سياسة

من الشاه إلى خامنئي.. "النووي حلم لا يتغيّر"

نشر
Bouchra Kachoub
ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أنّ الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران تستند إلى فرضيةٍ مفادها أنّ طهران إمّا أن تُجبر على التخلي عن برنامجها النووي، أو أن يتم استبدالها بنظام جديد يرضخ لمطالب إسرائيل والولايات المتحدة.
إلا أن الواقع، بحسب التقرير، يُظهر أن أي نظام حكم في إيران، سواء كان سابقاً أو حالياً أو مستقبلياً، لن يتخلى عن طموحات البلاد النووية. بل إن الهجوم الإسرائيلي الأخير على المواقع النووية الإيرانية أثناء التفاوض مع واشنطن قد عزّز دافع طهران نحو امتلاك قدرة ردع نووية أكثر من أيّ وقت مضى.
وفي هذا السياق، صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من لهجته عقب الهجوم الذي نفّذه الحرس الثوري على مستشفى سوروكا في بئر السبع، الخميس، مؤكداً أنّ الجيش تلقّى تعليمات واضحة بتكثيف عملياته الهجومية.
وفي المقابل، أفاد مسؤولون أميركيون هذا الأسبوع بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفض خطة إسرائيلية لاغتيال خامنئي، قبل أن تعود واشنطن وتوضح لاحقاً أنه "لا توجد خطط حالياً لاغتياله، على الأقل في الوقت الراهن".. فهل يؤدي تغيير النظام الإيراني إلى التخلي عن الحلم النووي؟

الطموح النووي الإيراني

لم تبدأ طموحات إيران النووية وكوابيس الغرب بشأنها منذ عام 1979، بل كانت البداية الحقيقية حين أطلق الشاه محمد رضا بهلوي عام 1974 برنامجاً نووياً مدنياً طموحاً بعد أزمة الطاقة العالمية وارتفاع أسعار النفط، وفقا لتقرير نشره موقع The National Security Archive التابع لجامعة جورج واشنطن الأميركية.
في ذلك الوقت، أبدت واشنطن قلقها من أن يؤدي تسليح إيران نووياً إلى انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط وتهديد أمن إسرائيل.
عندما طلب الشاه مفاعلات نووية من الولايات المتحدة، سعى وزير الخارجية الأميركي آنذاك، هنري كيسنجر، إلى ضمان الرفض الأميركي على الوقود النووي الإيراني المستهلك، خشية أن تحذو إيران حذو الهند أو باكستان وتحوّل البرنامج المدني إلى مسار عسكري. إلا أن الشاه أصرّ على حق إيران في تخصيب ومعالجة الوقود بنفسها، رافضاً أي تمييز مع باقي الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي لعام 1968
ورغم العلاقة الوثيقة التي ربطت الشاه بالولايات المتحدة وإسرائيل، لم تُخفِ العواصم الغربية قلقها من امتلاك طهران السلاح النووي. وفي عام 1976، جسّد الروائي الأميركي بول إيردمان هذا القلق في روايته Crash of ’79، التي تتخيّل شاه إيران وهو يخوض حرباً للهيمنة على الشرق الأوسط بسلاح نووي سري.
ويشير تقرير فايننشال تايمز أن إيران اليوم باتت على بُعد أسابيع فقط من امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لصنع قنبلة نووية.

الحرب الوقائية وتغيير الأنظمة.. دروس فاشلة من العراق وليبيا

تشير الصحفية سيلفي كوفمان في مقال نشرته صحيفة لوموند الفرنسية أن الوقائع التاريخية لا تُبدي تفاؤلاً حيال فكرة تغيير النظام في إيران عبر حرب وقائية.
ففي عام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق بذريعة امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وقد تمّ ترويج هذا الادعاء من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية من دون دليل، وتبيّن لاحقاً أنه ملفّق.
وفي ليبيا، حصل التدخّل عام 2011 بذريعة حماية المدنيين، لكنه انتهى بتغيير النظام ومقتل معمر القذافي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف لاحقاً هذا النهج بـ"الخطأ الاستراتيجي"، مشدداً على أن "استبدال طاغية لا يحلّ مشكلات الشعوب".
كما لفتت كوفمان إلى أن إسرائيل، رغم أنها لم تتعرض لهجوم مباشر من إيران، شنّت حرباً وقائية من دون الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي، وفي وقت لم تحسم فيه تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما إذا كانت طهران قد امتلكت فعلاً سلاحاً نووياً. وأشارت إلى أن هذا النوع من الحروب لا يحظى بشرعية في القانون الدولي، وغالباً ما يقود إلى فوضى إقليمية بدلاً من تحقيق الأمن.

