.