الجوع يفتك بالمدنيين في غزة أمام أعين العالم وتحذيراته
بعد 21 شهرًا من الحرب، تتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة لتصل إلى مستويات وصفتها الأمم المتحدة بـ"الكارثية"، حيث باتت غزة "جحيمًا على الأرض"، وفقًا لتوصيف المفوض العام للأونروا الذي نقلته رويترز.
هذه المأساة، التي وصفها بطريرك اللاتين في القدس بأنها "غير مقبولة أخلاقيًا" بحسب فرانس برس، تتجسد في صور الرجال الذين يقفون لساعات تحت الشمس أملًا في وجبة، والأطباء الذين يسقطون من الإغماء بسبب الجوع، وحتى الصحافيين الذين يواجهون الموت جوعًا.
وفيما تتوالى التحذيرات الدولية وتتصاعد أرقام الضحايا، إذ قُتل ما يناهز 800 فلسطيني أثناء بحثهم عن الطعام، تستمر إسرائيل في رفض الدعوات وتوسيع عملياتها العسكرية.
"المدنيون بين القصف والجوع"
في بيان مشترك، اعتبرت 25 دولة غربية أنه "من المروّع أن يكون أكثر من 800 فلسطيني قد قتلوا وهم يحاولون الحصول على مساعدة".
وأكدت الأمم المتحدة، بحسب فرانس برس، أن نحو 800 شخص قتلوا أثناء انتظار المساعدات منذ أواخر شهر مايو. وتتكرر هذه الحوادث بشكل شبه يومي، حيث أفادت شبكة إن بي سي بمقتل مئات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
وفي تفاصيل إحدى هذه الحوادث، نقلت إن بي سي عن منظمة برنامج الأغذية العالمي أن قافلة تابعة لها تعرضت لإطلاق نار من دبابات إسرائيلية وقناصة، ما أدّى إلى "خسائر فادحة في الأرواح".
ورداً على ذلك، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت كولونيل نداف شوشاني، إن الحادث قيد التحقيق، لكن "عدد الضحايا لا يتطابق مع المعلومات المتوفرة لدى الجيش الإسرائيلي"، حسب ما أوردت الشبكة الأميركية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، كان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أعلن، وفقًا لـ"إن بي سي"، أن نحو 900 شخص قُتلوا في غزة أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء.
ثلث سكان غزة لا يأكلون لأيام.. الأطباء يسقطون من الإغماء
بلغت أزمة الجوع في غزة مستويات وصفتها الأمم المتحدة بـ"المذهلة"، حيث قال مسؤول رفيع في برنامج الغذاء العالمي إن ثلث سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة لا يأكلون لعدة أيام متتالية.
وأكد برنامج الأغذية العالمي، في تصريح نقلته إن بي سي، أن "نحو واحد من كل ثلاثة أشخاص في غزة لا يأكلون لأيام متتالية".
ويطال الجوع حتى الكوادر الطبية، حيث أفادت رويترز نقلًا عن المفوض العام للأونروا بأن "الأطقم والأطباء يعانون من الإغماء بسبب الجوع والإرهاق خلال أداء واجباتهم".
وتتصاعد حصيلة الوفيات بسبب سوء التغذية؛ ففي يوم الثلاثاء وحده، نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مصادر طبية فلسطينية وفاة أربعة مواطنين، بينهم الطفل عبد الحميد الغلبان (14 عامًا) والرضيع يوسف الصفدي.
وأشارت مصادر في مستشفيات غزة إلى وفاة 23 فلسطينيًا خلال يومين بسبب سوء التغذية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أفادت، بحسب إن بي سي، بأن أكثر من 50 طفلًا توفوا بسبب سوء التغذية منذ بداية مارس.
كما حذّرت الأونروا من أنّ سوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة تضاعف بين مارس ويونيو، حيث تم تحديد ما يقرب من 5500 حالة سوء تغذية حاد شامل وأكثر من 800 حالة سوء تغذية حادّ وخيم.
صحافيون يموتون جوعًا ولا يُسمح لهم بالمغادرة
في ظل منع إسرائيل جميع الصحافيين الدوليين من دخول غزة منذ السابع من أكتوبر، وفقًا لبيان وكالة فرانس برس، تزداد المخاطر على الصحافيين الفلسطينيين المستقلين الذين يعتبر عملهم "بالغ الأهمية لإعلام العالم".
ودفع هذا الوضع وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، للمطالبة بالسماح للصحافة الحرة بالوصول إلى غزة "لتوثيق ما يحدث فيها"، كما نقلت عنه فرانس برس.
وجاءت هذه الدعوة بعد أن دقت جمعية الصحافيين في وكالة فرانس برس ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن حياة المتعاونين معها في خطر.
ولفتت الجمعية إلى حالة صحافي مستقل يبلغ من العمر 30 عامًا أفاد بأن شقيقه الأكبر "سقط جوعًا".
وقالت الجمعية في بيانها الذي أوردته الوكالة: "لقد فقدنا صحافيين في النزاعات.. لكن لا أحد منّا يتذكّر رؤية زميل له يموت جوعًا".
ورداً على سؤال حول إمكانية إجلائهم، قال الوزير الفرنسي إن بلاده "تعالج هذه القضية" وتأمل في "إجلاء بعض الصحافيين المتعاونين خلال الأسابيع المقبلة".
دعوات دولية لإيصال الإغاثة فورًا.. وإسرائيل توسّع العمليات
طالبت 25 دولة غربية، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، في بيان مشترك نقلته فرانس برس، بـ"وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار"، معتبرة أن معاناة المدنيين بلغت "مستويات غير مسبوقة".
وانتقد البيان "رفض الحكومة الإسرائيلية تقديم مساعدة إنسانية أساسية للمدنيين" ووصفه بأنّه "غير مقبول".
من جهته، هدد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأن إسرائيل قد تواجه المزيد من العقوبات إذا لم توافق على اتفاق لوقف إطلاق النار، معربًا عن "فزعه واشمئزازه" من أفعالها، حسب ما نقلت أسوشيتد برس.
في المقابل، ندد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بالنداء، معتبرًا أن "الضغط الدولي يجب أن يكون على حماس"، وفقًا لما نشرته فرانس برس.
وبالتزامن مع الدعوات الدولية، أعلن الجيش الإسرائيلي توسيع نطاق عملياته العسكرية لتشمل مدينة دير البلح وسط القطاع، وهي منطقة لم تشهد عمليات برية من قبل، مما أدى إلى موجة نزوح جديدة لعشرات الآلاف من السكان، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وأكد وزير الخارجية الفرنسي، في تصريح لـ فرانس برس، أنه "لم يعد هناك أي مبرر للعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة".