سياسة

ابتزاز بنكهة سياسية.. الصين تناور بالمال لتعزيز مكانتها الأممية؟

نشر
blinx
في السنوات الأخيرة، تحوّل سلوك الصين المالي داخل أروقة الأمم المتحدة إلى أداة نفوذ سياسي بامتياز، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز.
باتت بكين تؤخر تسديد مساهماتها الإلزامية في ميزانية المنظمة عاماً بعد عام، حيث ارتفع التأخير من شهرين في 2021 إلى عشرة أشهر في 2024، حين دفعت آخر قسط من مساهمتها البالغة 480 مليون دولار في 27 ديسمبر.
تثير هذه السياسة تساؤلات عما إذا كانت الصين توظف المال لتعزيز حضورها على المسرح الدولي وتقديم نفسها كقوة بديلة تقود نظاماً عالمياً مغايراً للنظام الذي ترعاه الولايات المتحدة، وفقا لتقارير غربية.

الصين بين المساهمة المالية والنفوذ السياسي

بحسب مركز بيو للأبحاث، تأتي الصين في المرتبة الثانية بين المساهمين في الميزانية العادية للأمم المتحدة بحصة 20.004%، أي 679.8 مليون دولار، بعد الولايات المتحدة التي تتصدر القائمة بحصة 22% تعادل 820.4 مليون دولار من أصل 3.5 مليار دولار.
وتؤكد فايننشال تايمز أنّ حصة الصين في الميزانية ارتفعت من 0.99% في عام 2000 إلى نحو 20% في 2025، أي ما يقارب 680 مليون دولار، وهو ما يضعها على بُعد خطوة واحدة فقط من الولايات المتحدة التي لا تزال تسدد الحصة الأكبر.
تشير دراسة أكاديمية منشورة في مجلة Global Policy إلى أنّ الصين تستخدم مساهماتها المالية لممارسة ما يسمى بـ"القوة المؤسسية" و"القوة الهيكلية" داخل الأمم المتحدة. فمن خلال زيادة حصتها في بعض المنظمات الدولية مثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، وتولي مناصب قيادية في صناديق ائتمانية تابعة للمنظمة، وسّعت بكين نطاق نفوذها الإداري.
وعلى المستوى الهيكلي، ساهمت زيادة التمويل الصيني في تعزيز موقعها داخل هرمية المساهمات المالية، وتحدي النموذج التقليدي للعلاقات بين المانحين والمتلقين. بذلك لا تكتفي بكين بالتأثير في مسألة التمويل، بل تسعى لإعادة تشكيل البيروقراطية الأممية بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية ويعزز موقعها كقوة بديلة في النظام الدولي.

كيف تعرقل التأخيرات عمل الأمم المتحدة؟

تؤكد بيانات الأمم المتحدة أنّ الولايات المتحدة كانت مدينة حتى 30 أبريل 2025 بمبلغ 1.5 مليار دولار، فيما بلغت متأخرات الصين 597 مليون دولار.
وقال المراقب المالي للأمم المتحدة، تشاندرا موللي راماناثان، للفاينانشال تايمز إن عدم تسديد الدول لمساهماتها "بالكامل وفي الوقت المحدد" يحرم المنظمة من التخطيط السليم، ما أجبرها على خفض نفقات ميزانيتها التشغيلية لعام 2025 بنسبة 17%، أي ما يعادل 600 مليون دولار.
وتوضح ذي إيكونوميست أن آثار هذه السياسة تتجاوز الأرقام، إذ أن مقر الأمم المتحدة المطل على نهر إيست في مانهاتن يعاني من تقليصات حادة في الإنفاق جعلت حتى سلالمه المتحركة خارج الخدمة.
كما أنّ المساهمات الصينية تصل أحياناً متأخرة إلى حد يستحيل معه إنفاقها قبل إغلاق الحسابات السنوية، لتُعاد لاحقاً كخصومات على رسوم الدول الأعضاء، بما فيها الدول المتأخرة عن الدفع. ووفق التوقعات، ستُجبر الأمم المتحدة على رد 300 مليون دولار عام 2026 نتيجة الأموال المتأخرة في 2024، لترتفع هذه الاستردادات إلى 600 مليون دولار بحلول 2027، أي ما يعادل 17% من الميزانية، وفق تقرير ذي إيكونوميست.

ما الذي تريده الصين من التأخير؟

تقول ذي إيكونوميست إن الهدف الصيني من هذه السياسة غير مُعلن بشكل واضح، لكن خبراء يشيرون إلى أنّ بكين تسعى عبر هذا "النفوذ غير الرسمي" إلى تذكير الأمانة العامة بأنها قوة مالية كبرى لا يمكن تجاهلها، وبأنها تستحق المزيد من المواقع القيادية وصناعة القرار داخل المنظمة.
ويستحضر المراقبون تجربة الولايات المتحدة التي استخدمت الأسلوب ذاته في التسعينيات حين حجبت التمويل إلى أن أنشأت الأمم المتحدة مكتباً للتدقيق في الميزانية.
من جهتها، أوضحت البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة أنّ "الأمانة العامة يجب أن تحسن تخطيطها وإدارة ميزانيتها لتخفيف الأثر المالي الناجم عن اختلاف توقيت الدفع بين الدول"، معتبرة أن تأخير الصين "لأسباب إجرائية" يختلف في طبيعته وتأثيره عن "فشل الولايات المتحدة في دفع مبالغ ضخمة على مدى سنوات طويلة".
لكن في خلفية هذه التصريحات، تكشف فايننشال تايمز أنّ هذه العجوزات ترافقها مساعٍ صينية لتعزيز النفوذ عبر التعيينات وإعادة هيكلة بعض الوكالات.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة