RUTF.. غذاء معجزة ينقذ أطفال غزة وسط انهيار الدعم
هل سبق أن صادفت إعلاناً على وسائل التواصل الاجتماعي يطلب منك التبرع لإيصال علاج غذائي منقذ للحياة إلى أطفال غزة الذين يواجهون شبح المجاعة، مثل الإعلان المرفق أدناه؟
هذه الحملات ليست دعاية عاطفية فقط، بل تعكس واقعاً مأساوياً لملايين الأطفال حول العالم، من غزة إلى أفريقيا وآسيا، يعتمدون على أكياس صغيرة من معجون الفول السوداني ممزوجة بالزيت والحليب والفيتامينات والمعادن الأساسية، والمعروفة باسم الغذاء العلاجي الجاهز للاستعمال، Ready-to-Use Therapeutic Food، أو باختصار RUTF.
تؤكد صحيفة
إل باييس أن الهزال، الناتج عن سوء التغذية الحاد والمضاعفات المصاحبة كالإسهال والالتهابات، كان السبب الأول في وفاة 6.6 ملتيين طفل دون سن الخامسة عام 1990. لكن ظهور هذه الأكياس المعجزة في التسعينيات غيّر مسار مكافحة سوء التغذية، فانخفض الرقم إلى 2.4 مليون وفاة في عام 2021. وبسعر لا يتجاوز 45 دولاراً، يمكن لبرنامج علاجي يستمر بين ستة وثمانية أسابيع أن ينقذ حياة طفل واحد.
ويوضح لويس غونزاليس، المدير الفني لمنظمة أكشن أغينست هنغر للصحيفة الإسبانية: "لقد غيّر الـRUTF جذرياً مسار العلاجات، لأنه يُوزَّع كدواء، يمكن للمريض أخذه إلى المنزل، ولا يحتاج إلى ماء، وهو ما كان عقبة كبيرة في السابق".
تعليق الـ RUTF؟.. منظومة مشلولة
رغم فعاليته، واجه هذا الإنجاز منعطفاً خطيراً عام 2025 مع تعليق إدارة ترامب لعمل ومساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، الممول الأساسي لهذه المنتجات، مما نتج عته توقف كامل لتوزيع RUTF.
في عام 2024 وحده، استطاعت اليونيسف معالجة أكثر من 9 ملايين طفل مصاب بسوء تغذية حاد عبر هذه الأكياس. وتوضح لارا كونتريراس، مديرة التأثير والبرامج والشراكات في يونيسف إسبانيا: "نحن نشتري ونوزع ما بين 75 و80% من المعروض العالمي من الـRUTF، وبمجرد وصول المنتجات إلى الميدان، يتولى الشركاء المحليون مسؤولية إيصالها إلى برامج الصحة المجتمعي".
وتشير إلى أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية موّلت هذه المشتريات بشكل متكرر، إذ خصصت وحدها 200 مليون دولار لليونيسف عام 2024، كما كانت تشتري مباشرة وتوزع بدعم من منظمات غير حكومية.
ومع توقف التمويل فجأة، تحوّل النظام كله إلى حالة جمود. يقول غونزاليس: "حتى لو وُجدت بعض الكميات في العيادات والمخازن، فهي غير كافية، كما أن تقليص تمويل طال حتى الموظفين الذين يوزعون هذه الأغذية".
ماذا يحدث عند تعليق الإمدادات؟
تشير
دراسات إلى "أرقام مرعبة". فمنذ توقف برامج الوكالة في فبراير 2025 وإغلاقها النهائي في يوليو، نشرت مجلة
نايتشر تحليلاً لشبكة خبراء التغذية العالمية، Standing Together Nutrition Consortium، توقعت فيه وفاة 369 ألف طفل هذا العام نتيجة نقص العلاجات.
غير أن الواقع تجاوز هذه التقديرات، فبحلول أغسطس، سجّلت منصة
Impact Counter وفاة أكثر من 250 ألف طفل بسبب تقليص برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بينهم 90 ألفاً نتيجة سوء التغذية المباشر، والبقية بسبب أمراض كان يمكن الوقاية منها.
توضح لارا كونتريراس أنّ "هذه التخفيضات تعني ببساطة موت أطفال لأسباب يمكن منعها بالكامل، ليس فقط بسبب نقص الغذاء العلاجي، بل أيضاً بسبب غياب مياه شرب آمنة وخدمات صحية أساسية".
وتضرب أمثلة صارخة في لبنان، مثلا، حيث حُرم 55 ألف طفل من خدمات التغذية بين ليلة وضحاها. وفي بنغلاديش، توقفت برامج التغذية والتطعيم والتعليم الحيوية؛ أما في هايتي، حيث يحتاج 3.3 ملايين طفل إلى مساعدات عاجلة، فقد أصبحت الاعتمادية على مانح واحد تهدد قدرة البلاد على تلبية أبسط الاحتياجات. "نحن نتحدث عن 15 مليون طفل وأم معرضين لخطر فقدان الدعم الغذائي"، تؤكّد المسؤولة.
الإنفاق العسكري على حساب الدعم الإنساني
لم تقتصر الأزمة على الولايات المتحدة، إذ أنّ ضغوط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على أوروبا لزيادة الإنفاق العسكري في حلف الناتو انعكست على ميزانيات التعاون الإنساني. فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا عن تخفيضات بين 25 و40% خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
كان يشمل هذا المبلغ تمويل علاجات RUTF إلى جانب برامج أخرى مثل البسكويت المدعّم والحبوب ومكملات النساء الحوامل وسوء التغذية، إضافة إلى أجور الكوادر الطبية المشرفة.
الحلّ؟ الإنتاج المحلي للغذاء المعجزة
أمام هذا الانهيار، بدأ العاملون في المجال الإنساني بالبحث عن حلول بديلة. يقول غونزاليس: "اضطررنا في البداية إلى تقليص الحصص الغذائية، لكن النقاش عاد مجدداً حول إنتاج الـRUTF محلياً".
ويضيف: "لقد أدركنا أن الاعتماد على منتجين أميركيين وممول واحد أمر شديد الخطورة، لذلك نعمل على بناء سلاسل إنتاج بديلة، لكن ذلك سيتطلب وقتاً، والوقت هنا يعني مزيداً من الأرواح المهدورة".