سيناريوهات تغيير النظام.. تفكك.. أم ثورة.. أم انقلاب؟

بحسب صحيفة الغارديان، لا يوجد تخطيط غربي لما بعد انهيار النظام الإيراني. فإيران ليست دولة مصطنعة رسمها الاستعمار، بل دولة تضمّ تركيبة إثنية معقدة، يمثل فيها الفرس نصف السكان فقط، بينما يشكّل الأتراك الأذريون والبلوش والعرب والأكراد أقليات متحفزة. في حال حدوث انهيار داخلي، قد تسعى قوى إقليمية كأذربيجان أو الحركات الكردية إلى اقتطاع مناطق.
لا يوجد أيضاً بديل سياسي منظّم في الداخل، فالأحزاب محظورة، والزعماء البارزون بين سجين أو منفي أو قيد الإقامة الجبرية. ويعتبر السيناريو الأكثر احتمالاً صعود نظام جديد أكثر انعزالاً وعلمنة، لكنه غير ليبرالي. وقد يشهد هذا التحوّل قيادة من داخل الحرس الثوري نفسه، خاصة من الضباط الشباب الساخطين على الفساد والاختراق الأمني، حسب الغارديان.
في المقابل، يعرض ولي العهد السابق رضا بهلوي نفسه كرمز للانتقال الديمقراطي، لكنه يواجه انتقادات داخلية بسبب بعده عن واقع إيران وارتباطه بإسرائيل. في الوقت ذاته، تُطرح أسماء مثل حسن روحاني، وجواد ظريف، وعلي لاريجاني، كمكونات محتملة لأي حكومة انتقالية، خاصة في حال الإفراج عن مير حسين موسوي وزوجته من الإقامة الجبرية.

تاريخ من التدخل الأميركي.. انقلاب 1953 وما بعده

ليست هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها قوى خارجية لتغيير النظام في إيران. ففي عام 1953، أطاحت وكالة الاستخبارات الأميركية ورجال الاستخبارات البريطانية بالحكومة المنتخبة بقيادة محمد مصدق، بعدما أعلن عزمه تأميم النفط الإيراني. رأت واشنطن ولندن في القرار تهديداً لمصالحهما، خاصة في أوج الحرب الباردة، وفقا لشبكة سي إن إن.
كان الهدف من هذه الخطوة تمكين الشاه محمد رضا بهلوي من الحكم المطلق، وتنصيب الجنرال فضل الله زاهدي رئيساً للوزراء. وقد أنفقت المخابرات الأميركية 5 ملايين دولار لضمان استقرار الحكومة الجديدة، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز. لكن ما تلا ذلك كان عقوداً من السخط الشعبي على التدخل الأجنبي، ما مهّد لانفجار الثورة عام 1979 التي أنهت النظام الملكي وأسست "الجمهورية الحالية".

لماذا ترفض واشنطن وتل أبيب إيران نووية؟

لا ترفض الولايات المتحدة وإسرائيل فقط النظام الحالي، بل ترفضان فكرة إيران قوية ونووية أيّاً كان من يحكمها. إذ إن إيران نووية ستُنهي التفوّق النووي الإسرائيلي وتُعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط، حسب تقرير فايننشال تايمز.
ويوضح التقرير أن "أي زعيم إيراني مستقبلي، تماماً كمن سبقوه، يدرك أن بلداً قوياً بحجم إيران لن يُرحّب به في واشنطن أو تل أبيب. ما لم تقبل طهران بتقزيم دورها الإقليمي، وهو أمر غير وارد في زمن الشعبوية، فإن السعي لامتلاك قدرة ردعية نووية سيبقى منطقاً لا مفرّ منه في السياسة الإيرانية"، وفق التقرير.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة