في تحول لافت في الاستراتيجية الدفاعية الأوروبية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداده لفتح نقاش مع الحلفاء الأوروبيين حول إمكانية نشر الأسلحة النووية الفرنسية على أراضيهم لتعزيز الدفاعات ضد روسيا، وسط مخاوف من تقليص الالتزام الأميركي بأمن أوروبا في ظل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز.
وقال ماكرون في مقابلة مع قناة TF1: "سأحدد الإطار الرسمي لهذه المناقشات في الأسابيع والأشهر المقبلة، لكننا بدأنا بالفعل في مناقشة الأمر"، مشدداً على ثلاثة شروط رئيسية: ألا تتحمل فرنسا تكاليف حماية الدول الأخرى، وألا يؤثر هذا الانتشار على قدرات الردع الفرنسية، وأن يبقى قرار استخدام الأسلحة حصرياً بيد الرئيس الفرنسي.
وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس في قصر الإليزيه الأربعاء، حيث اتفق الجانبان على تشكيل مجلس دفاع وأمن فرنسي ألماني يجتمع بانتظام لمواجهة التحديات الأمنية الاستراتيجية المشتركة. وقال ماكرون: "بعيداً عن الدبابات والطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى، سنُنشئ هذا المجلس لتقديم حلول عملياتية" مؤكداً أن روسيا تشكل تهديداً منظماً للنظام الأوروبي.
واعتبر ميرتس أن هذه الخطوة تعكس عمق العلاقة الفرنسية الألمانية، مؤكداً أن أوروبا مطالبة بتحمل مسؤولية أكبر في مواجهة التهديدات الروسية وعدم الاعتماد الكلي على الضمانات الأميركية. كما شدد على ضرورة زيادة الدول الأوروبية لإنفاقها الدفاعي لتقوية القدرات الذاتية للقارة.
ويهدف هذا التقارب أيضاً إلى إحياء مشاريع الدفاع الأوروبية المتعثرة، في وقت يتزايد فيه الضغط الشعبي لإعادة صياغة الأولويات الاستراتيجية وتعزيز قدرة أوروبا على العمل كلاعب مستقل على الساحة الجيوسياسية بعيداً عن الحماية التقليدية لحلف شمال الأطلسي... فهل يمثل هذا التقارب بدايةَ نهايةٍ فعليةٍ للناتو؟
اعرف أكثر
ذكرت صحيفة إلموندو أن أوروبا طالما أوكلت أمنها إلى الولايات المتحدة عبر الناتو، وهو اعتماد بات يُنظر إليه اليوم على أنه غير مستدام.
ويفيد تقرير نشرته مجلة ذي أتلانتيك أن الدول الأوروبية أدركت أخيرا خطأها في الركون إلى الحماية الأميركية، في وقت تستعد فيه دول البلطيق لاحتمالات مواجهة مباشرة مع روسيا.
في هذا الشأن، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى تعزيز دفاع أوروبي مشترك مكمّل لحلف الناتو، مؤكدة أن الأمن الجماعي لم يعد بإمكان أي دولة تأمينه منفردة، وسط تزايد الضغوط الأميركية وعدم اليقين بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه أوروبا.
في المقابل، أكد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، في كلمة له بوارسو في 26 مارس 2025، أنه لا يوجد بديل للحلف في حماية أوروبا وأميركا الشمالية، مشددا على أن التحديات الأمنية العالمية أكبر من أن تواجهها الدول منفردة، ومضيفا أن "هذا ليس وقت الاستقلالية"، وفقا لما نقلت عنه صحيفة الغارديان.
رغم تأكيد ماكرون وميرتس على أن مبادرتهما لا تهدف إلى تقويض حلف الناتو، يرى مراقبون أن إنشاء إطار أمني أوروبي مستقل يطعن ضمنيا في جدوى الحلف.
يأتي ذلك في وقت يتزايد فيه التشكيك في المنطق الاستراتيجي الأساسي للناتو، إذ أصبح الالتزام الدفاعي المتبادل، الذي كان يوماً حجر الأساس للحلف، هشا في ظل تباين المصالح السياسية وضعف الثقة في القيادة الأميركية.
نشرت مجلة الأمن القومي مقالا جاء فيه: "الناتو جثة. ما تبقى منه ليس سوى طقوس دبلوماسية زائفة تتنقل من قمة إلى أخرى، مرددة شعارات بالية عن "القيم المشتركة" و"تقاسم الأعباء"، في حين أن منطقه الاستراتيجي الأساسي قد تعفّن".
في السياق نفسه، أقر ستيفن بولار في تقرير نشرته ذا سبيكتايتر عن فشل الناتو في ردع روسيا بفاعلية، على الرغم من الاستثمارات العسكرية الضخمة.
ترى مجلة الأمن القومي أن موت الناتو كان نتيجة عقود من التراخي الأوروبي إثر عدم إيفاء معظم الأعضاء بتعهدات الإنفاق الدفاعي. بينما يعاني الجيش الألماني من ضعف الجاهزية، تفتقر كندا إلى قاعدة صناعية دفاعية قوية. أما فرنسا، رغم سعيها للاستقلال الاستراتيجي، فهي غير قادرة على قيادة القارة بمفردها.
تشير صحيفة ذا سبيكتايتور إلى أن الولايات المتحدة تمر بأزمة تجعل دعمها المستمر لأمن أوروبا غير مضمون، وسط تزايد اهتمام واشنطن بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبذلك ترى أن عهد الناتو قد انتهى مع دخول العالم في عصر التعددية القطبية.
ووفقًا لتقرير فرانس 24، فإن تجاهل إدارة ترامب لحلفائها خلال مفاوضاتها مع بوتين، أعاد إشعال القلق في أوروبا، وزاد من الشعور بأن الناتو يتم تجاوزه من قبل أقوى أعضائه.
تشكل الناتو في 4 أبريل 1949، على خلفية التوترات بعد الحرب العالمية الثانية. ووفقا لما أورده إلموندو، فإن أول تجسيد للحرب الباردة بدأ فعليا في برلين عام 1948، عندما فرض ستالين حصارا بريا على المدينة، ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق جسر جوي، وأدى لاحقا إلى تأسيس الناتو.
نشرت غلوبال تايمز، الصينية، في هذا الشأن، مقالا ساخرا نعتت فيه الحلف بأنه "ابن لأب أميركي وأم أوروبية"، نشأ على آمال كبرى لكنه انتهى محبطا ومدمنا على التوسع، وهو ما أدى إلى انتهاك تعهداته لروسيا بعدم التوسع شرقا "ولا حتى إنشا واحدا"، وهو ما ساهم في إشعال أزمة أوكرانيا.
وسخرت الصحيفة من مغامرات الناتو في أفغانستان، ومن فشله في ضبط أعضائه، مثل تركيا. وقد سبق لماكرون نفسه أن وصف الحلف عام 2019 بأنه "ميت دماغيا"، في تشخيص لاقى صدى واسعا.