من الدمار إلى الاعتماد الأوروبي.. سوريا تُرمم تعليمها
على أنقاض واقع تعليمي عصفت به الحرب، حققت كلية طب الأسنان في جامعة دمشق إنجازاً تاريخياً بحصولها على الاعتماد الرسمي من برنامج LEADER الأوروبي، الذي يقدّم استشارات تقييمية لكليات طب الأسنان العالمية لمساعدتها على تطوير مناهجها وبيئتها التعليمية وفق أفضل الممارسات الأوروبية.
وجاء الإعلان، عبر وكالة
سانا، تتويجاً لعملية تقييمٍ شملت مراجعة للبنية الأكاديمية والإدارية، ولقاءات مع الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية، قادتها الدكتورة أميرة النور، مديرة مركز الجودة، بالتعاون مع خبيرة الهيئة البروفيسورة ماريا فان هارتن، ممثلة الهيئة الأوروبية.
وبهذا الاعتماد، الذي تديره الجمعية الأوروبية لتعليم طب الأسنان، تصبح جامعة دمشق أول مؤسسة تعليم عالٍ سورية تُقبل في هذا البرنامج، في خطوة يُنظر إليها بمثابة بداية استعادة سوريا لمكانتها العلمية، ورسالة بأن التعليم سيكون أحد أعمدة النهوض من جديد.
فكيف كان التعليم في سوريا قبل الحرب؟ وما هي خطط إعادة بناء القطاع التعليمي السوري في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة؟

التعليم في سوريا.. من رماد الحرب إلى أبواب الاعتماد الدولي (أ.ف.ب)
التعليم في سوريا قبل الحرب.. بنية قوية وتغطية واسعة
قبل أن تسقط البلاد في أتون الحرب، كان النظام التعليمي السوري يُعدّ من بين الأكثر تطوراً في العالم العربي، وفقا لمنظمة
World Education News and Reviews المتخصصة في تقييم المؤهلات الأكاديمية الأجنبية.
وتشير بيانات
البنك الدولي إلى أن سوريا خصصت عام 2009 ما يعادل 5.1% من ناتجها المحلي للتعليم، متفوقةً بذلك على معظم دول المنطقة حتى عام 2022.
ويعد التعليم الابتدائي، الممتد من الصف الأول حتى السادس، إلزامياً ومجانياً، بلغت نسبة الالتحاق فيه قرابة 100%، في حين بلغت نسبة الالتحاق في التعليم الثانوي 70%.

كان النظام التعليمي السوري يُعدّ من بين الأكثر تطوراً في العالم العربي (أ.ف.ب)
أما التعليم الجامعي، فكان ممولاً من الدولة، وشمل سبع جامعاتٍ حكوميةٍ و20 جامعةً خاصةً. ومن أبرز الجامعات الحكومية جامعة دمشق التي تأسست عام 1923، وكانت تستقطب طلاباً من مختلف الدول العربية، وفقا لتقرير World Education News and Reviews.
إعادة بناء المدارس.. أولى المعارك في مرحلة التعافي
مع اشتداد النزاع الذي اندلع عام 2011، لم تنجُ المدارس والمؤسسات التعليمية من الاستهداف والتدمير. وتشير بيانات منظمة
The Borgen Project وتقارير منظمة
الخوذ البيضاء إلى تضرر نحو نصف المدارس في البلاد، أي أكثر من 7,800 مدرسة، خاصة في حلب وإدلب ودرعا.
ومع سقوط النظام السابق، بدأت الحكومة الجديدة تعمل على إعادة ترميم المدارس، إذ صرح وزير التربية عبد السلام تركو لوكالة
سانا، أن خطة الحكومة الجديدة تهدف لاستيعاب أكثر من مليون ونصف مليون طالب، بينهم عائدون من اللجوء والمخيمات.

لم تنجُ المدارس والمؤسسات التعليمية السورية من الاستهداف والتدمير (أ.ف.ب)
وأضاف أن التصاميم المعمارية الجديدة ستراعي الجانب النفسي للطفل، مع الاهتمام بإعادة تأهيل البنية التحتية في كل المناطق، وتدريب 253 ألف معلم من خلال برامج بالتعاون مع وزارة التعليم العالي. وقال تركو إن "عمليات ترميم المدارس المتضررة، وإعادة تأهيل المعلمين، والاستعدادات الخاصة لإجراء امتحانات نزيهة وهادئة، تمثل أولويات الوزارة".
مناهج جديدة لسوريا جديدة.. من التلقين إلى التفكير النقدي
لكن التحديات في التعليم لا تقتصر على المباني والموارد البشرية، حسب ما صرح الدكتور طلال الشهابي، أستاذ الهندسة في جامعة دمشق والحاصل على الدكتوراه من جامعة نورث إيسترن الأميركية لمنظمة
World Education News and Reviews. في نظر الشهابي، كان النظام التعليمي السابق يفتقر للتفكير النقدي، بسبب خضوعه للتوجيهات الأيديولوجية للنظام الحاكم.
ومع تشكيل الحكومة الجديدة، بدأ العمل على مراجعة شاملة للمناهج، حيث تمت إزالة المحتوى المرتبط بالنظام البعثي، وتغيير أسماء الجامعات مثل "تشرين" و"البعث"، لتصبح "جامعة اللاذقية" و"جامعة حمص".
هذا التغيير، رغم ترحيب البعض به، أثار مخاوف من إدخال مضامين دينية بسبب نفوذ بعض الجماعات داخل الحكومة الانتقالية، حسب ما ذكرته إذاعة
بي بي سي البريطانية.
في تصريح لوكالة
سانا، أشار الوزير تركو إلى أن الوزارة ستبدأ اعتماد مناهج مركزية معدّلة في العام الدراسي المقبل، مع العمل على مناهج جديدة بمشاركة خبراء محليين ودوليين.
وستركز هذه المناهج، بحسب تركو، على المعرفة والقيم والمهارات، بما يشمل مفاهيم المواطنة، التسامح، احترام القانون، والمهارات الرقمية، إضافة إلى ربط التعليم بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
اللغة.. من حصرية العربية إلى الانفتاح على العالم
بينما تتبنى دول عربية أخرى لغات أجنبية في بعض مراحل التعليم، حافظت سوريا على العربية لغةً وحيدة للتعليم في جميع مراحله، بما فيها الجامعي. لكن هذه السياسة، التي كانت تهدف "لتعزيز الهوية الوطنية"، وُوجهت بانتقادات، خاصة في التعليم العالي، إذ إن الكثير من البحوث والمصادر العالمية متوفرة بالإنكليزية، وفقا لمجلة
Nature العلمية.
ووفقاً لتقرير
Council for At-Risk Academics، فإن هذه الحصرية حالت دون انخراط الطلاب السوريين في المجتمع الأكاديمي الدولي. واليوم، تعي الوزارة الانتقالية هذا الواقع. ففي تصريح لوزير التربية لوكالة سانا، قال إن الوزارة تعتزم تعزيز تعليم اللغات الأجنبية، لا سيما اللغة الإنكليزية، إلى جانب اللغة العربية السليمة، مؤكداً أن المهارات اللغوية باتت "جواز سفر للطالب في دراساته العليا خارج سوريا".
لكن التحدي الأكبر، بحسب الوزير، يكمن في إعادة دمج الطلاب العائدين من دول مثل تركيا وفرنسا وألمانيا، ممن تلقوا تعليمهم بلغات غير العربية، حيث تعمل الوزارة حالياً على إعداد برامج خاصة لتأهيلهم لغوياً واجتماعياً من أجل الاندماج الفعال في النظام التعليمي المحلي.