باريس بين برلمان مهدد ونفوذ متراجع.. هل ينجو ماكرون؟
إسقاط البرلمان الفرنسي للحكومة التي يقودها فرانسوا بايرو، الإثنين، سيفاقم حالة الشلل التي تشهدها فرنسا في وقت حرج بالنسبة لأوروبا التي تسعى إلى الوحدة في مواجهة حرب روسيا ضد أوكرانيا وتنامي نفوذ الصين والتوتر التجاري مع الولايات المتحدة.
وتهدد الاضطرابات أيضا قدرة فرنسا على كبح جماح ديونها، مع احتمال تعرض التصنيف الائتماني لمزيد من الخفض مع اتساع الفروق بين عوائد السندات، وهو مؤشر لعلاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بالديون الفرنسية.
ولا شك أن إسقاط حكومة بايرو يعمق الأزمة السياسية التي تضعف ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وهو ما يلزم الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه دعوات من المعارضة لحل البرلمان والاستقالة، البحث عن خامس رئيس وزراء في أقل من عامين.
فماذا ينتظر ماكرون من استحقاقات وهل سينجح في ترشيح سياسي من الأقلية الوسطية الحاكمة التي ينتمي إليها أو من المحافظين ليكون رئيس الوزراء المقبل؟
قال مكتب الرئيس ماكرون إنه سيعين رئيسا للحكومة في الأيام القليلة المقبلة.
وستكون أكثر المهام إلحاحا للحكومة المقبلة هي إقرار الميزانية، وهو التحدي ذاته الذي واجهه بايرو عندما تولى منصبه. وسيكون نيل دعم برلمان منقسم للغاية أمرا صعبا بالقدر نفسه.
هذا ومن المقرر أن يقدم بايرو، 74 عاما، الذي تولى منصبه قبل 9 أشهر فقط، استقالته اليوم الثلاثاء.
يمكن لماكرون الآن أن يرشح سياسي من الأقلية الوسطية الحاكمة التي ينتمي إليها أو من المحافظين ليكون رئيس الوزراء المقبل، لكن ذلك سيعني المضي قدما في الاستراتيجية التي فشلت في تحقيق تحالف مستقر.
ويمكنه أن يتجه إلى اليسار ويرشح اشتراكيا معتدلا، أو أن يختار أحد الخبراء (التكنوقراط).
ولن يؤدي أي سيناريو إلى منح الحكومة المقبلة أغلبية برلمانية. وقال وزير المالية إريك لومبارد قبل التصويت إن الحاجة إلى تشكيل حكومة جديدة ستؤدي حتما إلى تخفيف خطة خفض العجز.
وقد يرى ماكرون في نهاية المطاف أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكنه يقاوم حتى الآن دعوات حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان وحزب فرنسا الأبية لحل البرلمان مرة ثانية.
يراقب نظراء فرنسا في الاتحاد الأوروبي التطورات عن كثب. ففرنسا هي صاحبة أعلى نسبة عجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو وهو التكتل الذي يستخدم العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي.
وتدفع فرنسا لخدمة ديونها أكثر مما تدفعه إسبانيا، كما أن فروق الأسعار مقابل السندات الألمانية القياسية لأجل 10 سنوات وصلت إلى أعلى مستوى لها في أربعة أشهر.
وراجعت وكالة فيتش تصنيفها لفرنسا إلى AA- مع نظرة مستقبلية سلبية في 12 سبتمبر أيلول. وستتبعها وكالتا موديز وستاندرد اند بورز غلوبال في أكتوبر ونوفمبر.
ومن شأن تخفيض التصنيف أن يعيق قدرة فرنسا على جمع الأموال بأسعار فائدة منخفضة من المستثمرين، مما قد يعمق مشكلات ديونها.
وقد تؤدي فترة طويلة من عدم اليقين السياسي والمالي إلى خطر تقويض نفوذ ماكرون في أوروبا في وقت تتحدث فيه الولايات المتحدة بصرامة بشأن التجارة والأمن، مع احتدام الحرب في أوكرانيا.
وقد عرض الاشتراكيون ميزانية مضادة من شأنها أن تفرض ضريبة اثنين بالمئة على الأقل على الثروة الشخصية التي تزيد عن 100 مليون يورو وتحقق وفورات 22 مليار يورو، وهو اقتراح سيكون من الصعب أن يتماشى مع جدول أعمال الإصلاحات المؤيدة لقطاع الأعمال في رئاسة ماكرون.
وقد يزداد الاستياء أيضا في الشارع، وتدعو حركة احتجاج شعبية تسمى "لنمنع كل شيء" إلى تعطيل كل شيء في جميع أنحاء البلاد يوم الأربعاء. وتخطط النقابات العمالية للإضراب عن العمل في الأسبوع الذي يليه.
كان بايرو قد دعا إلى التصويت على الثقة الإثنين، في محاولة لكسب الدعم البرلماني لاستراتيجيته الرامية إلى خفض العجز الذي يبلغ مثلي السقف الذي حدده الاتحاد الأوروبي والبالغ ٣ ٪ تقريبا، والبدء في معالجة أزمة ديون تعادل 114 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد بايرو أمام البرلمان الإثنين أن أي حكومة لاحقة ستواجه المشكلات نفسها.
قال بايرو للمشرعين قبل أن يخسر التصويت على الثقة، حيث حصل على 194 صوتا مؤيدا مقابل 364: "لديكم القدرة على إسقاط الحكومة، لكن ليس لديكم القدرة على طمس الواقع. سيظل الواقع قاسيا... النفقات ستواصل الارتفاع وعبء الدين، الذي هو كبير جدا بالفعل، سيزداد ثِقلاً وكلفة".
لكن أحزاب المعارضة لم تكن مستعدة لدعم خططه الرامية لتوفير 44 مليار يورو (51.51 مليار دولار) في ميزانية العام المقبل، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2027.
وقالت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان "هذه اللحظة تمثل نهاية المصاعب التي تسببت فيها الحكومة الوهمية"، وذلك بعدما ضغطت لوبان من أجل إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما يستبعده ماكرون حتى الآن.
وقال جان لوك ميلينشون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري المتشدد في منشور على إكس "ماكرون الآن على خط المواجهة مع الشعب. هو أيضا يجب أن يرحل".
وبايرو كان رابع رئيس وزراء يعينه الرئيس ماكرون في أقل من عامين.