بعد الاشتباكات.. كيف باتت جرمانا السورية ليلتها؟
بدت شوارع جرمانا قرب دمشق خالية الثلاثاء ولزم السكان منازلهم، لأن "الوضع غير مطمئن"، وفق ما تقول رهام وقاف التي تخشى تحوّل المدينة الى "ساحة حرب" بعد اشتباكات بين مسلحين دروز وعناصر أمن، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأمضت وقاف الليلة الماضية وهي تحاول إلهاء طفليها عن أصداء الاشتباكات التي اندلعت على خلفية طائفية، وأثارت خوفا من تكرار حوادث العنف التي حصلت في منطقة الساحل السوري.
وتقول وقاف (33 عاما)، الموظفة في منظمة إنسانية، لوكالة فرانس برس، عبر الهاتف، "لم تتوقّف رشقات الرصاص طيلة ساعات الليل، واشتدّت فجرا".
وتضيف أنها حاولت تجنيب طفليها سماع أصوات إطلاق الرصاص... ثم القصف. لكن "لم ينفع رفع صوت التلفاز أو إعطاؤهما الهاتف المحمول لمشاهدة مقاطع الفيديو".
وتتابع وقاف التي آثرت التزام المنزل مع عائلتها اليوم "الوضع غير مطمئن أخاف أن تتحوّل مدينة جرمانا إلى ساحة حرب أو أن نعلق هنا".
وقتل 14 شخصا في الاشتباكات بين مسلحين من الطائفة الدرزية وآخرين بينهم عناصر أمن هاجموا المدينة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وجاء ذلك بعد "توتر تسبّب به انتشار تسجيل صوتي منسوب لمواطن درزي، تضمّن إساءات" الى النبي محمد.
وتحدّثت وزارة الداخلية عن "اشتباكات متقطعة" بين مسلحين "بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها"، أسفرت عن "قتلى وجرحى من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة".
وأفاد سكان عن سماع أصوات إطلاق رصاص وقذائف خلال الليل، وتراجع حدة المعارك صباحا.
وفتحت بعض المتاجر أبوابها الثلاثاء، لكن الشوارع خلت إجمالا من روادها.
وبدأ التوتر منذ يومين إثر تداول التسجيل الصوتي على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تتمكّن فرانس برس من التحقق من صحة التسجيل الذي أثار سخطا وغضبا على مواقع التواصل في سوريا، وسط دعوات الى الانتقام.
وهاجم المدينة مسلحون من خارجها، بحسب السلطات ومصادر محلية والمرصد السوري لحقوق الانسان. وفي حين أشار المرصد الى أن المهاجمين كانوا "عناصر (من قوات) أمن ومسلحين تابعين لها"، لم تحدّد المصادر الأخرى هويتهم.
ويقول ربيع منذر، وهو عضو مجموعة العمل الأهلي في جرمانا، لفرانس برس إن "اتصالا ورد من الأمن العام السوري الى مركز الأمن في المدينة، أفاد فيه عن توتر ومحاولة حشود غير منضبطة دخول جرمانا".
وأوضح أن مسلحين هاجموا عناصر من أبناء المدينة منتسبين الى جهاز الأمن العام التابع للسلطات، ما أسفر عن مقتل اثنين منهم وإصابة آخرين.
وتلت ذلك "اشتباكات متقطعة" مع مجموعات مسلحين "حاولوا دخول المدينة من منتصف الليل وحتى الفجر".
وندّدت المرجعية الروحية للدروز في جرمانا بـ"هجوم غير مبرّر"، مؤكدة أن "غالبية من أصيبوا أو استُشهدوا من أبناء المدينة هم من منتسبي جهاز الأمن العام، وكانوا في مواقع عملهم حين فاجأتهم يد الغدر والعدوان".
وأثارت الاشتباكات خشية السكان من حصول تصعيد، وأعادت الى الأذهان أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل حيث قتل نحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. واتُهمت قوات الأمن ومجموعات رديفة لها بالوقوف خلفها.
ويقول منذر "المحاذير كبيرة جدا من حصول اجتياح، نخشى تكرار ما حدث في الساحل سابقا، هذا ما يخيفنا".
ويضيف "لا يمكن لمقطع مفبرك لا يمكن لأحد التثبّت من هوية من يتكلّم فيه، أن يعرّض حياة مئات الآلاف من الأشخاص في المدينة للخطر"، متابعا "هذا ما يخيفنا خصوصا أن ثمة تجييش طائفي مستمر... ثمة فتنة".
وتقع جرمانا جنوب شرق العاصمة، وتقطنها غالبية من الدروز والمسيحيين، وعائلات نزحت خلال سنوات النزاع الذي اندلع في سوريا عام 2011. وبحسب التقديرات، يتجاوز عدد سكانها حاليا المليون نسمة.
خلال أعوام الصراع، تعرضت المدينة الى تفجيرات وسقوط قذائف وهجمات مسلحة على أطرافها، لكن داخلها بقي إجمالا في منأى عن أعمال العنف.
بعد إطاحة فصائل معارضة بحكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، شهدت المدينة اشتباكات مع مسلحين دروز، أعقبها انتشار عناصر أمن تابعين للسلطات الجديدة في مطلع مارس.
وتعهدت وزارة الداخلية الثلاثاء "ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون... وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي".
وشاهد مصوّر في فرانس برس الثلاثاء مسلحين محليين على مداخل جرمانا، فيما انتشرت قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في مكان قريب من طريق المطار المشرف عليها.
وأكد أحد المسلحين المحليين الذي قدّم نفسه باسم جمال "لم تشهد جرمانا يوما كهذا منذ سنوات طويلة".
ويتابع "المدينة عادة مزدحمة وحيوية ولا تنام، لكنها اليوم مدينة ميتة والجميع في بيته".